الصفحات

2017/03/25

إبداع هادف فى كتاب " أبناء أكثر نجاحًا " بقلم: هبة عبدالفتاح



إبداع هادف فى كتاب " أبناء أكثر نجاحًا "
لرائد أدب الأطفال أ. يعقوب الشارونى
أ/ هبة عبد الفتاح

1 – حديث مع النفس :
          هذا هو يعقوب الشارونى ، موهبة عشقتها الأجيال ... حس إنسانى لا مثيل له ، إبداع انحنت له المشاعر ، ووقرته الأفهام .
          هكذا طغت على مشاعرى وحدثتنى نفسى بعد أن انتهيت من قراءة الصفحة الأخيرة من كتاب " أبناء أكثر نجاحًا " الصادر حديثًا عن دار المعارف ، فى سلسلة العريقة " اقرأ " ، عام 2017م .
          أعوام يعقبها أعوام فى حياة مربى الأجيال ونجاحه يزهو عاليًا لم تتزعزع رايته أو تهتز قامته .. النجاح وإن كان هدفًا فى حياة الإنسان الطامح ، فالاستمرار فى النجاح والحرص عليه كان وسيظل هو الأهم والأَوْلى فى حياة أستاذنا يعقوب الشارونى .
          إن نفسه الدءوبة المحبة للعمل ، روحه الممتلئة نشاطًا وحماسةً ، محبته لجميع من حوله ، وحرصه على نجاحهم وإسعادهم كانت الأسباب وراء صناعة أسطورة عاشق الأطفال " يعقوب الشارونى " .
2 – من واقع الذكريات :
          تنبعث البداية من حبه للأطفال ، وحرصه على تقديم النفع لهم ، ورغبته فى أن يظل محتفظًا دومًا بمحبتهم ، تلك المحبة التى بدأت من إحساسهم بقربه منهم ، وألفتهم معه ، والود الذى يشعرون به وهم يلتقون به يومًا من كل أسبوع ولمدة ساعتين بقصر ثقافة مدينة بنى سويف ، يستمعون للحكايات التى كان يقصها عليهم ، ويشتركون معه فى الحوار عقب الحكى ، فيكتشف كل منهما حاجته للآخر واحتياجه إليه .
          فهم يحتاجون لمن يهتم بهم ، بينما كان هو فى حاجة لمن يؤكد له موهبته ويكتشفها بداخله ، وكما مدوا إليه أيديهم ليصافحوه بحب كما اتخذ هو القرار وعزم على الكتابة لهم ومن أجلهم .
          هكذا كانت البداية بين يدى الأطفال ، لتصب موهبته فى رحابهم ، وليجد الشارونى مفتاح الاختيار من خلال ذلك التفاعل الصادق ، والمشاركة الطيبة وبين الأطفال .
          كانت تلك إحدى حكايات كتاب " أبناء أكثر نجاحًا " ، والتى كُتبت تحت عنوان " الأطفال هم الذين اختاروا " ، يروى لنا فيها الأستاذ بعضًا من ذكرياته ، ويقص علينا حدثـًا هامًا كان له الأثر فى تغيير مجرى حياته ، وفى الكشف عن موهبة صنعت تاريخًا مشرفًا فى عالم الأطفال .
          نقرأ فى القصة " هكذا اكتشف الأطفال موهبتى فى رواية الحكايات لهم والحوار معهم ، كما اكتشفت حاجة الأطفال إلى من يهتم بهم اهتمامًا حقيقيًا " .
          " هكذا بعد أن هيأت نفسى لكتابة المسرح للكبار ، اختارنى الأطفال لأكتب  لهم " .
          فالأطفال بحق هم الذين اختاروا ، هكذا جاء عنوان الحكاية .
          وهكذا كانت بداية الحكاية .
          - واستكمالاً لرحلة حياته مع الأطفال ، ولكنز ذكرياته الغنى بشخصيات وأحداث صنعت سعادة وفرحة فى نفوس الصغار ، يروى لنا فى قصة " دموع التحية والإعجاب " عن شخصية أثرت كثيرًا فى حياة الأطفال ، هى شخصية المخرجة " فاطمة المعدول " ، فيحكى عن نجاحها ونجاح كل من عاونوها ممن وهبوا حياتهم من أجل إسعاد أطفالنا ، بعدما ساعدوا الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة على تقديم عرض مسرحى رائع ، أبدع الأطفال من خلاله ، وكشفوا عما بداخلهم من كنوز ومواهب كانت مخبأة وراء ستار العجز والإعاقة ، فإذا بعيون المشاهدين تغمرها دموع التحية والإعجاب .
نقرأ فى القصة ، وبعد مشاهدة مسرحية العرائس " الوردة الزرقاء " : " انفجر التصفيق مع الدموع ، تحية للصغار الذين أثبتوا أنه لا يوجد مستحيل ، وللمخرجة المبدعة فاطمة المعدول ومن عاونوها ممن وهبوا حياتهم من أجل إسعاد أطفالنا " .
3 – الصورة الفنية :
          فى قصة " التفكير بالصور والرسم بالكلمات " ، يوضح الشارونى مبدأ هامًا فى الكتابة للأطفال ، ألا وهو قدرة الكاتب على إثراء خيال الأطفال ، وإشباع ملكاته بالمواقف المثيرة التى تُسرد ، والتى تسمح لعقل الطفل أن يتعايش معها ، وأن يحولها إلى رسوم تثرى خياله وتحفز لديه ملكات التمثيل والابتكار .
          فالأطفال يعشقون كل ما له علاقة بالخيال ، كما يميلون للعب الإيهامى ، والقصة القادرة على تحريك خيال الأطفال وتخصيبه هى الأقوى تأثيرًا عليهم والأبقى أثرًا فى نفوسهم.
          نقرأ فى القصة ذلك القبس المضىء من ذكريات يعقوب الشارونى ، الحافلة بالعلم والمعرفة ، والذى يروى لنا القصة عن نفسه بضمير المتكلم :
          " هكذا اكتشفتُ فى ذلك الوقت المبكر أن أكثر القصص تأثيرًا فى الأطفال ، وقدرة على أن تعيش طويلاً فى خيالهم ، هى التى يكتبها المؤلف الذى يفكر بالصور ويرسم بالكلمات ، ويؤكد على قوله فيقول : " تلك واحدة من أهم الخبرات للنجاح فى الإبداع القصصى للأطفال " .
          - وفى قصة " صرخة ألم " ، يرسم الشارونى شخصية الماء ملهوفًا باحثـًا عن النجدة والإغاثة ، ويضعه فى صورة المستجدى المستصرخ عمن ينقذه . فمع تكرار الممارسات السيئة الفوضوية ضد الماء ، يصرخ الماء طالبًا النجاة .. وفى كل مرة تزداد حدة الصراخ والشكوى ، كما يزداد الألم لكن دون فائدة أو إحساس .. يعرض السرد تلك الممارسات السيئة واحدة تلو الأخرى فى تدرج تلقائى يصعد حدة الموقف الدرامى ، كما يشعر القارئ بمعاناة الماء التى تزداد حدة وألمًا ، كما تزداد الصورة قبحًا وتشويهًا . فى البداية يلقى حازم بعلبة العصير الفارغة فى الماء ، بعد قليل تجمع أخته بقايا السمك المتبقى من الغداء فى ورقة وتطوح بها إلى سطح الماء ، وفى المرة الثالثة يلقى أخوه بأغطية الزجاجات وما تبقى من أوراق كانت الأسرة تغلف بها ما حملته معها من الطعام .
          وفى كل مرة يئن الماء ويُسمع له صيحة ألم ، وآهة حزن ووجع فيقول مخاطبًا من أفسد صفحته وشوه جماله " لقد أصبتمونى بالقبح والألم " .
          تئن الصورة الفنية تحت قبح العادات والسلوكيات السيئة التى يمارسها بعض الأفراد ، والتى ترسم حزنًا ملطخًا بالقاذورات والأوساخ على وجه الماء ، الذى جاء تمثله بالشخص المتألم صحيحًا ومؤثرًا وفاعلاً فى نفوس الأطفال ، فحركت الصورة من ثمَّ مشاعرهم وحواسهم ، فإذا بهم يتخيلون الماء وهو يتألم ، ويستمعون لما يصدر عنه من آهات ألم ، فيمتنعون عن فعل ما قام به حازم وأخوته ، ويحرصون على نظافة الماء وجمال صفحته .
          - وفى حكاية " أسد فى حلم " ، يفرض المُتَخَـيَّل القصصى نفسه بشدة ، خاصة أنه ينبع من عقل الطفل الصغير ومن مخيلته الخاصة ، ليرسم صورة فنية قريبة من الأطفال حيث عرف جميعهم بها ، وهى ما يرونه فى أحلامهم من كوابيس مفزعة . كذلك الصغير الذى يروى ما رآه أثناء نومه من أسد مخيف يقترب منه ويفتح فمه ، وعندما سأله الأب عمن يشبه هذا الأسد من أشخاص ؟ يجيب الصغير فى براءة " إنه يشبهك يا بابا وأنت تفتح فمك وتزعق فى وجهى " .. هكذا ربط خيال الصغير بين صورتين متشابهتين فى إثارة نفس الإحساس لديه بالخوف والفزع ، صورة الأسد وصورة الأب ، وللقارئ أن يتخيل بعد ذلك سوء العلاقة القائمة بين ذلك الابن وأبيه .

4 – اللغة :
          جاءت اللغة سهلة وواضحة ، حقق الكاتب من ورائها غرضه المنشود وهو توصيل رسالته فى بساطة ويسر إلى عقول قرائه ، وإلى تصحيح الكثير من الأساليب التربوية الخاطئة التى يتبعها الآباء أو الأمهات أو المعلمات فى الروضة والمرحلة الإبتدائية مع الصغار ، فيسببون لهم عقدًا نفسية تظل معهم حتى الكبر .
          وتتضح بساطة اللغة فى سهولة قربها إلى نفس القارئ ، وفهمه السريع المباشر لها . وفى قصة " أجمل يوم فى حياتنا " ، تنساب الألفاظ فى بساطة شديدة الألفة ، ولا سيما عندما يضع الأستاذ يعقوب الشارونى – فى حوار الأطفال - بعض الألفاظ العامية القاهرية المتداولة بين قوسين وبجانبها ما يوازيها من الفصحى ، مما يعطى به إشارة صريحة لإمكانية تجاور الفصحى والعامية فى نص أدبى واحد ، يهيئ المعايشة الصادقة بين القارئ والنص الأدبى وكأنه يستمع إلى عبارات وصياغات صادرة بالفعل من أفواه الصغار وليس الكاتب . نقرأ فى القصة على لسان الأطفال " إننا نريد من أمهاتنا وعائلاتنا أن تعاملنا معاملة حسنة ، وتحافظ على كرامتنا ، بدلاً من (الشخط) والأوامر طوال الوقت " .
          تكلمنا عن أستاذ الرسم الذى يقطع الكراسات ويمزقها عندما يرى أن الرسم " وحش " أو غير جميل ، مع أننا لا نعرف كيف نجعل الرسم " موش وحش " .
          " وناقشنا الواجبات الكثيرة التى لا نقدر عليها ، وطالبنا أن تقل (شوية) تقل قليلاً " .
          كما عرضنا موضوع الأبلة المشرفة على الفسحة عندما نشكو لها أن أحدًا ضربنا فتقول " معلش ... معلش " ، واحنا زهقنا من كلمة " معلش " .
          إن تجاور الفصحى والعامية لهو أمر شديد الأهمية والخصوصية فى ذات الوقت ، فمن الناحية الأولى تبقى أهميته فى معايشة القارئ للأحداث ووصولها السريع لعقله ونفسه ، وتداولها السريع على الألسنة . أما الخصوصية فالأمر يحمل بعضًا من المغامرة ، ولعلها مغامرة خاصة بالكاتب وحده ، يعلن من خلالها عن طرقه لهذا الباب الذى لا يدنى من شأن الفصحى فى شىء ، لكنه يذيلها بشبيهتها ومثيلتها من ألفاظ العامية ، وهى الفصيحه من ألفاظ الحديث اليومى ، مما يزيد الموقف اللغوى ثراءً وصدقًا وقربًا ، ويدعم الحس الأدبى والفنى ويؤكده .
          أما الأمر الثانى فيما يتعلق باللغة ، فيتمثل فى إيراد الكلمة الأولى من كل حكاية أو قصة فى مربع صغير يمين الصفحة ، وكتابتها بخط أكثر إيضاحًا وأكبر حجمًا من باقى كلمات النص ، مما يغرى القارئ بسرعة تناول الحكاية من بدايتها ، ولفت انتباهه وإثارة تشويقه مع بداية الحكى ، والعمل على دمجه فى الحكاية من أول سطر بها بل من أول كلمة .. هكذا جعل يعقوب الشارونى للكلمة أهميتها ، خاصة عندما تكون الكلمة الأولى فى الحكاية ، والتى تحمل رغم بساطتها قوة وعمقًا من نوع ما .
5 – الحِكَم المنتقاة :
          ضَمَّن الأستاذ يعقوب الشارونى كتابه مجموعة من الحِكَم المنتقاة ، والمستخلصة من تراكم خبراته العملية والقرائية فىتربية وتعليم وتهذيب الأطفال . وقد توج بعض حكاياته بعبارات مقتضبة تحمل قيمة الحكمة ومؤداها . ففى قصة " إزالة الحواجز حجرًا بعد   حجر " ، يسير السرد فى خطه المُحْكَم خطوة بعد خطوة فى تدرج محسوب ونظام متزن ، إلى أن تتجمع الخيوط فى النهاية لتصب فى ملتقى واحد ، هو القارئ الذى يستخلص القيمة ويلتقط الحكمة القابعة عند نهاية الحكى .
          نقرأ فى القصة : " إنَّ الحواجز تنشأ بين الناس تدريجيًّا مثل بناء حائط حجرًا فوق حجر ، ويمكن إزالة هذه الحواجز والتغلب عليها بنفس الطريقة ..بأن نهدمها حجرًا بعد حجر " .
          - وفى عبارة قصيرة فى نهاية قصة " ضفدعة وأربعة أطفال " ، تأتى الحكمة المقتضبة والملخصة لتجربة أربعة من الأطفال مع ضفدعة صغيرة فى حديقة البيت الأمامية ، حيث نستمع إلى قولهم فى النهاية : " إنها لا تخيف ، لكننا كنَّا نخاف من الشىء الذى لا نعرفه " .   
- وفى قصة " بغير خصام " يترجم يعقوب الشارونى موقفًا فى غاية الأهمية ، يؤسس لمبدأ هام يجب تعليمه للصغار ، ودفع الكبار لممارسته والحرص عليه ، ألا وهو قبول الآخر حتى وإن كان مختلفًا ، والإعلاء من قيمة الحوار والتعبير عن الرأى .
فرغم حدوث اختلاف بين زوجين فى إحدى وجهات النظر فى حضور أحد أصدقائهما ، الذى يظن أن الخلاف قد استحكم بينهما وأنه لا أمل فى السلام من   جديد .. إذ بالزوج يضحك فى مفارقة مدهشة ، ليؤكد للصديق أن الاختلاف مهما بلغ حدُّه يجب ألا يصل لحد الخصام أو الخلاف .. يقول الزوج للصديق : " لا تخف .. تعلمنا كيف نختلف بغير أن نتخاصم " .. إنها وصفة العلاج لكل مشكلات الحياة الناجمة عن سوء التفاهم وعدم الاتفاق فى الرؤى أو التوجهات ، يقدمها الشارونى ببساطة شديدة وبوعى وإدراك صحيح لأهمية التعامل الصحيح مع الحياة ومع الناس حتى وإن كانوا أقرب الأقربين إليك .
- وفى حرصٍ شديد منه على تربية النشء تربية سليمة ، وضع الشارونى حكمته ورسالته فى قصة " كرة تحت السيارة " ، على لسان الأب الذى ينصح ابنه الأنانى قائلاً له: " لا تنس .. كل من يريد أن يلعب وحده ، كثيرًا ما يفقد كل شىء " .
6 – الشارونى ناقدًا :
          ليس غريبًا على الإنسان ذى الحس الفنى النابض والفكر الواعى والقدرة على التعامل الإيجابى مع الحياة والمواقف والأشخاص ، أن يتكدر ويتعكر صفو حاله لما يراه سيئًا أو على غير ما يرام . إن النضج الفكرى والروحى الذى يتمتع به يعقوب الشارونى جعله سريع الالتفات لكل ما يراه غير صحيح أو يحتاج بعضَا من التعديل أو التصويب .
          وليس أدل على ذلك من تلك الحكايات التى يضمنها كتاب " أبناء أكثر نجاحًا"، التى ينتقد فيها الشارونى العديد من الأساليب التربوية الخاطئة بشأن معاملة الكبار للصغار ، فى حين يرحب بأساليب أخرى كان أصحابها على درجة كبيرة من الوعى والنضج التربوى والإنسانى .
          - فى قصة " امتحان تحت التهديد " ، ينتقد الشارونى تلك الحالة الشديدة من الرعب التى وضعتها تلك الأم – المنهارة قلقًا - فى نفس ابنها ، عندما انهالت عليه بالأسئلة بعد انتهائه من أداء إحدى الامتحانات للتأكد من صحة أجاباته ، عاقدة عزمها على أن تسمع منه الإجابات بكاملها لكل سؤال كما كتبها فى ورقة الإجابة ، دون أن يُنْقِص منها حرفًا واحدًا.
          هنا تبدأ علامات القلق والانزعاج تظهر على وجه الصغير ، الذى أخذ يتلجلج فى الكلام إلى أن تملكه الرعب وانهار فى البكاء .
          هنا يظهر الحس النقدى لكاتبنا الكبير ، الذى يصرح فى القصة عن رفضه لذلك السلوك الجاهل من الأم ، وتعاطفه مع ذلك الصغير الذى يخاطبه بقوله : " أنت أيها الصغير الذى وقعت فريسة تلك الأم المريضة بالقلق ، كنت أود أن أسمع منك كم أنت واثق من نفسك ومن نجاحك، وأنك على استعداد لأداء امتحان اليوم التالى مهما كانت إجاباتك فى امتحان اليوم السابق " .
          لقد انتقد الشارونى تصرف الأم وشعورها المتزايد بالقلق الذى نقلته بدورها لابنها الصغير ، فأفقدته توازنه النفسى واستقراره وأمانه الداخلى .
          - وفى قصة " لا أحد يستمع إلى مشاكلى " ، ينتقد الشارونى كثيرًا وكثيرًا من الأساليب والممارسات الوالدية الخاطئة فى التعامل مع الأبناء ، فى عبارة قصيرة يوجهها لكل أب وأم بقوله :
          " كل أب وكل أم حريص على مصلحة ابنته ، لكننى أقول أيضًا للآباء والأمهات : تنبهوا ، فإنكم تجهلون تمامًا العالم الداخلى لمعظم بناتكم " .   
          - أما فى قصة " الحفيد ومسمار النظارة " ، فنجد ترحيبًا من الكاتب لذلك التعرف الحكيم الذى اتبعه الجد مع حفيده ، حينما وجهه للطريقة المثلى فى معالجة أخطائه ، وتفادى وقوعها مرة أخرى ، فنقرأ : " لقد وجَّهْتُ الصغير إلى طريقة معالجة الخطأ بأسلوب لا يتعارض مع ثقته بنفسه وشعوره بتقديرى له ، فدفعه هذا إلى مزيد من الإقدام والخبرة والمهارة " .
          إن الشارونى لا يبتعد كثيرًا هنا عن دور الناقد الذى يرى المواقف من حوله بعينى الفاحص والمتميز والمحلل ، فيقدم للقارئ بانوراما من السلوكيات الحياتية بحلوها    ومرها ، الصواب منها والخطأ ، فتتحقق الفائدة التى يرجوها ككاتب يسعى لجلب المنفعة للقارئ ، دون أن يغفل حق هذا القارئ فى الإمتاع الفنى والنشوة المتحققة التى يبغيها كل قارئ من وراء قراءته للأدب وتعايشه معه . إنه لا يقول أكثر من إنه مع كذا ... أو ليس مع كذا ... فينظم بذلك العلاقات ، ويضع الثوابت فى أماكنها بالشكل الذى يجعل الكبار يتفهمون الصغار ويحسنون التعامل معهم ، وبالطريقة التى تجعل الصغار يجدون من يفهمهم ويتفاهم معهم ، ومن ثـَمَّ يشعرون بالأمان والحب والاهتمام والتقدير .
إن يعقوب الشارونى يضع بهذا الكتاب علامة مضيئة فى عالم الكتابة للكبار عن الأطفال ، وفى الأدب بوجه عام ، ويضىء إشراقة جديدة تفتح أبواب الحياة أمام الكبار والصغار ، وتأخذ بأيديهم لبناء مستقبلهم الواعد الذى ينتظرهم ، والذى سيكون فيه الصغار هم الأنجح والأفضل بجهودهم ، وبرعاية الكبار لهم وحسن تربيتهم وتوجيههم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق