2015/12/01

وضاعت حياة العرب في.. «حضرة» قرني بقلم:شوقي عبدالحميد يحيى

وضاعت حياة العرب في.. «حضرة» قرني


 شوقي عبدالحميد يحيى
من المقولات الشائعة، وتكاد تصل إلي الحقيقة، أن الرواية أبطأ الأنواع الأدبية استجابة، وتعبيرا عن الأحداث. وإذا كنت قد رأيت في مقدمة كتاب "دور الرواية العربية في الربيع العربي"[i]، حين الحديث عن الرواية التي ساهمت في تأجيج المشاعر والحض علي الثورات العربية، كنت قد توقعت ألا تظهر رواية تعبر عن ذلك الربيع قبل خمس سنوات علي أقل تقدير. إلا أن الإبداع دائما ما يسبق رؤى النقاد، ولا يخضع لتوقعات الدارسين.
فهاهم المبدعون يكسرون أفق توقع النقاد، ويظهر أكثر من عمل روائي علي مستوى يستحق التقدير والدراسة، قبل تلك السنوات المتوقعة، بل لم يكن قد مضي عامان علي اندلاع شرارة تلك الثورات، حتي خرجت من المطابع رواية (سماء الحضرة)[ii] للروائي متعدد المواهب أحمد قرني[iii]، متخطية تلك التي خرجت ولم تكن الأحداث قد برد لهيبها، وما أطلقنا عليها ب"المرحلة التسجيلية" لتضرب في عمق الأحداث، باحثة عن جذورها، ومتخطية إلي أبعادها وتداعياتها البعيدة، ولتؤكد تلك الرؤية التي تري أن الرواية هي المؤرخ الحقيقي لحياة الشعوب. وهذا ما تؤكده "سماء الحضرة" لتخطيها حدود الزمان (زمان الأحداث/ الثورة) وحدود المكان، حيث ربطت بين آمال وطموحات المشردين من الفلسطينيين الذين كانت مصر أمل العودة بالنسبة لهم، وانكساراتهم بانكسارها، وبين شعلة الثورة المنطلقة من تونس، وتحديدا من احتراق "بوعزيزي" كشرارة للثورة فيها، وقتل "خالد سعيد" علي يد رجال البوليس ، كأيقونة وشرارة لها في مصر. مصر تلك التي ذاب فيها "أمين المصري" الذي يعبر عن التيه العربي المتمثل في التيه الفلسطيني الذي بدأ منذ العام 1948. حيث (لجأ) "أمين المصري" هاربا خائفا مطاردا إلي مصر.
ويزداد تيه أمين (المصري) عندما يفقد كل أوراقه التي تثبت شخصيته، فيصبح، والعرب معه، بلا هوية ثبوتية، فيلجأ لمن (يضرب) له أوراقا مزورة، تزرع في نفسه المزيد من الخوف والترقب، فيشتهر بالهرب فور أن يبدأ أحد في الحديث في السياسة أمامه، مثلما المصريين جميعا في تلك المرحلة. ويوغل في الهروب والتخفي، بالالتجاء إلي (الحضرة). تلك الشعيرة الدخيلة التي ينسي فيها العربي نفسه، ويعيش حالة من الصوفية ، أو التوحد مع السماء. في إشارة إلي ما لعبه الفكر الديني الغيبي، من تغييب للعقل، واستسلام وبعد أن أرض الواقع، أو متطلبات العصر. وهو ما يمكن استخلاصه من عتبة الرواية الأولي، وهي العنوان، وما يكشف عنه نهاية الرواية، وما سنتحدث عنه في حينه.
ولم يكن السجن والخوف الذي هرب منه بأقل مما لجأ إليه. فإن كانت فكرة التحرر قد نبتت بذرتها في أعماق من قاموا من أجلها في مصر، فقاموا بحركتهم (المباركة) في العام 1952. إلا أن شيئا لم يتغير . اللهم تغيير الأشخاص. ذاب وتماهي "أمين المصري" في مصر التي تاهت عن نفسها منذ أن حكمها أهلها ، ليعيشوا غرباء في وطنهم، فيما أطلق عليه بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 (الجمهورية الأولي) والتي شملت حكم كل من (عبد الناصر والسادات ومبارك). فجاءت الأقوال في جانب، والأفعال في جانب آخر. الحرية في خطاباتهم. والسجون والتعذيب في أفعالهم بدأ من عبد الناصر:
{عبد الناصر حين دخل الكرملين وضعوا أمامه مائدة عامرة بأشهي الأطعمة، لكن ناصر طلب قطعة جبن بيضاء وحزمة جرجير، ناصر لم يلتفت إلي المائدة العامرة، أدهش الجميع بتصرفه، الزعيم الذي أكل الجبن الأبيض، هو من سجن معارضيه في سجن القلعة الحربي. ملعونة السياسة، تشهد كل متناقضات الزعماء...}. ذلك الزعيم المنادي بالحرية هو من تعامل مع معارضيه ، بما يتنافي مع أدني مظاهر الحرية. بل وصل الأمر إلي استعمال أساليب العصابات مع من يرفض الخضوع لرغباته، مهما كانت قيمته:
{حتي الشيخ عبد الرازق السنهوري أعظم من أنجبت مصر من فقهاء القانون والسياسة أحب عبد الناصر لكنه رفض أن يتعامل معه ورفض أن يضع يده في يده أو أن يكون واحدا من وزرائه.. أرسل له ناصر مجموعة من العمال لتضربه وتهتف في مكتبه (يحيا الجهل ويسقط العلم)}.
ويستمر الكشف عن تناقضات ذلك العهد، بأكبر مأساة عاشتها مصر، وعاشها العرب، والكاشفة عن الهوة السحيقة بين القول والفعل، مأساة يونيو 1967، والتي اختصرها أحمد قرني في فقرة كاشفة:
{تراجع خطوتين للخلف مقررا الانسحاب وعلي دفعة واحدة من أمام منزل الهتيمي مثلما أعطي المشير عبد الحكيم عامر أوامره للجيش المصري بالانسحاب فجأة ودون أن يكون هناك خطة للانسحاب في حرب 67، وقد خلف كارثة وخسائر في القوات والعتاد الحربي، ونكسة لن ينساها التاريخ الحديث أبدا .. أما عبد الناصر فجلس في بيته بمفرده وقد طلب من هيكل أن يعد له خطاب التنحي..}.
ولم يتوقف الأمر عند عبد الناصر وحده، وإنما امتدت السجون والاعتقالات والتعذيب علي مدي تلك الجمهورية المزعومة:
{كما قال الشيخ اللاهوني في معتقل السادات كل شئ مباح الخوف والرعب والألم، لكن ما لا يعلمه الشيخ اللاهوني أن معتقل السادات كان أخف وطأة من معتقل عبد الناصر، أما معتقل مبارك فكان شيئا آخر ..}.
ومن جراء ذلك عاش المصري – والعربي عامة – في حالة من الجبن والخوف والتخاذل، لتصنع جيلا من الجبناء المترددين الخائفين.
فنري "المصري" وقد ظهر بالصورة المتخاذلة عندما تم القبض علي رفيقه "عمار" وهرب  متخفيا، وقد تبين له ضعفه وتخاذله حين أخذ يؤنب نفسه:
{سامحني، كنت أضعف منك، لم أتحمل، كان الضعف قد تملك مني، هربت بمجرد أن سمعت طرقات يد قنديل المرتعشة علي باب حجرتنا التي كنا نسكنها معا في الأسكندرية، كان يخبرني بالقبض عليك، حملت حقائبي وهربت إلي القاهرة المزدحمة حتي لا يعرفني أحد، ها أنا لا يعرفني أحد.. ولم يعد – بعد موت الشيخ ربيع –يعرفني أحد.. ضعت إلي الأبد}.
ثم تخاذله وهروبه ممن أحبها وأحبته، واستأمنته علي نفسها، رغم المخاطر التي تتهددها من وراء ذلك، "سناء" الهنجرانية ، ذلك الملاك النازل من السماء، و التي نتعرف علي أنها من قبيلة الهنجرانية، تلك القبيلة التي لا يعمل رجالها، وإنما ينتظرون ما تأتي به نساؤهم من غلة العمل بالسرقة. ونتعرف أنها تعمل فيها مع "قدارة"، وأنه مسموح للمرأة من القبيلة عمل كل شئ إلا تسليم جسدها لغير الهنجراني. وقد استأجرت شقة بشارع المساحة بالدقي، لم تخبر بها أحدا، وأصبحت تستقبل فيها "أمين". ولما عرفت "قدارة" كان الموت ينتظرهما معا.... تخلي أمين عنها وفر هاربا.
يطلب "أمين" من ابنه "عماد" أن يسافر إلي تونس لعقد صفقة مهمة، إلا أن "عماد" {ذهب للتجارة فشغلته السياسة}. وكأن الجيل الجديد، جيل الشباب، ذهب (معنويا قبل أن يكون جسديا) إلي تونس لاستلهام روح الثورة، حيث تشابُه أسباب الشعلة المحركة {بن علي حرق الشاب الجامعي بائع الخضراوات، رايناه يقتله مثلما رأينا مبارك يقتل خالد سعيد ... كيف استطاع "بوعزيزي" أن يصرخ ويشعل النار في جسد الوطن كله بصرخته تلك...}.وبعودة "عماد" الذي كان أحد مشعلي الثورة، بدعوات الشباب علي صفحات الفيس بوك   بينما الأولاد تجمعوا حول شاشات الكمبيوتر يبثون فيها روحا متمردة ،روحا مثل روح خالد سعيد التي أزهقها الأمن في الأسكندرية .. التف الأولاد يبكون خالد سعيد علي صفحته}، {صفحة خالد سعيد تحولت علي الفيس بوك إلي طنين نحل ورغبة في حرية افتقدوها فراحوا يبحثون عنها علي الشاشات .. دفء شاشات الكمبيوتر يمنحهم الأمن الذي افتقدوه}. واشتعلت الثورة وأصر الشباب، علي رحيل مبارك، بجرأتهم المفقودة لدي آبائهم والتي عبر عنها "عماد" حين راح يناجي والده، في فقرة تحمل العديد من الدلالات، وتلقي بظلالها علي الرواية، وتكشف أبعاد العنوان:
{المشكلة يا أبي أنني لست مثلك، لا أجد فرقا كبيرا بين عبد الناصر والسادات، وأنا لا أجد تلك المسافة، حتي مبارك لا يقدم جديدا يسير بنا إلي هدف علي الأجدر لا يعرفه، هو ضائع مثلنا لا يمتلك بوصلة لمعرفة أين نتجه، كنت تريدني مثلك أن أحب عبد الناصر الذي موته مثل النهايات المفتوحة في الروايات، تصلح لكل التأويلات .. أما نهاية السادات فكانت مثل نهايات أفلام الأكشن، كيف ستكون نهاية مبارك الوشيكة ؟ بن علي هرب، ومبارك خائف متردد، والإخوان ينتظرون أن يحكموا مصر..}. حيث نتبين:
1 - أن مسيرة الجمهورية الأولي (عبد الناصر والسادات ومبارك) كانت مسيرة من الكبت والمعتقلات، وغياب الحرية.
2 – أن الأبناء يحملون الآباء مسؤولية ما وصل إليه حالهم، بخوفهم وتقاعسهم ( وهو ما سعت إليه أيضا عطيات أبو العنين في روايتها "السعار"، وإن كانت أكثر مباشرة فيما نجح أحمد قرني في أن يصهرها في السياق).
3 – توقف النموذج المحتذي لدي العرب، عامة، عند السلف. فما كان في السابق، هو الحل والمرتجي. فإذا كان السلف هنا قد توقف بالأب عند عبد الناصر، رغم من أتوا بعده، وما قدموه من إيجابيات أو سلبيات، فهو ذاته الذي أدي إلي الجملة الأخيرة {والإخوان ينتظرون أن يحكموا مصر}. تحت دعاوي الدين وإقامة الدولة الدينية، وتطبيق الشريعة، واستغلالهم لضعف الشارع المصري والعربي أمام ذلك الإسلوب، وهو ما نجحوا فيه بالفعل.. وما استشعر الكاتب خطورته – والأرجح أن هذا كان لم يزل في علم الغيب حين كتابة الرواية – فراح يستحث الهمم، وينفخ في النفير، أن تجمعوا يا أبنا الوطن، الخطر قادم. الإخوان قادمون. فاستحضر من تاه منهم، ومن مات، ومن يبحث عن مستقبل الوطن لم يزل:
{تلاشي الزمن، كل الذين غادروا الميدان عادوا إليه، الشباب، البسطاء، السلفيون، حتي عماد.. سناء، حتي عمار الحسيني .. حتي العسكر.. الكل عاد لمواجهة الخطر... الخطر الذي يحدق بالجميع كوحش هائل بحج المتوسط، عبر إلي هنا، بوجه دبابة ميركافا وجناحي طائرة أباتشي، يعبر المتوسط، ويخترق حاجز الصوت فوق الميدان....}. فقد إنكشف الغطاء عن الخطر القادم ، غطاء الدين، وظهرت القوة العسكرية التي تسعي لإذابة الدولة المصرية، وتضيع هويتها، في محيط الدولة الإسلامية المزعومة.
وقد كان أحمد قرني موفقا في التعبير عن تلك الصرخة التي لم تفقد الأمل، حين غاب –عمدا- عمار الحسيني، وعماد أمين المصري، بل وسناء، ولم يشأن أن يميتهم أمام ضربا الأمن القاسية، والتي راح ضحيتها الكثير من الشباب، ليظل الأمل قائما، والثورة قائمة، وهو ما ترجم علي أرض الواقع بالثورة الثانية في الثرثين من يونيو 2013.
التقنية الروائية
استطاع أحمد قرني أن يتداخل بخطي الرواية، تداخلا مضيئا، ويمزج بينهما في صنعة غير مفتعلة، ولا مصنوعة. فربط بين شخوص الرواية ، علي المستوي الفردي،وشخوص التاريخ، علي المستوي الجمعي، الأمر الذي الذي استطاع به أن يوصل خطابه الروائي إلي قارئه، دون أن يفقد متعة القراءة التي اعتمد فيها عنصر الحركة والتشويق. حيث تمثلت الحركة في اللعب بالزمن، تقديما وتأخيرا علي مراحل مفاجئة، فصنع ما يشبه الصدمة التي تجعل من القارئ في حالة يقظة مستمرة.
وأما التشويق فكان واضحا في عدم الإفصاح عن مخبوءات "أمين المصري" وأقنعنا باستمرار أن هناك ما يخفيه. بل إنه ظل علي مدار الرواية لا يفصح عن هويته الحقيقية، والتي لم نكتشفها إلا من خلال الأحداث والوقائع. الأمر الذي سعي القارئ معه إلي اللهاث والبحث عن سر ذلك المدفون في جوانيته ويفيه عن الآخرين، والناتج عن تصرفات كثيرة تحيطه بالغموض المحفز. بل ولم يقتصر علي "أمين المصري" فقط، بل ظلت بعض الشخصيات مجهولة بالنسبة للقارئ، مثل "سناء الهنجرانية" و"قدارة" التي مثلت نقطة طاردة، ومبعث رعب له، ورغم ترددهما كثيرا علي صفحات الرواية، إلا أنه لم يُفصَح عنها إلا في الصفحات الأخيرة منها.
أما عمليات الربط بين الشخوص الروائية، والشخصيات التاريخية، سواء ما كان منها من أرض الواقع الحي، أم من شخصيات خيالية ذات مدلول يساعد في تصوير الرؤية البعيدة،وما أعطي الرواية أبعادها، وقيمتها، فيتمثل في الربط بين "أمين ذاته، في انهزاميته، وانهزامية مبارك ساعة أن حاصر المتظاهرون قصره قبيل الرحيل {يشاهد سقوطه مثل مبارك وهو يهرب إلي شرم الشيخ بعد أن حاصر المتظاهرون قصر}. وأيضا الربط بينه – أمين المصري- وعشوائيته ولا منطقيته، وبين نكسة 67 والتي هزت الأمة العربية كلها { تراجع خطوتين للخلف مقررا الانسحاب وعلي دفعة واحدة من أمام منزل الهتيمي مثلما أعطي المشير عبد الحكيم عامر أوامره للجيش المصري  بالانسحاب}.
وكذلك الربط بين الإبن "عماد" الذي يمثل الجيل الثائر والمغامر، وبين "عمار" رمز الجرأة والكفاح في نظر أمين:{كان عماد المصري يلقي الشعر أمام أبيه كما كان يلقيه عمار الحسيني، هكذا شعر أمين المصري، نفس النبرة والحماس الذي شاعده في عيني عمار عندما قابله في سجن عوفر..}.
وأيضا نجد الربط في {وجه خليل العوضي لايفارقه، كان يشبه وجه قدارة ، ويذكره بوجه لينا ابنة المهاجر البلغاري التي تسببت في سجنه سنوات في "عوفر"..}.
وكذلك في {العوضي يشبه إلي حد كبير شخصية المحتال التي ظهرت في روايات الأسبان خلال القرن السادس عشر وما تلاه..}.
اعتمد الكاتب، أيضا، علي عملية التوثيق بالتواريخ والوقائع الحقيقية، دون أن يقع الكاتب في المباشرة التي وقع فيها الكثيرون ممن كتبوا عن ثورة يناير، إلي جانب الوصف الواقعي لكثير من الأماكن في القاهرة والأسكندرية، خاصة الأماكن ذات التاريخ، وذات الدلالات الموحية، مثل وصف "قهوة الفيشاوي" والتي اشتهرت بكونها ملتقي المثقفين، الذين يمثلون طليعة الثورة، وما أضفاه عليها من جو تاريخي وطليعي، في صدق ودقة الوصف والمعايشة التي تضع القارئ في قلب المكان، وتخلق الحميمية بين القارئ والعمل :
{هذا ما قاله رجب، كان رجب يحكي له ما سمعه من حسين نجم علي الفيشاوي التي ما إن تقترب منها حتي تستقبلك رائحة النرجيلة بأنواعها المختلفة، تطالعك الوجوه العربية والأجنبية التي اصطفت تأخذ مكانها بالمقهي العتيق ، سمع المصري أحاديث الناس عن فهمي الفيشاوي صاحب الفيشاوي ، وأحد فتوات الجمالية ، جعله الفتوة مقره الذي يدير منه شئون الحي ثم أصبح الفيشاوي مقصدا للطلاب ، بعد أن ذاع سيطه صار ملتقي للحركات الطلابية السرية لإععداد المظاهرات ضد الإنجليز، اشتهر الفيشاوي بتقديم الشاي الأخضر مع النعناع .. في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، كان يلجأ إليه البغض بعيدا عن إزعاج الغارات والخوف الذي أربك الجميع ، وعندما تغلق أبواب الفيشاوي.. يبدأ الغناء حتي الصباح، غناء ورقص بعيد عن أعين الناس ، أربعة أبواب اثنان قريبان من إحدي ساحات الحسين، والإثنان الآخران يطلان علي أحد أروقة خان الخليلي، علي الباب الرئيسي للفيشاوي هناك مرايا كبيرة بيضاوية الشكل ...}.الأمر الذي يقترب بالرواية من روح التاريخ، ولتصبح بالفعل هي المؤرخ للشعب المصري، ولتصبح الرواية مصدرا ثقافيا ممتعا، لا حكاية تحكي، مثلما سعت إلي ذلك أيضا "سهير المصافة" في روايتها الأخيرة "بياض ساخن" والتي حاولت فيها كذلك التقرب من روح ثورة يناير، وإن لم يصل التزاوج فيها حد الانصهار مثلما حدث في "سماء الحضرة" التي لم يلوث سماء أجوائها إلا اكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية، وسوء استخدامات الهمزة، وأيضا إختفاء الكثير من علامات الترقيم الضرورية، والتي جعلت الكثير من التداخل بين الجمل، ومان يمكن أن يُغَيب المعني عن القارئ.
إلا أن المحاكمة الفنية التي أقامها أحمد قرني للشعب المغيب في ضباب الحضرة المٌغَيبِة للوعي، فعاش كما (المجاذيب) تحت تأثير الغيبيات، ساعده عليها حكام أبوا إلا أن يحكموه بالأمن دون الأمان. فحقق بها أمنية "أمين" بطل روايته حين{ تمني  لو كان أديبا واستطاع أن يكتب سير هؤلاء المشردين كقديسين كي يعاقب التاريخ الذي لا يحتفي إلا بالحمقي الذين يقتلون الناس في الحروب ويسميهم زعماء.. }.

EM:shyehia48@gmail.com



[i]- للكاتب "دور الرواية العربية في الربيع العربي- الهيئة المصرية العامة للكتاب – أكتوبر 2014.
[ii]- أحمد قرني – سماء الحضرة –الهيئة العامة لقصور الثقافة – إقليم القاهرة الكبري – 2014.
[iii]- وكانت الرواية قد صدرت عام 2013 ضمن منشورات زرقا اليمامة للنشر والتوزيع.
 http://www.alkalimah.net/article.aspx?aid=7879

ليست هناك تعليقات: