2019/01/07

طوفان اللوتس ..رحلة إلى قلب الأسطورة بقلم: حسام باظة

طوفان اللوتس ..رحلة إلى قلب الأسطورة
حسام باظة
فى أسلوب أشبه بكتابات الاساطير ، ولغة شعرية بديعة تبدو كما لو كانت تغريدة بجعة تسبح وحيدة فى بحيرة ، نسجت لنا الكاتبة هذه الرواية من بدايتها الى نهايتها مما يجعل الكاتبة تحلق وحدها فى سماء أخرى وتنحوا منحى أخر يختلف عن الأخرين . اللغة العربية الفصيحة القوية والجزلة هى ما استخدمتها الكاتبة سواء فى السرد أو فى الحوار مما أضفى على الرواية قوة وخيال ، بدأت الرواية برحلة سيارة لبطلة الرواية سندس أخذة فى وصف المكان والشخصية بأسلوب ينقلك على الفور إلى جو الرواية وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا . عدد الشخصيات فى الرواية قليل جدا ، فهم لا يزيدون عن سبعه أو ثمانية اشخاص مقارنة برواية تقع فى حوالى أربعمائة صفحة ، ولم تستخدم الكاتبة الشخصيات الثانوية الا فيما ندر وفى ظل اضطرار الحدث الى ذلك ، مما يساعدك على التركيز فيما تريد الكاتبة أن توصله اليه ولا تتشتت فى شخصيات وأحداث ثانوية . فكرة الرواية تمزج بين الواقع والخيال ، سندس البطلة بعدما يموت أبوها وتصبح وحيدة وتنكسر فى قصة حب فاشلة تهرب من قاهريتها الصاخبة المرفهه المتحررة الى قرية (قبريط) الواقعه بشمال مصر على نهر النيل ، لتعيش وحيدة فى بيت أبيها وجدها لتزيل عنه التراب وتسقى وروده وأشجاره لتزدهر مرة أخرى ، فى إشارة الى مقابلتها للبطل ياسين هذا الرجل الأسطورى الكاسح ، والذى سقط قلبها تحت قدميه من أول لقاء ليكسر كبريائها ويعاملها بتعالى من برجه العاجى ، إكتشفت سندس أقارب أبيها واللذين تقابلهم لأول مرة وهم هذا الأسطورى ياسين وأخيه جاسر وابوهم الحاج أحمد ووالدتهم ، لتحيطها هذه الأسرة بالود والحب والتبنى ، الا ان حبها لياسين لا يسير بما تشتهى السفن فهو رجل متزوج . تبدأ الرواية فى الثلث الثانى منها فى أخذ منحى أخر حين تكتشف سندس أن بيت جدها هذا والذى يقع فى هذه القرية الاثرية القديمة ( قبريط ) يقبع فوق مقبرة فرعونية للملك ( حور ) والذى يخطفها الى أسفل البيت لتجد نفسها فى قاعة فرعونية مهيبة أمام الفرعون الاله ( حور ) . تكتشف سندس انها الملكة ( نفر ) زوجه ( حور ) والتى قتلت من ثلاثة الاف سنه وبعثت من جديد فى جسد سندس ، لتسير بنا الرواية فى خط تناسخ الارواح وحلول الارواح كل ثلاثة الاف سنه فى جسد جديد ، وتتمزق سندس بين حبها لياسين وحب حور لها والذى عاد بعد الاف السنين ليبحث عنها ويجدها مرة اخرى . فى خضم هذه الاحداث التى تجعل انفاسك متلاحقة تكتشف كم هائل من المعلومات الصحيحة والمدققة عن الحضارة الفرعونية واساطيرها القديمة وصراع الالهه فى المعتقد الفرعونى القديم لتجد نفسك شاهد عيان على ست وحور ونفر وايزيس وازوريس وماعت وست ونفتيس وكاف ميريت ورع ، وصراع كل هؤلاء الالهه فيما بينهم ، مما يوضح الجهد الذى بذل فى تدقيق هذه المعلومات وصياغتها بهذه الطريقة ، ثم تعود بك فى رشاقة الى عالم ياسين وجاسر وسندس ووالدهم وأمهم ، لتسير الرواية على هذا النهج وبين هذين الزمنين لنصل الى بؤرة الصراع عندما يتزوجها ياسين ويغار عليها حور من ياسين والعكس حتى نصل الى حل الصراع ونقطة الضوء فى الجزء الاخير من الرواية والتى صاغته الكاتبة كملحمة فرعونية بديعة . تؤكد الرواية على قيمة العائلة ، مما يعد نقطة محورية وهامة جدا فى صلب الرواية ، فالبطلة سندس والتى وجدت نفسها وحيدة بعد وفاة والدها تسافر الى بلدتها لتجد الحاج احمد ابن عم والدها وابناؤه ياسين وجاسر خيرعون لها ، يحتضنونها ويوفرون لها الامان النفسى والاجتماعى لدرجة انها تجد نفسها بدون ان تشعر تقبل يد عمها الحاج أحمد كلما سلمت عليه ، وهى الفتاة المتعجرفة المتحرره الا ان هذه الشخصية القوية والتى لها مكانة كبرى فى البلده والبلاد المجاورة والمتمثلة فى هذا الرجل تجعلها تشعر بأنه فى مكانة والدها . تتطرق الرواية الى نقطة هامة وهى وقوع الزوج فى حب فتاة حبا لا يوصف فى الوقت الذى يحب فيه زوجته ايضا ، لتقول ان الرجل بطبيعته قلبه يتعلق بأخرى حتى لو كان متزوجا ويحب زوجته ، وعالجت هذه الجزئية بحرفيه بالغة لتجد لها حلا فى الرواية . الوصف فى الرواية دقيق للغاية ، واللغة الرومانسية وعبارات الحب والوجد تمتلىء بها الرواية وخاصة فى الحوارات المتعددة والطويلة بين سندس وياسين . الكاتبة كما قلت فى البداية تحلق وحدها فى سماء أخرى لتنسج لنا نوعا من الكتابة تجيده هى ، والرواية من أروع ما قرأت فى السنوات الاخيرة ، من وجهة نظرى أن عدم وجود الكاتبة فى القاهرة ةهى المركز الادبى والثقافى الاول واقامتها فى محافظة كفر الشيخ والتى تبعد عن القاهرة كثيرا قد أثر بشكل ما عن عدم وجود الكاتبة فى مكانها الملائم لها فى صدارة كتاب الرواية العربية .