2009/01/26

الحضور عبر الإبداع ( شهادة من احتفالية جائزة الشارقة بمعرض الكتاب)

الحضور عبر الإبداع
شهادة في الكتابة

أحمد قرني محمد

الرحيــــل
كانت التجربة الأولى مع الألم حين قرر أبى أن نترك بيتنا في بولاق بالجيزة حيث كنا نعيش لنرحل إلى الفيوم حيث الأهل والعائلة ومسقط الرأس لم أفهم بعد وأنا صغير في الصف الثالث الابتدائي كيف أترك مدرستي وأصحابي وأرحل إلى مجهول لا أعلم عنه شيئا سوى ما كان يحكيه لنا أبى عن حياته هناك وعن عائلة مغنى التي ننتمي إليها وأننا حتما يجب أن نعود إلى بلدتنا الصغيرة سنورس أتت السيارة النقل وحملنا أمتعتنا حتى الكلب الذي كنا نربيه حملناه معنا في السيارة وانطلقت بنا سريعة تحملني إلى المجهول حين ابتعدنا قليلا عن شارعنا انطلق الكلب يعوى وانتابته حالة عصبية جعلته يقطع الحبل ويقفز من السيارة رغم محاولتي لطمأنته وجرى عائدا إلى بيتنا كنت أتابعه بعيني وأحسده على شجاعته حين رفض ذلك الرحيل كان يتملكني ذات الإحساس الذي تملكه والبيوت التي عرفتها والشوارع التي مررت بها تختفي أمام عيني وهناك في سنورس مضت الأيام بطيئة مملة بلا أصحاب ولا أناس تعرفهم رغم توافد الكثيرون على بيتنا الجديد من الأقرباء وأفراد العائلة يهنئوننا بالعودة إلى بلدتنا كنت أنتظر بفارغ الصبر انتهاء الإجازة الصيفية وعودتي إلى المدرسة وكانت المفاجأة تنتظرني حين دخلت المدرسة فلم أجد أصحابي الذين عرفتهم ولا المدرسين ولا الناظر حينها أدركت أن كل شيء قد تغير وأخذت أبكى
البدايــة مع الشعر
ككل البشر في مرحلة النضوج والولوج من الطفولة
للرجولة تمتلئ الجوانح بالحاجة للشعر
الشعر ضرورة وآه لو أعرف لماذا
جان كوكتو 1
الحياة هنا في سنورس تختلف عن بولاق هناك الضجيج والحياة والناس وهنا الهدوء الممل
والحياة الباردة و بساطة العيش فقد كان معظم الناس فلاحين يذهبون إلى الأرض في
ــــــــ
جان كوكتو هو الشاعر الفرنسي والروائي والكتاب المسرحي وأدب الطفل والنحات والرسام والمخرج السينمائي
الصباح الباكر ولا يعودون إلا مع أذان المغرب ويخلدون إلى النوم في انتظار صباح جديد وهذا ما حاولت رصده في رواية آخر سلالة عائلة البحار هذا البون الشاسع بين الحياة في المدينة والحياة في الريف تعبت كثيرا حتى تأقلمت على حياتي الجديدة ومضت السنوات وكان مشهد مقتل السادات في العرض العسكري الذي رأيته وأنا جالس أمام التليفزيون في يوم العطلة المدرسية بمناسبة انتصار أكتوبر كان المشهد مؤلما وشعرت بالحزن والخوف وبدأت ولأول مرة أمسك القلم ومثل كل الكائنات التي تشعر كانت البداية مع الشعر حيث كانت الخواطر التي كتبتها في الكراسات وفى ظهر الكتب المدرسية أتلوها بيني وبين نفسي حتى كانت السنة الثالثة في المرحلة الإعدادية وحينها تعرفت على الأستاذ فتحي سنوسي مدرس اللغة العربية كان مدرسا مختلفا في التعامل مع الطلاب حيث كان يبحث عن صداقتنا وكان متمكنا من اللغة مما شجعني أن أقرأ له بعض تلك الخواطر سعد جدا واندهش وأخذني وكان معنا أحمد عبد الباقي أحد زملائي في الفصل إلى مكتبة بيت الثقافة في سنورس التي كانت تجاور محطة القطار وصعدنا سلمها القديم المتهالك تنقل بين أرفف الكتب حتى عثر على كتاب المعلقات ثم تصفحه حتى توقف عند معلقة امرؤ القيس وقرأها ولكنه قرأها بطريقة غريبة فقد قطعها على الأوزان وأخذ يشرح لنا كيف هي أوزان الشعر وحينها اشتد فضولي وتكررت زيارتي للمكتبة حتى صرت عاشقا لها أستعير وأقرأ وبدأت أكتب الشعر على أوزان الخليل وأعرضه على الأستاذ فتحي وهو يصحح لي مع ذهابي الدائم لمكتبة بيت ثقافة سنورس وتعرفت على حسن أمين المكتبة .... حتى لم أجد فيها جديدا حدثني أحدهم عن مكتبة دار الكتب في المحافظة وعلى الفور ذهبت إليها عن طريق القطار وتعلقت بها وأخذت أستعير منها وقرأت في هذه السن المبكر الخصائص والمثل السائر وأسرار البلاغة والحيوان والبيان والتبيين والكثير والكثير من كتب التراث وتوطدت علاقتي بنادي الأدب في بيت الثقافة وكان المرحوم الشاعر زكى عبد الحليم يلقى قصائد ديوانه من وحى القلم قصائد تنتمي إلى المدرسة التقليدية في الشعر شعر موزون ومقفى كنا مبهورين ساعتها بقدرته على تلك الكتابة وإتقان الوزن كنت أقرأ ما أكتبه على استحياء وتردد حتى انضم إلى النادي الشاعر عنتر حسين كان يكبرني حيث كان في الجامعة وقتئذ وكنت مازلت في أولى ثانوي توطدت علاقتنا حتى صرنا صديقين كان عنتر حسين متفجرا بالشعر يرفض واقعه الاجتماعي وفقره وكتب عن كل ذلك شعرا حتى مات في حادث مفجع في السعودية حيث سافر للعمل هناك وتألمت كثيرا لفراقه وانصرفت بعض الوقت عن الكتابة ثم عدت إليها لأنني وجدتها ملاذي الأخير ومهربي وفى نادي الأدب انضم إلينا احمد طوسون وكان زميلي في المدرسة وكنا نجلس في مقعد واحد في نفس الفصل وكان خجولا وبعد تردد طويل اقتنع أن يأتي إلى بيت الثقافة و أن يقرأ ما يكتبه في نادي الأدب وكان يكتب القصة القصيرة بلغة إنسانية عالية تختلف كثيرا عن السائد وبدأنا رحلة التمرد في الكتابة عما هو سائد هنا في الفيوم من كتابة بليدة مسالمة وبدأ جيل جديد يتشكل هنا في الفيوم محمد عبد المعطى احمد عبد الباقي احمد طوسون احمد قرني وبدأت روح جديدة تنبعث داخلي قرأت عبد الصبور وأمل دنقل والبياتى وعفيفي مطر وأحمد عبد المعطى حجازي ومحمود درويش حتى دخلت الجامعة وكانت المفاجأة لمدرسي اللغة العربية الذين ارتبطت بهم كثيرا حين علموا أنني التحقت بكلية الحقوق رغم أن مجموع درجاتي كان يرشحني لدخول كلية الآداب قسم اللغة العربية.... سنورس في الثمانينات كانت تعج بالإسلاميين عموما كانوا جميعا ينقسموا إلى جماعتين كبيرتين الإخوان المسلمين وعلى رأسهم أحمدي قاسم ومجدي طلب والجماعة الإسلامية وعلى رأسها محمد عبد العزيز وكل جماعة تحاول أن تجتذب أكبر عدد إليها وقد نجح كل فصيل في جذب عدد من الأنصار إليه وكنت بينهما حائرا حتى أدركوا هم وأدركت أنني لا أصلح لا لهؤلاء ولا لهؤلاء فقد كان عقلي لا يكف عن الأسئلة مانعا أن أصبح تابعا لأي من الفريقين وأدركت في وقت مبكر أنها جماعات تريد السياسة بعباءة الدين واصطدمت بهم عدة مرات ثم رحلت إلى عالمي إلى الأدب والشعر والكتابة ذلك العالم الأرحب وأسئلة الإبداع تشغلني وأنا أغوص في القراءة النهمة حتى رأسي حتى وقعت على أفكار المعتزلة وهم من جماعة المتكلمين ورأيت كم هي مستنيرة وقرأت عنهم الكثير وعن أفكارهم وشيوخهم وسعدت جدا في هذه السن المبكرة عندما عرفت أن الجاحظ هو أحد أبناء تلك الجماعة ولا شك أن أفكار تلك الجماعة ساهمت في فترة من حياتي في ترتيب الأفكار والإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تحيط بالإنسان عن الوجود وأسئلة الفلسفة الغامضة والمحيرة ووجدت منهجهم في تحرير العقل وحرية التفكير ضآلتي التي أنشدها
سنــوات العجاف
بعد تخرجي في الجامعة التحقت بالقوات المسلحة ضابط احتياط وكانت سنوات العجاف فلم أكتب كلمة واحدة طوال السنوات الثلاث حتى ظننت أن عفريت الشعر قد غادرني إلى الأبد وأنني لم أعد قادرا على الكتابة لم أعد أتواصل مع الحركة الأدبية ولم أجلس على مائدة الأدب مرت الأيام ثقيلة قلقة لا يمكنني أن أصف ما انتابني طيلة هذه السنوات حتى أنهيت سنوات خدمتي في الجيش كضابط احتياط وبدأ المارد داخلي يتحرك بقوة وبدأت أشعر بروح جديدة تدخلني وكانت المفاجأة
جـائزة الشعر
بدأت أعود إلى الحياة الأدبية بنشاط وبدأت أكتب كانت فرحتي لا توصف وأنا أعود إلى الشعر هو الحياة والحلم والرغبة سؤال الوجود والكتابة والتهور والمغامرة الذوبان في الحروف والكلمات والبحث عن المعنى الجديد والصورة واكتمال النص حينها عثرت بالصدفة على إعلان في أحد الجرائد عن جائزة عربية وهى جائزة الدكتورة سعاد الصباح وتطلب ديوانا مخطوطا لم يسبق نشره وشجعني صديقي احمد طوسون على التقدم للجائزة فقد كنت مترددا وأهدانى قلما حبرا كي أكتب به الديوان فلم يكن الكمبيوتر قد انتشر بعد وبالفعل بدأت أعد ديواني الأول وجعلت عنوانه ـ لك العشق والنيل لي _ وكانت المفاجأة أن فاز الديوان بالجائزة وكانت سعادة أدباء الفيوم بهذه الجائزة لا توصف فقد كانت بمثابة اعتراف بهذ الجيل ولا أنسى تلك الفرحة التي لمعت ببريق الحب في عيني أسامة الزينى وأحمد طوسون وأصر الأدباء على الاحتفال بهذه المناسبة وكانت كلماتهم لا تنسى في ذلك اليوم وخاصة أنها كانت ليلة شتاء ممطر وأصر الأدباء على الحضور من كل مكان ولا أنسى حين انقطعت الكهرباء وأكملنا الحفل على أضواء الشموع أما الذي لم أكن أتصوره أن يصدر الديوان وأن أرى بعيني أول كتاب لي مطبوعا حين أرسلت لي الدار نسخا من الديوان كان النشر وقتها عسيرا حيث صدر الديوان عام 1996 ولم يكن أحد من أبناء جيلي قد طبع كتابا
القطــار
كانت جدران بيت الثقافة المتهالكة تهتز مع قدوم القطار حين يدوس بعجلاته القضبان الممتدة في صمت واستكانة فرحة بقدومه إليها ربما لأنه يبعث فيها الحياة بتلك الاهتزازات القوية نتجمع في الغرفة القديمة القريبة جدا من شريط القطار انضم إلينا أسامة الزينى حاملا قلبه الرقيق بين دفتي أشعاره الرومانسية رأيته مقبلا بقسمات وجهه كان مفتونا بالشعر يدهشك بقدرته على بناء القصيدة بعد أن نفرغ من الندوة الأسبوعية نكمل ما كنا نتحدث فيه هناك نتسكع في شوارع سنورس وبين حواريها وعلى التلتوارات يملأنا إحساس بالتحرر والتمرد على هذا العالم الذي يمتلأ بالظلم الكتابة هي التحرر من تلك القيود والرغبة في التحليق في اللامعقول وبقروش قليلة جمعها الأصدقاء في نادي الأدب صدر ديواني الثاني ـ حائط الوقت ـ حيث اقترحنا مشروعا بسيطا للنشر وبعده صدرت مجموعة أحمد طوسون ـ مجرد بيت قديم ـ وصدر لأحمد عبد الباقي ديوانه الأول ـ كتابة لا تلين ـ وآخرين كانت الكتابة هي لحظة الاكتشاف والخلق وكان النص بالنسبة لي هو خلق جديد هو سؤال البداية لذا كان إيماني العميق بعدم الاستكانة في التجربة وضرورة التهور والمغامرة دائما وما أن تطأ قدمك أرضا حتى تهم بالارتحال عنها لا يمكن أن يتجاور الإبداع والاستسلام أين اليقين في الكتابة ؟ إنها لا توجد إلا هناك في الكتابة المسالمة المستكينة أين تقع تلك الحروف التي لن نبلغها بمغامرتنا أين تسكن هذه الأرض البكر التي لم تصلها قدم وبدأت أنحاز بجرأة إلى كتابة جديدة جرأة قد تصل بك إلى التهور حيث يرفضك الأقربون ...القطار يعنى الارتحال من مكان لآخر إنه لا يكف عن السير ولا يهدأ طالما قطع المسافات لكنه لا يمل هكذا بدا القطار لي هناك كنا ننتظره على المحطة القديمة هكذا يكون المبدع والكاتب وكتبت قصيدة النثر بروح جديدة وحين قابلت الكاتب والروائي فؤاد قنديل في أحد المؤتمرات وكان يرأس وقتها تحرير سلسلة إبداعات وطلب منى ديوان شعر لي لينشره بالسلسلة وترددت بسبب المشكلة التي حدثت بيني وبينه حول ديواني الأول لك العشق والنيل لي فقد كان معترضا على بعض الأشياء التي كانت مرفوضة رقابيا وقتها وتعقد الموقف بيني وبينه ثم انفرجت الأزمة و صدر الكتاب في دار سعاد الصباح ونسيت الأمر ولكن عندما قابلته هذه المرة وطلب منى ديوانا أرسلته إليه بعد طول تردد لكن الرجل نشره على الفور وخرج إلى النور ديوان
ـ جسد بارد بلا تفاصيل ـ

الارتحال إلى الكتابة للطفل
تلك الحيرة وهذا القلق جعلني أكف عن كتابة الشعر بعض الوقت وأنا أرفض أن تكرر التجربة نفسها ولا أدع نفسي تركن إلى الاستكانة وهى ضد الكتابة والإبداع وتذكرت ذلك الحماس و التشجيع الذي لقيته من المخرج والمسرحي صلاح حامد الذي ربطتني به علاقة قوية في البدايات وقد رحل هذا العبقري في محرقة بني سويف الشهيرة وكان دائما يلح على أن اكتب للمسرح وكنا نحضر معه بروفات مسرحياته التي كان يخرجها إلا أنني كنت أراني شاعرا ولا شيء آخر حتى كانت الحيرة والقلق والرغبة التي تملكتني أن أغامر وفيما الخوف من عواقب المغامرة وبدأت أكتب للمسرح وكتبت عدة مسرحيات حتى قابلت المخرج محمود حويحى الذي طلب منى مسرحية للأطفال وكانت مفاجأة بالنسبة لي أن أكتب للأطفال كيف هي الكتابة للطفل ؟ سعدت بالمغامرة وشرعت في الكتابة وكتبت مسرحية بعنوان ـ مملكة الأطفال ـ وبالفعل أخرجها محمود حويحى ولاقت نجاحا مما شجعني أن أكتب مسرحية _ الثعلب ملكا _ التي فازت بجائزة المركز القومي لثقافة الطفل وصارت كتابة الطفل متعتي و كتبت مسرحية _ شادي في دنيا الحواديت _ التي حصلت على المركز الأول في مسابقة سوزان مبارك في أدب الطفل عام 1998 وطبعت ونشرت بالهيئة العامة للكتاب وبعدها أعلنت وزارة الثقافة عن منحة في كتابة الطفل في أكاديمية مصر في روما وتقدمت لها وفزت بالمنحة وطرت من السعادة وعندما حان وقت السفر إلى روما تذكرت ذلك الشعور بالألم الذي انتابني حين كنت صغيرا أطل من فوق عربة النقل وأنا أبتعد عن مدينتي وشارعي وأرحل إلى البعيد حينها رفضت السفر لمدة عام ونصف إلى ايطاليا واتهمني البعض بالجنون لأنني رفضت السفر فقد كان ذلك الشعور القديم يطاردني وما زال....وحين التقيت الروائي محمد جبريل هنا في إحدى الندوات في سنورس وكنا قد دعوناه إلى ندوتنا وكانت بصحبته الأديبة الناقدة زينب العسال رئيس تحرير مجلة وكتاب قطر الندى ولما رأت اهتمامي البالغ بالكتابة للطفل طلبت منى أن أرسل له قصة للطفل لتنشرها في كتاب قطر الندى وفعلا أرسلت لها قصة ـ حكاية الغراب والحمامة ـ وصدر الكتاب فعلا ضمن السلسلة...... وأخيرا صدر لي قصة ـ حلم النملة دودي ـ في سلسلة الأطفال بالهيئة العامة للكتاب هذا العام
فتنة الروايـة
حين حدثني أحدهم عن لغتي في الكتابة للمسرح وما أعجبه من قدرة على كتابة الجمل الحوارية وقال في ولع أنت تصلح لكتابة السيناريو.... السيناريو ؟ لماذا لا تكتب سيناريو ؟ تملكتني الدهشة ولم أجب حتى كانت محاولتي أن أكتب سيناريو لقصة قلت في نفسي نبدأ أولا في سرد تفاصيل الحكاية ثم نعالجها في مرحلة تالية إلى سيناريو وكتبت فعلا القصة الطويلة بكل تفاصيلها وحين قرأها الأصدقاء قالوا إنها رواية كانت تلك البداية مع رواية خيوط الدمى التي تسببت لي في مشكلة في نشرها بسبب صراحتها وتأكدت بعد ذلك أن تلك الصراحة غير مطلوبة فنيا وأخيرا أخذت قرارا بعدم نشرها ثم كانت روايتي حارس السور التي فازت بجائزة دار الصدى بدبي ونشرت وكانت تحكى عن واقعنا هنا في سنورس وهو كواقع معظم القرى العربية وكيف نرفض التغيير ونتمسك بقشرة من الظاهر بينما يقبع داخلنا ظلام مخيف ظلام يمنع تلك القرى أن تتجدد ورصدت ذلك التغيير الذي وقع في مظاهر الحياة لكن جوهر التفكير مازال هو رغم تبدل بعض العادات والتقاليد بسبب اقتحام مظاهر الحضارة لمدينتنا سنورس إلا أن التشبث بتقاليد بالية وأفكار متوارثة قضى على حلم التغيير
الشارقـة أيام
كنت في شتاء عام 2003حين انتهيت من رواية ـ آخر سلالة عائلة البحار ـ وكانت تبحث عن إجابة لذلك القلق وتلك الأسئلة الكبرى التي تحيرنا وتجعلنا معذبين حيارى في هذا الوجود نبحث عن إجابة لكننا أبدا لن نجدها من خلال بطل الرواية شحاتة البحار الذي يحمل ميراث عائلته على ظهره ويرحل تاركا سنورس الهادئة إلى القاهرة بضجيجها كنت مترددا أن أشارك بها في جائزة الشارقة إلا أنني حسمت ذلك التردد وأرسلتها وكانت هذه أول مشاركة لي جادة بعد مسابقة دار الصدى وأعلنت نتائج الجائزة ووجدت نفسي من بين الفائزين وفوجئت بدائرة الثقافة الإعلام تطلب منى أن أسافر إلى الشارقة لاستلام الجائزة وحضور ورشة الإبداع مرة أخرى يتملكني ذلك الإحساس البغيض لرفض الرحيل ذلك الإحساس الغامض الذي جعلني أرفض السفر إلى أكاديمية مصر في روما لمدة عام ونصف للحصول على جائزة الدولة في الإبداع كمنحة تفرغ فهل سأظل رهينا لهذا الإحساس عاجزا ضعيفا مستسلما وبعد تردد قررت أن أسافر إلى الشارقة وسافرت وكانت هذه التجربة الأولى لي التي أبتعد فيها عن مصر لكن حين هبطت الطائرة في مطار الشارقة ...الشارقة تلك المدينة الجالسة على البحر تفتح زراعيها بشوق للوافدين من كل الثقافات ومن كل الأمكنة مدينة سهلة ترقبك بحرص وتمنحك طمأنينة وتجلسك بحفاوة بالغة كأنك ابنها أو واحد من سكانها يتأكد لك في تلك اللحظة أنك أمام مدينة عربية لها تاريخ عريق ووجدت الوجوه هناك هادئة عرفت أنني داخل هذا الوطن الكبير الواحد كان ترحيب الأصدقاء هناك لا يوصف...وجدت الحفاوة بالإبداع والكتابة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة ذلك المبدع الذي يعرف قدر وقيمة الكتابة فترى الشارقة على يديه صارت منارة للثقافة وقبلة للمبدعين العرب وإسهاماته الواسعة في الحراك الثقافي الذي تشهده الشارقة ويؤثر في الثقافة العربية سواء بكتاباته ومؤلفاته أو بمشاريعه الثقافية الناضجة التي تسهم بشكل فعال في مزيد من الارتقاء بالثقافة العربية وبروحه المثابرة المبدعة تلك جعل الشارقة في المقدمة وعرفت كيف يقدرون الكتاب هناك وجدت ذلك الاهتمام البالغ من الأستاذ عبد الله العويس مدير عام الدائرة وشعرت كم هم حريصون هناك في الدائرة على الارتقاء بالثقافة وانجاز المهمة الصعبة وهى الارتقاء بالإبداع والكتابة ثم بكل الود والحب تلتقي بأدباء من معظم الأقطار العربية تخرج من الشارقة وبقلبك أصدقاء حقيقيون من مختلف الأقطار العربية عرفت عن قرب عبد الله غزال الروائي الليبي الرائع وصارت صداقتي به حتى الآن أيضا عرفت يوسف اللمكى من عمان واقتربت من فارس حرام الشاعر العراقي ومن سوريا الأديبة الرائعة بهيجة إدلبى و الصديقة والشاعرة سمر العلوش ومن اليمن مروان الغفورى ومن المغرب إبراهيم المنصوري والجزائري مجدي بن عيسى والدكتور مصلح النجار من الأردن كان اقترابي من هؤلاء هو اقتراب من عالم من الإبداع والكتابة المختلفة وشعرت أننا كعرب مستعدون بل متعطشون إلى بعضنا لولا تلك الحواجز البغيضة التي توضع أمام الشعوب كي تلتقي علمتني الشارقة أن ما قاله شوقي أننا في الهم شرق وأننا جسد واحد كل من التقيته هناك كان الود يطل من عينيه كان عبد الفتاح صبري من هؤلاء الذين يدخلون القلب بلا استئذان ثم ترى الدكتور عمر عبد العزيز مثال للمثقف الواعي بقضايا أمته هناك في محاور النقاش وفى التجاذب الرقيق داخل ورشة الإبداع النقاش كان حرا وممتعا تدرك ساعتها أن الشارقة ليست هادئة كما تظن بل هي المدينة التي تشتعل بالإبداع وتعترف وأنت هناك أمام الجميع أن حرية الأفكار التي كانت مطروحة في ورشة الإبداع هي حرية لا تجدها في معظم المدن العربية و برفق تدخل الشارقة قلبك بشوارعها وبناياتها وشعبها وتعرف أنك لا محالة قد وقعت في الفتنة وتتأمل كيف استوعبت الشارقة كل أطياف الإبداع من كل الأقطار العربية وجعلته على مائدة واحدة المدينة التي خرجت إليك بكامل فتنتها روحا صافية ومداد الأحرف زينتها تنخلع الآن منك عندما كان الرحيل والقلب معلقا بالشارقة هنا في القاهرة وبعد أيام قليلة كنت أحلم بالعودة إليها والحنين إلى تلك المدينة العربية الأصيلة كان لذلك الدفء الذي أحسست به هناك أثر كبير ... وتهيأت لي الظروف حين انتهيت من ديوان شعر للطفل أسميته ـ عصفور وحرف ووطن _ والحقيقة أن هذا الاسم لم أكن صاحبه لأنني كنت مترددا في اختيار عنوان للديوان حتى اقترحه علىّ الصديق احمد طوسون بعد أن قرأ الديوان ووجدته مناسبا كأنه كان بداخلي وبالمصادفة وجدت جائزة الشارقة تحدد موضوع جائزة الطفل في ديوان الشعر للأطفال فاشتعل في داخلي ذلك الحنين إلى الشارقة وأهلها وقررت أن أرسل الديوان وبالفعل فاز الديوان العام الماضي 2007 بالجائزة لكنني لم أحقق حلمي ولم أسافر إلى الشارقة لظروف قهرية فقد كان هناك في نفس التوقيت استدعاء لي من القوات المسلحة لأنني كنت ضابط احتياط وكانت صدمة بالنسبة لي ألا أرى الشارقة هذه المدينة روت لي أسرارها في يوم من الأيام وكشفت عن فتنتها لي... وها أنا أنتظر أن أرى ديواني ـ عصفور وحرف ووطن ـ قادما من الشارقة يحمل معه رائحة شوارعها وأهلها وذكرياتي هناك مع الأصدقاء عله يشفى ما بى من سأم

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

ونالت قصة “حلم النملة دودي” للكاتبة هالة محمد طوسون عبدالعزيز توفيق وقصة “صاحب القلم الذهبي” للكاتبة سناء كامل أحمد شعلان الجائزة الثالثة مناصفة وحجبت بقية ...
********************

وينتظر خلال أيام صدو كتابة ( حلم النملة دودي ) عن هيئة الكتاب والقصة فازت بجائزة أنجال الشيخ هزاع

بدون تعليق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

غير معرف يقول...

احمد قرنى
يمكن تشابه فى العنواين يا أخ احمد
يعنى انت اسمك احمد منصور تقرب لأحمد منصور مذيع قناة الجزيرة ولا تشابه اسماء؟؟؟؟؟؟؟

غير معرف يقول...

شهاد من مبدع بطعم الشاعر والقاص. نشكر ا/ أحمد طوسن على ان اتاحها لنا على مدونته لنطلع عليها، ونعرف ما لابد من ان نعرفه عن مبدع جميل ومتعدد وربما ان يذكرنا فى شهادة القادمة وننول هذا الشرف.
عماد