2015/08/24

في عددها :85 مجلة«الأدب الإسلامي»تبحث عن تجليات فلسطين في الشعـــر الجزائـــــري



 في عددها :85
 مجلة«الأدب الإسلامي»تبحث عن تجليات فلسطين
 في الشعـــر الجزائـــــري
د.محمد سيف الإسلام بــوفـلاقــــة
-جامعة عنابة-الجزائر
          أصدرت رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالمملكة العربية السعودية العدد الجديد من مجلة الأدب الإسلامي،والذي حمل رقم:85،المجلد:22،والخاص بشهر جمادى الأولى1436هـ-كانون الثاني(يناير)-آذار(مارس)2015م،وقد جاءت افتتاحية العدد بعنوان: «تشوهات في خارطة الثقافة العربية»،كتبها مدير تحرير المجلة الدكتور وليد قصاب،ومما ذكره فيها أن من يتأمل خارطة المشهد الثقافي العربي المعاصر لا يشعر بالتفاؤل،حيث تبدو له هذه الخارطة مبتلاة بكثير من التشوهات، التي تشعر أن صحتها معتلة بعلل خطيرة،وهي علل أيسرها أنها لا تسعف على تمثل شخصية واضحة الملامح لهذه الأمة التي تُنتجها،وهوية الحضارة التي تصدر عنها،وهذا بؤس حقيقي في ثقافة أية أمة،وهو مؤشر إلى مرض عضال .
          ويُرجع الدكتور وليد قصاب الأسباب التي أدت إلى وقوع التشوهات في خارطة الثقافة العربية إلى جملة من العوامل،لعل أبرزها عدم وضوح التصور الفكري الذي تصدر عنه الثقافة العربية المعاصرة،فهي كخبط العشواء،أو حاطب ليل،وكل فيها يُغني على ليلاه،مما يجعل الإبداع الثقافي خليطاً متناقضاً ينسف بعضه بعضاً،وقد يلعن بعضه بعضاً،وذلك عائد إلى تعدد-أو تضارب-المصادر، والمنابع الثقافية التي يصدر عنها الأدباء، والمفكرون.
                 وقد ختم الدكتور وليد قصاب افتتاحية العدد:85من مجلة الأدب الإسلامي بالقول: «ومن هذا البؤس ذلك الإلغاء والإقصاء اللذان تمارسهما كل فرقة من الفرق المنتجة للثقافة عندنا في حق المخالفين لها في الرأي،حتى غدا القمع والاستبداد سمة واضحة من سمات هذه الثقافة،وغدت شعارات تتهم بالتزمت،أو الرجعية،أو السلفية،أو الظلامية،أو التفسيق،أو التبديع،أو التكفير،أو ما شاكل ذلك،من الذائع المشهور الذي تحفل به كتابات أهل الثقافة والفكر عندنا،وهذا ما يجعل الشك محيطاً بكل ما ينتجه أي طرف من الأطراف،ويوقع المتلقي-ولاسيما من عامة الناس-في بحر من الحيرة،والاضطراب لا يعرف خلاصاً منه.
          إن التزمت والغلو،وإن التطرف و أحادية النظرة هو الذي يقود إلى ذلك،ولابد من تقبل الآخر،والانفتاح عليه،فذلك يغني الثقافة،ويتجاوز بها أزمتها».
                 وقد تساءل الباحث عبد الملك بومنجل في المقال الأول من المجلة عن الإسلام والفن:كيف يلتقيان،وخصص الدكتور محمد عثمان صالح من السودان مقاله للحديث عن« إمام علي الشيخ وموقعه في خارطة الشعر السوداني»،حيث استهل مقاله بالقول: «الشاعر إمام علي الشيخ-رحمه الله تعالى-كان رائداً من رواد الأدب الإسلامي،وعضواً فاعلاً في رابطة الأدب الإسلامي بمكتب السودان الإقليمي.وفي أخريات حياته كرمته الرابطة ضمن فعاليات مهرجان الأدب الإسلامي الثالث في الخرطوم.وكان ذلك في لقاء مشهود في قاعة الشهيد الزبير محمد صالح للمؤتمرات،وبحضور رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية،وعدد من أعضاء مكتب البلاد العربية،فمن هو الشاعر الأديب إمام علي الشيخ؟وما مكانته بين الأدباء العرب في السودان؟
           تتناول هذه الدراسة التعريف بالشاعر إمام علي الشيخ،نشأته وعصاميته،وموهبته،وتجاربه،وعقيدته،وفلسفته،وجهاده،ومكانته بين الشعراء العرب،وأعماله،ونشاطه،وتقدير الأدباء له...».
              وقد كتب الشاعر محمد ياسر أمين الفتوى من سورية قصيدة موسومة ب: «المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين»،ونشرت المجلة قصة قصيرة للأديب العراقي صديق حامد نزاركي،بعنوان:«الغريب والكلاب»،وفي باب لقاء العدد،نلفي حواراً مع الناقد الدكتور حسين نصار،نُشر بعنوان:«اللغة العربية اليوم يتيمة بين أهلها»،وقد قدمت المجلة تعريفاً بالدكتور حسين نصار جاء فيه:«ولد حسين نصار في25أكتوبر1925م،وهو أديب،ومؤلف،ومحقق،ومترجم مصري،عمل في عدد من الجامعات المصرية،والعربية،شغل منصب رئيس الجمعية اللغوية المصرية،والجمعية الأدبية المصرية،وكان عضواً في عدد من الجمعيات العلمية،واللغوية،والأدبية،والثقافية الأخرى.له تسعة كتب مترجمة من الإنكليزية،ومؤلفات حول الكتابة الفنية في الأدب العربي،وإعجاز القرآن الكريم».
            وقد حاور الدكتور حسين نصار الباحث صلاح حسن رشيد من مصر،ومما جاء في إجابة الدكتور حسين نصار عن سؤال يتعلق بمعاناة اللغة العربية من الغربة بين أهلها: «العيب في المجتمع،وليس من المسئولين،فالكل اليوم يحتقر اللغة العربية من أعلى هرم السلطة حتى أصغر فرد في البيئة العربية،ولقد سمعت حكاية مفادها أن إحدى السيدات أرادت أن تقدم لابنها في إحدى المدارس الخاصة ذات الرسوم الباهظة،وعندما قابلت مدير المدرسة،استعرض أمامها المواد الدراسية التي سيدرسها ابنها،ومن بينها اللغة العربية،فردت باشمئزاز:أنا أتيت به،ودفعت له كل هذه المصاريف بالدولار ليدرس اللغة العربية...؟
           يا سيدي العربية يتيمة بين أهلها،الذين انعدم وعيهم الحضاري، والسياسي لأهميتها،وباتوا يرطنون باللغات الأخرى،مهملين لغة القرآن،وأفضل لغة على ظهر الأرض،وعلى فكرة،اللغة مثل العلم،وهل تقبل أن أي إنسان يدنس علم أي دولة عربية؟بالقطع لا،لأنه رمز،وشعار لها،كذلك اللغة العربية رمزنا،ومصدر هويتنا،ومما أستغرب له كثيراً أن هناك قانوناً مصرياً بأن تكون المخاطبات بين الشركات بالعربية،والترجمة إلى الإنجليزية،لكن هذا لا يحدث،لأن المكاتبات تتم باللغات الأجنبية،فلماذا لا يتم تفعيل هذا القانون عربياً...؟».
             وفي إجابته عن سؤال يتعلق بدور المجامع اللغوية العربية،وعلى رأسها المجمع القاهري،يقول الدكتور حسين نصار:«المجمع القاهري،وكذلك المجامع الأخرى،نجحت في مهمتها،خاصة في وضع المصطلحات،والألفاظ،وتيسير النحو،والصيغ العربية،إلا أنني أرى أن العربية لن ترتقي طالما أننا ننظر إليها نظرة دونية،فقضية اللغة قضية عامة تستدعي جهود الجميع،وليس فصيلاً واحداً».
                    وقد كتب الباحث المغربي الدكتور الطيب رحماني من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة في المغرب مقالاً جاء بعنوان:«من قضايا النقد العربي القديم:الاستقلالية والانفتاح»،وقد خلص في ختامه إلى أن قضية التأثر والتأثير تعد واحدة من جملة قضايا الأدب العربي القديم المثارة على منبر النقد العربي الحديث،وقد تعددت في معالجتها الآراء،واختلفت في مقاربتها المواقف،وهذا دليل بين على أن القضية ما زالت تحتاج إلى مجهودات جادة،وأبحاث صادقة تكشف عن حقيقة الاتصال العربي بالأمم الأخرى بهدف تحديد حجم التأثير الذي لحق الأدب العربي القديم.
            ولعل المدخل الصحيح لتلك الأبحاث يكمن في تحديد طبيعة المؤهلات،والإمكانات التي توافرت لدى الذات العربية الإسلامية،وهي تباشر عملية الاتصال بالأمم الأخرى.
              فإذا تم تصحيح المدخل،أمكن الوصول إلى نتائج صحيحة،ولا شك أن القول بتفوق المسلمين حضارياً في القرون الوسطى،مما يسجله التاريخ،ومن تم فاتصالهم بغيرهم،كان بدافع محض الاستفادة والاطلاع،وليس للحاجة،والتقليد،كان التأثير اليوناني-وغيره- محدوداً في الأدب العربي نظراً لعدة عوامل أبرزها المؤهلات البيانية العالية التي كان يتمتع بها الأدباء العرب،والتي مكنتهم من هضم المؤثرات المناسبة،وتجاوز المعطيات الخاصة بالأمم الأخرى.
               ومن بين المقالات المتميزة التي ضمها العدد:85من مجلة الأدب الإسلامي،مقال كتبته الباحثة الدكتورة زينب صبري بيرة جكلي من سورية،عنونته ب: «الملا فتح الله الحلبي ثم المدني الشهير بالنحاس»،وقد استهلت الدكتورة زينب صبري مقالها بالإشارة إلى أن فتح الله بن عبد الله النحاس عاش في القرن الحادي عشر الهجري(ت:1052هـــــــ-1642م)،في عصر كانت فيه بلاد الشام تنضوي تحت لواء الدولة العثمانية،وتضم بين جنباتها شعوباً عديدة،وهذا التمازج بين شعوبها أدى إلى التأثر والتأثير في العادات،والتقاليد،واللغة،والأفكار،وقد كانت الدولة قد عنيت بفقراء الحرمين الشريفين،ولاسيما بالمجاورين منهم،حتى غص بهم الحرمان،وكانت تعنى بتأمين طرق الحجيج من غارات البدو.          
                 وفي قسم الدراسات كتب الدكتور سعيد أصيل من الجامعة الدولية بالدار البيضاء في المغرب الأقصى بحثاً متميزاً  تحدث فيه عن:«مفهوم القراءة والقارئ عند ابن المقفع»،وقد نبه الدكتور سعيد أصيل في مستهل مقاله إلى أنه لا يدعي وجود نظرية للتلقي في النقد العربي القديم،كما هو متعارف عليها اليوم بمصطلحاتها،ومفاهيمها،ومناهجها،وبنائها النظري،ونسقها العلمي،ولكن حسبنا أن نبحث في ثنايا تراثنا عن وجود تصور،أو تصورات معينة،تتناول آراء،ومبادئ تهم القارئ،وطريقة القراءة،أو التلقي الذي يمارسه هذا القارئ،أو ذاك المتلقي كما ينظر إليه مفكرون ونقاد...
    وقد اتضح للدكتور سعيد أصيل في سياق دراسته أن ابن المقفع يصنف القراء إلى أربعة أصناف:
أ-العارف بحقوق الكلام:وهو الذي يجب على المرسل إرضاؤه،وإيلاؤه الاهتمام الكبير،فإذا وصل إلى هذه الغاية فقد تحققت العملية التواصلية معه،وأعطى من خلال رسالته تلك كل مقام حقه.
ب-الحاسد:وهو القارئ الذي لن يرضى على المرسل،ولا على الرسالة،لأن الحسد سيمنعه من ذلك،وسيشكل حاجزاً،أو عائقاً يحول دون سلامة عملية التلقي ونجاعتها،ما دام ينظر إلى صاحبها،لا إليها،وإلى المقول عوض القائل.
ج-العدو:وهو أيضا قارئ لا يمكن إرضاؤه بسبب نظرة العداء المتحكمة في نظرته إلى صاحب الكلام والمقال،ومن ثم لن ترضيه الرسالة أبداً مهما بلغت من درجة الحسن في الإتقان،وجودة السبك،وسلامة التعبير،ودقة الأفكار،وأهميتها،وهو أيضاً يحاكم الرسالة انطلاقاً من الاعتبارات الشخصية الخاصة التي تؤطر علاقته العدائية بصاحبها.
د-الجاهل:وهذا النوع من القراء لا حاجة لمنتج الرسالة به،وعليه عدم الاهتمام به،بل يجب تغييبه أثناء عملية إعداد الرسالة،فلا رابطة يمكن أن تكون بينهما،فلست منه،وليس منك.  
         وحمل مقال الدكتور  فيضان قادر من باكستان عنوان:«المديح  النبوي في شعر الشعراء الأرديين غير المسلمين»،وخصصت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد دراستها للحديث عن:«بروتوكولات صهيون»،وذلك في قسم من ثمرات المطابع.
             وقد عنون محمد سيف الإسلام بوفـلاقـــة من الجزائر مقاله ب«فلسطين في الشعر الجزائري»،وقد افتتح مقاله بالقول: « تعد القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا التي اهتم بها شعراء الجزائر،فقد رافق   الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي، وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها، وقد تابعوها في جميع مراحلها، وأطوارها المختلفة منذ إعلان » وعد بلفور«   سنة: 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات، ثم رفضه  قرار التقسيم، وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب:  1948 م، ونكسة: 1967 م، ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين، وأبطال المقاومة، وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم،فمن يطلع على النتاج الأدبي الجزائري يلاحظ أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية، على الرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي   منذ  الاحتلال  سنة:  1830 م،  وحتى الاستقلال  سنة  :1962 م،  لأنَّ صلة  الشاعر  الجزائري  بالمشرق  العربي  وقضاياه  ومشاغله  صلة  وطيدة،  وعريقة، وتأتي قضية فلسطين في الصدارة، بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري،شعرا ونثرا، في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية،  والعروبة، والوحدة العربية ، وفلسطين، ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن، كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع  فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار، والصهيونية العالمية، وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي،فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني، وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله، وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة، ودين، وتاريخ، وحضارة، بل عرف أخطر من هذا، محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود، وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين بنكبة فلسطين، وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار، والصهيونية ،والتسلط ،والغزو الأجنبي)  للتوسع ينظر:د. عبد الله ركيبي : فلسطين في النثر الجزائري الحديث، مجلة الثقافة الجزائرية، العدد : 27، جوان – جويلية، 1975 م، ص : 37 ( .
              وقد وقف محمد سيف الإسلام بوفلاقة من الجزائر،في مقاله مع  واحد من الكتب المتميزة التي تطرقت إلى القضية الفلسطينية،وتجلياتها في الشعر الجزائري،حيث يقول في هذا الصدد: «ويجيء هذا الكتاب:«فلسطين في الشعر الجزائري الحديث»للباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى ،ليؤكد على أن الشعر الجزائري ركز بشكل كبير على القضية الفلسطينية منذ العشرينيات من القرن المنصرم،ومازال يتفاعل مع تطوراتها إلى أيامنا هذه.
        وقد اختتم سيف الإسلام بوفلاقــــة مقاله عن فلسطين في الشعر الجزائري بالقول: « كرست الباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى الفصل الأخير من الكتاب لتسليط الضوء على الخصائص الفنية التي ميزت الشعر الجزائري الذي اهتم بالقضية الفلسطينية،وقد بدا لها أن الشعر الجزائري  عالج القضية الفلسطينية انطلاقاً من نظرة دينية، وقومية ،وإنسانية،ولم يقتصر على الشعر العمودي فحسب،بل انفتح على الشعر الحر أيضاً،وقد كان في مجمله ذا دلالات ثورية ،وروحية خالصة،وقد حفل الشعر الجزائري بمضامين عميقة،وواكب تطورات القضية الفلسطينية بدقة،وهاجم بعض الحكام المتخاذلين،وصب جام  غضبه على الجرائم الصهيونية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني المقاوم والصامد في وجه المظالم،والعدوان الغاشم،كما أنه لم ينطلق من نظرة عنصرية، وعصبية،بل كان هادفاً  وواقعياً في طرحه للقضية الفلسطينية، وطرائق حلها من خلال انطلاقه من أسس واقعية يمليها على الشعراء التاريخ، والحقائق، التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تحرير كامل أراضيه المغتصبة.
               وقد ذهبت المؤلفة في رصدها للأبعاد الإنسانية التي ميزت الشعر الجزائري الذي كُتب عن القضية الفلسطينية إلى أنه مثل ظاهرة إنسانية واحدة وهي المناداة بالحرية، والتحرر،كما مزج بين القضية الفلسطينية، والقضايا التحررية في العالم،وتميز برؤيته المقاومة والواقعية الدقيقة،ومن أبرز الظواهر الفنية التي لاحظتها المؤلفة في الشعر الجزائري الذي تناول القضية الفلسطينية التعبير عن المعاني بأسلوب صريح ومباشر،واستعمال أساليب السخرية في تصوير بعض الظواهر،والاقتباس من التراث الديني ولاسيما من القرآن الكريم والتراث الشعري العربي القديم».
          وتحدث الدكتور مساعد بن مطلق الحربي في قسم رسالة جامعية،عن دراسته الموسومة ب «النقد التطبيقي عند حسين علي محمد...دراسة وتقويماً» ،وقدمت المجلة عرضاً عن كتاب الوسطية في منهج الأدب الإسلامي للدكتور وليد قصاب.
د.محمد سيف الإسلام بــوفـلاقــــة
-جامعة عنابة-الجزائر


هناك تعليق واحد:

أم درمان القديمة يقول...

خطبة الشيخ الطيِّب السرَّاج في المجمع اللُّغوي في القاهرة عام 1933
عندما تحدى أعضاء المجمع وارتجل قصيدته "التجديد"

الشيخ الطيِّب السرَّاج إِمام اللُّغة العربية في العصر الحديث وسادنها، وهو أول من حمل راية السُّودان في المجامع اللُّغوية، وأول سوداني ينال عضوية المجمع اللُّغوي في القاهرة، الذي كان يُعرف آنذاك باسم “مجمع فؤاد الأوَّل للغة العربية“، وذلك في العام 1933 بعد صدور المرسوم الملكي بتأسيسه في العام 1932.
ولقد بدأ السرَّاجي مشواره كعضو في هذا الصرح العلمي، ثم ترقى في المناصب حتى اختير رئيساً للجنة التحقيق وإِحياء الكتب القديمة، قبل تقلده مرتبة العضو المراسل في خمسينيات القرن العشرين.
نهل من معين الشيخ الطيِّب السرَّاج كوكبةٌ من الأعلام، تشكَّلت مداركهم في حضرته، وتهذَّبت ملكاتهم في كنف علمه، فانبثقوا من رحابه إلى فضاءات الفكر والأدب واللُّغة، يَسطعون في سماء الحياة العامة تربية وعلماً بما نالوه من توجيهٍ وعناية. وكان في طليعة هؤلاء النُّجباء من ارتقى في مدارج التأثير، حتى غدا عَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وكان من بينهم اللُّغوي الأديب البروفيسور عبد الله الطيِّب، الذي لم يكن تلميذاً نهل من علم السرَّاجي فحسب، بل جليساً للسرَّاج ومجالِساً له في حلقات الفكر والأدب واللُّغة بصالون السرَّاج الأدبي “منتدى الأصالة” الذي كان عضواً فيه، وهو يُعدُّ أول صالون أدبي في السُّودان تأسس في عشرينيات القرن الماضي، وثاني صالون أدبي في الوطن العربي بعد صالون“مي زيادة” في مصر.
يروي البروفيسور عبد الله الطيِّب في تحقيق صحفي نشرته صحيفة" الرأي العام" عن قصة ترشيح الشيخ الطيِّب السرَّاج للمجمع اللُّغوي، والتي نقلها الكاتب الصحفي المخضرم الأستاذ إِبراهيم دقش، حيث يقول البروفيسور عبد الله الطيِّب:
“كنتُ ضمن الوفد الذي ذهب إِلى القاهرة لتقديم الشيخ الطيِّب السرَّاج مرشحاً عن السُّودان في المجمع اللُّغوي، وأقمنا في بيت السُّودان، وعشية جلسة الترشيح اتصلت بعميد الأدب العربي الأستاذ طه حسين، وقرأت عليه أبياتاً من قصيدة للسرَّاجي يمدح فيها ملك اليمن وإِمامها، يقول فيها:
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمَرْجُوُّ نَائِلُهُ
وَالْمُسْتَغَاثُ بِهِ فِي مُخْلَفِ الْمَزْنِ
إِلَيْكَ جِئْتُ مِنَ السُّودَانِ تَرْفَعُنِي
إِلَى لِقَائِكَ أَشْوَاقِي وَتَخْفِضُنِي
مُهَاجِرًا مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، لَيْسَ لَنَا
عَنْهَا مُرَاغَمَةٌ إِلَّا إِلَى الْيَمَنِ
أَهْلَ الْمَصَانِعِ مِنْ غَمْدَانَ تَحْسَبُهُ
إِذَا دَجَا اللَّيْلُ سَحَّ الْعَارِضِ الْهَتَنِ

فقال لي: “إِنَّ الذي يكتب مثل هذا الشعر قد مات واندثر منذ آلاف السنين”، فأجبته: “بل هو حي يرزق، وهو معي في بيت السُّودان، وهو مرشح السُّودان للمجمع اللُّغوي.”
ولقد شهدت جلسة الترشيح موقفاً لافتاً من الشيخ الطيِّب السرَّاج، حين وجَّه تحدياً علميّاً نبيهاً لأعضاء المجمع، داعياً إِياهم إِلى ذكر ما يعرفونه من أسماء الأسد في العربية. فلم يتمكّن الحاضرون من تجاوز سبعة عشر اسمًا، بينما مضى السرَّاج يُعدُّ بثقة وعفوية، حتى بلغ ثلاثة مائة اسم. ولم يكتفِ بمجرد السرد، بل كان يُثبت كل اسمٍ بما ورد له من شواهد في عيون الشعر العربي، وأخبار العرب وأيامهم، في دلالة قاطعة على سعة اطلاعه ورسوخ قدمه في التراث العربي”
وقد بهر هذا الموقف الحضور، حتى إِن رئيس الجلسة، عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، طلب منه التوقف، ولم يُخفِ إِعجابه، فقال بظرفه المعهود: “يبدو أن الشيخ الطيِّب السرًّاج قد أبحر بنا في ذاكرته الموسوعية، وكأنه يقرأ من مخطوطة لغوية شعرية قديمة”
وقد استهلّ السرَّاجي خطبته في المجمع اللُّغوي بأبيات من قصيدته الباذخة “التجديد”، التي عُرفت بين النقّاد برائعة القريض العربي، ويزيد عدد أبياتها عن 500 بيت؛ وقد تناقلت الروايات نسختين من هذه القصيدة: إِحداهما مكتوبة، والأَخرى مرتجلة ألقاها في حضرة المجمع ارتجالاً، فأسرت القلوب بجزالة لفظها وعراقة أسلوبها. وهنا أورد الصيغة المرتجلة لأوائل أبياتها التسعة، إِذ تجلّى فيها ألق البيان، وتوهّجت فيها روح الشعر الأصيل، فانبثقت منها حرارة الخطاب ووهج الرسالة:
قالوا اسْتَعِيدُوا مَجْدَكُمْ تَجْدِيدا
لَاقَى الْمُرَادُ مِنَ النَّصِيحِ مَرِيدا
قَرَعَ الظَّنَابِيبَ الْيَعَاسِيبَ الأُلَى
يُحْيُونَ فِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِيدا
شَدَّ الْحَيَازِيمَ الْكِرَامَ لِيَبْعَثُوا
بَعْدَ الْبِلَى لُغَةَ الْجُدُودِ جَدِيدا
لُغَةَ الْجَحَاجِيحِ، الْوَحَاوِيحِ،
الْمَصَابِيحِ، السَّمَاةِ جُدُودا
أَعْنِي الْمَرَازِبَةَ، الْمَلَاوِثَةَ، الْخَلَاجِمَةَ،
الْخَضَارِمَةَ، الْأَبَاةَ الصِّيْدَا
مِنْ كُلِّ سَرْدَاحٍ كَهَاةٍ جَسْرَةٍ
جَلْسٍ عَشُوزَنَةٍ تُؤَوِّدُ الْجُودَا
كَوْمَاءَ بَادِيَةِ الدُّخَيْسِ دَرْفَسَةً
كَبْدَاءَ تَنْزِعُ مَشْيَهَا تَهْوِيدَا