2015/11/29

الشّاعر الكعبي أحمد العمّاري بقلم: عبد الله لالي



الشّاعر الكعبي أحمد العمّاري
بقلم: عبد الله لالي
و تَـقــــــول لي قُــــــــمْ للصــــــلاة فـــرُبَّــمـــــا *طـلــــــع الـصـبـــــاحُ و أنت في أحْــــــــداقي
و اذكُــــرْ حـبـيـبـــي أحـمــــدَ الـمُـخــتـــــارَ في * مــا يَــعْــتَـــريـــك إذا دخــلْـــــتَ نِــطَــــــــاقي
فـــأنــــا أُدَاوي بـالـصـــــــلاة عـلـيــــــه مــــــا *  ألْــقـــــاهُ إنْ دارتْ كُــــــؤوسُ الـســـــــــــــاقي
........................................
أحمد العمّاري[1].
وكأنّ الصّلاة على النبيّ أحمدَ شفاء من داء السّهام الطائشة ، والنظرات القاتلة .. !!هكذا هُم شعراء المدرسة الكعبيّة ، ( يطوفون بالدّيار، ديار ليلى ) لكنّ قلوبهم تهفو أبدا إلى دار ( أحمد ).. فمحبّته دِفء ومأوىً حانٍ لكلّ مشرّد في طريق الهوى موجوع..
جاء الشاعر الفحل الوَلِه المتصوّف هوىً ، الكعبيّ مشربا وطريقةً ؛  أحمد العمّاري تاسعا في قراءاتي هذه عن غير قصد منّي ولا تدبير، ولا سعي لترتيب الشعراء وإنّما كتبنا حسب توفّر المادة المعرفيّة والمعلومات حول الشّاعر حتى نعطي صورة مقرّبة ولمحة لطيفة عن فرسان الكعبيّة المجلّين..
شاعر عَنَا له القريض وأرخى صهواته فهو يوجهه أنّى شاء ، يكتب على طريقة الفحول الأوّلين ، في لغة عالية وعبارة محكمة ، ولفظ متخيّر فخم.. ثمّ يكتب بلغة ( الحداثيين ) فيُشرق ويتألق. وقفت أمام شعره وكأنّي أمام جبل سامق، قد مدّ قامته في السّماء، يهفو إلى النجوم يغازلها أو يتخيّر منها ما شاء ليرصّع بها شعره.. وهو القائل مفاخرا وحُقّ له:  
تُحَـدِّقُ في أسـاطِـــيـرِ المـرايـــا
حَـدَاثِيَّ الـتَّـوَقُّعِ والْأُفُـولِ
وتكسـو كعبـةَ الأشعـارِ ليــلاً
ستائـرَ فُصِّلَـتْ زَمَـنَ الخليـلِ
فكر حداثيّ ( بالمعنى الإيجابي للحداثة ) يستشرف المستقبل بعين عصريّة يقظة، وهو مع ذلك يكتب الأشعار ويَسْطُرُها على نهج الخليل ( الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب علم العروض وصاحب كتاب العَين )، هو يكتب معاني عصريّة جديدة تمسّ الواقع الذي يعيشه، لكنّها في قوالب خليليّة حفاظا على قداسة الوزن والقافية ، اللّتين لا يكون الشعر بدونهما شعرا إلا إدّعاء ومكابرة..  
ويبيّن الشّاعر رسالة الكتابة عنده والغرض منها في وضوح وجلاء فيقول في مقطوعة بعنوان ( لمن أكتب ؟ ):
لمن أكتب ؟
إن الكـتـــابــــة بـــــدعــــةٌ أزلـيــــــةٌ  **    حَــيَــــويّــة وُلـــدَتْ مع الأحــيَــــاء
مـــا ظُـلّـلــتْ يــومـا بـسـقـــف إدارة **  أو أُشّــرَتْ بالخَـتْـــم و الإمــضــاء
نَــاءَ القــريضُ بـحَـمْـلهـا فـتَـقطعـتْ **  أوْداجُــــهُ بـمَــــذابــــح الإقـصــــاء .
وهو يشير بقوله ( بدعة أزليّة ) إلى ما جاء في الأثر عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:
" أول ما خلق القلم ، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة "
 فالكتابة وقول الشعر أمر قديم جدّا خُلق مع القلم، فهو متجذّر في نفس الإنسان، ولا يحتاج إلى من يعطيه شرعيّة الوجود من مؤسّسة رسميّة بأختام وإمضاء، فالشاعر بطبعه طائر حرّ يعشق الحريّة ويقدّسها، رغم ما يناله في كثير من الأحيان من إقصاء وتهميش..
ويحلّق أكثر في قصيدته ( هجرة الرّوح ) ويرفرف عاليا في الأفق السّني وذاك حين يقول:
فمَلأتُ من معناك كأسَ تَنَسُّكي *   أمحُـو بها ما كان من أوزاري
صَـرَعُ الهوى ما ذاقَـه إلا أنـا * ألما عــرفـتُ مُـدامَـةَ الأنــــوار
مَـسُّ الهوى ما خاطَ غيرَ عباءتي * ما فكَّ غـيـرُ جـنـونه أزراري
قلقٌ أنا لمّا تُـثـيـر خَـواَطـــري * قُـدْسية العـيْـنـيْـن في الأشعــار
سأمُـدُّ فـوق الروح أجنحة المُنى * مكلــومـةً لكـنْ سأبْـلـغ داري
و يَضُمّني بحرُ الـفَـنـا مَـتَـقـبّــلاً *   عُذري إذا أخطأتُ في إبحاري
و أنـام فـوق جَـديـلــة غجــريــة *  كالليل طـولاً، كالخرير الساري
بيني و بينك في الهوى أسطورةٌ *  أزلـيـة الـمـيــــلاد و الأطــــوار
لا يـسـتـجـيـب اللونُ إلا بـاحــثــا *  عن دهـشــة كَـبَــراءة الأسحار
يبقـى الهـديـل قصـيـدةً روحـيــةً *  لا تـسْـتَـحـمُّ بـبـرْكـة الأغيار
لا تـسـتـريح و لا تَـمُــرُّ بــوَرْدَة *  مـسْـجـونـة إلا بَكتْ بجـواري
هذه قصيدة موغلة في التّرقي بالرّوح وتطهير النّفس من أوضار الأرض، قصيدة أشبه ما تكون بوِرد صوفي، أو رُقية شرعيّة تجلو الدّخن عن القلب وتصقل الحواس فلا تترذّل في ملذّاتها الماديّة البحتة، شاعر كعبي بنكهة خاصّة وبصمة تميزه عن غيره بخاصيّتين اثنتين : القاموس الحداثي ، والإشارات الصوفية المبنيّة على أصل صحيح..
تقول عنه تهاني القواسمة - وهي باحثة في الأدب والشعر الصوفي من الأردن - تعليقا على قصيدته (واحة الدّفء ):
" يــا فــارس القصيــدة العربيــة.. ( إنّ من البيان لسحرا ) في كل قصائدك السابقة أسكرتنا بأبيات القصيدة وجرت الكلمات فينا جريان الماء في الماء.ولكنك هنا في ( واحة الدفء ) لا أظنك إلا قد تعاقدتَ مع ماردٍ من مردة شياطين الشعر.. لتسحر قلوبنا بالكلمات..  وكان لك ما أردت.
هنيئًا للمحبوبة حتى وإن كانت خيالاً بغزلك العذري الراقي. هنيئًا لك قلبك المحمدي الذي أراه قاتلك شوقًا إن لم تعانق روحك طيبة ، وتستحم ببخور من أقام و صرح المدينة ، أُكرِمتَ حبّه .. وإن الشكر قد وجب ".
ولفارس المدرسة الكعبيّة تخميسات[2] لطيفة عن المقاومة الشعبيّة وأخرى حول قصائد بعض الشعراء الأعلام، من أمثال أبي مدين شعيب الذي قال في قصيدته ( الخمرية ): 
تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنّا * * وتزهق بالأشواق أرواحنا منا
بعادكم موت وقربكم حـــــــيا * * وإن غبتم عنا ولو نفساً متنا
نموت إذا غبتم ونحيا بقربكم * * وإن جاءنا عنكم بشير اللقيا عشنا
Haut du formulaire
وقد قام الشاعر بتخميس مطلعها فقال:
سَلَوْتُـمْ و زدتُمْ فوق سَلْوَكُمُ مَـنّـا *  *  و بِـنْـتُـمْ و قلتُمْ إننا ـ قَطّ ما بِـنّـا ـ
رُويْـدَكمُ مهلا ألمْ تعلموا أنّـا    *   * تضيق بنا الدنيا إذا غبتُمُ عنا
و تزهق بالأشواق أرواحنا منا
كما قام بتخميس بيت يتيم كما يقول، طالما كان يردده عمر بن عبد العزيز ( خامس الخلفاء الرّاشدين ) وهو:
نفسي التي تملك الأشياءَ ذاهبةٌ  * *  فكيف آسَى على شيءٍ إذا ذهبا
فذيّله الشيخ المختار الكنتي[3] بقوله :
فامْـهَـدْ لنفسك قبل الموت صالحةً  * *  لا تَـدّخرْ عسجدا منها و لا ذَهَـبـا
فخمّس الشاعر أحمد العمّاري البيتين معا فقال:
كيف اتّـبَـعْـتُ الأماني و هي واهبَةٌ
ليَ المُـقَـدّرَ منها ثـم نــاهِـبـةٌ
مهما ملكْتُ و مهما الـنُّـوق ساهبةٌ
نفسي التي تملك الأشياءَ ذاهبةٌ
فكيف آسَى على شيء إذا ذهبا.
كما أنّ له قصيدة لطيفة في معارضة قصيدة البوصيري ( البردة ) في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، والتي مطلعها:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلم *  *   مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ.
وقصيدة الشاعر أحمد العمّاري بعنوان ( عذرا حبيبي ) ومما جاء فيها:
عُــــــذراً حـبـيـبي شَـتَــــاتُ الـفـكـر يُـرْهـقُـنـــــي * في فَـهْــــم مـعْـنــــاك والإكـثـــــارُ إقْـــــلَالُ
عُـــــذرا حـبـيـبي فَـدَمْـعُ الـشـــــــوق يـفـضحني * مهمـــا كـتـمْـتُ فـــــإن الـجـفــن سَـيَّـــــــال
عُـــــــذرا حــبــيــبي فــإن اللـــــــوم أتْـعَـبَـنــي * ولـيـــــــس لـي دون أن أهــــواك أعـمــــال
مـهـــــلاً وعـطــفــــــًا أقـلـنـي مـن حَـبَـائـلـهـا * قـــد حـاصـرَتْـني وأغْــــرَاهـا بيَ الـمـــــال
ولــم أردْ زهـــــرة الــدنـيــا وقـــــــد فَــتَــنَــتْ * قـبـــلي زُهَـيْـــــراً وكـعْـبـاً والأولى زالـــوا
ولـــــم يَــزالـــوا عَــبــيــداً أنـــــت سَـيّــدُهُـــمْ * وإنـنـي عـبـدُ مَــــنْ أهْــــوى كـمـا قـالــــــوا
تَـرَكْـتُ لـبْـنَـى لـقـيْــــــــس وهـــي تَـتْـبَـعُـنـي * ســـــرّاً وتـرْمـي شـبَـاكـاً هـكــــذا الـحـــال
أمــــــنْ تَـذكُّـــر جـيــرانـي صَـبَـــــوْتُ لـهــا * فـجـئـتُ مَـسْـرَحَـهــا بالـشـعـــــر أحْـتــــالBas du formulaire
فهذا شاعر فحل آخر بحقّ ، جرى في الحلبة فأَتعَب ولم يَتعب ولا يزال في صدره أنفاس وأنفاس دافئة، تخبئ مكنون الشعر وتخفي كنوزه الواعدة ، دخل ميدان المدرسة الكعبيّة وعلى كتفيه جلباب من محفوظ قصائد شعراء العصر الجاهلي والإسلامي ، وسطوة شعر ( الإمبرطور ) القائل:
أنا الذي نظـر الأعمـى إلـى أدبي *  * و أسمعت كلماتي مـن بـه صمـم
وقد تأثر بأمير المدرسة الكعبيّة ونهل من محفوظ شعره ، فهو يحفظ له كما يحفظ للمتنبي وعمرو بن كلثوم وغيرهما من كبار الشعراء، ونختم رحلتنا العجلى مع هذا الشاعر الكعبي الشامخ بكلمة قويّة له حول المدرسة الكعبيّة حين سألته عنها وأجاب:
" المدرسة الكعبية تفكير ينبثق من وجود موجة شعرية معينة تتسم بسمته و المعنى أنها ليست تنظيرا للشعر أو تقعيدا ؛ بقدر ما هي تيار شعري جارف و دافئ تنبثق منه المدرسة ".





[1] - أحمد العماري من مواليد 17/06/1978 بإينغر درس المراحل التعليمية الأولى بإينغر و عين صالح و سالي بآدرار ثم أكمل تعليمه العالي بولاية ورقلة إطار بمديرية الشباب و الرياضة لولاية تمنراست.
أسّس أول مجلة أدبية مجلة النبراس سنة 1995 يكتب الشعر الفصيح العمودي، صدر له ديوان شعري مشترك بعنوان ( صهوات الكلام ) وديوان آخر تحت الطبع، له كتابات في المسرح منها : الغصن الأخضر النقطة الأخيرة حديت لبنات أوبرا ( غزة و هان الزمن ) متفرقات أناشيد و مسرحيات للأطفال ،كتب في جميع الأغراض كالمديح النبوي و الغزل. له تخميسات على قصائد المقاومة الشعبية بإينغر للشيخين حمزة بن مالك وعبد الرحمن السكوبي بآقبلي رحمهما الله و تذييل لبعض قصائد الزهد و التصوف.( من ترجمة أرسل بها إليّ ).


[2]  - التخميس في الشعر هو أن يُعجَب الشاعر ببيت من الشعر فيضيف إليه ثلاثة أشطر من عنده، فيصير خمسة أشطر.
[3] - من علماء موريطانيا المشهورين وأعلامها البارزين عاش في القرن الثامن عشر الميلادي توفي عام 1811 م.

ليست هناك تعليقات: