2017/04/29

سورة الأفعى.. واقع غرائبي من منظور فلسفي بقلم: د. يسري عبد الغني

سورة الأفعى.. واقع غرائبي من منظور فلسفي
بقلم: د. يسري عبد الغني

الرواية التي معنا تنحى إلى الاتجاه الفلسفي،  وأعتقد أنه من النادر في هذه الأيام أن تجد رواية تدعوك إلى أن تفكر، وأنت أمام لوحات سريالية تعكس واقعنا بكل همه وغمه ومتاعبه، الرواية هي (سورة الأفعى) للكاتب الشاب المجيد / مصطفى الشيمي، والصادرة هذا العام عن دار الربيع العربي بالقاهرة، في 229 صفحة من القطع المتوسط، موزعة على إحدى عشر فصلاً، وأربع حواريات حواريات يصل فيها إلى قمة الشاعرية السردية،  توزعت على فصول الرواية ..

الرواية عالم خاص جدًا ومتفرد ينبع من خصوصية متفردة، وتأتي في لغة شاعرة راقية في صياغتها، ولا توجد بها أخطاء أسلوبية أو زيادة أو حشو، بمعنى آخر لغة مصقولة رائقة، رغم التعبيرات أو الألفاظ الحميمية التي جاءت موظفة  لخدمة السياق السردي للرواية ..

كل مقطع يشكل قصيدة نثرية مشبعة بالسرد الواعي، ومتابعة القراءة تشعرك أنك مع  كل سطر  أمام كاتب محترف، كاتب كتب وصقل وراجع مسوداته آلاف المرات، فهو يفهم معنى الرواية، ويمتلك أدواتها، وقد يقول البعض : إننا أمام نص أدبي ينتسب إلى الرواية، إلا أني أرى أن الكاتب استوفى عناصر الرواية كاملة : الشخصيات، الحدث، الصراع، البداية، النهاية، ونجح أن يمزج بينها في جلاء وحرفية ..

مصطفى الشيمي الذي سبق له أن كتب العديد من المجموعات القصصية، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية، أجاد ما يسمى فلسفة المتناقضات أو رصد المتناقضات وبمعنى آخر وقائعنا الأكثر غرائبية  : الصواب والخطأ، الصدق والكذب، والقواد والشيخ، العهر والقداسة، وتشعر أن الكاتب لا يعنيه من بعيد أو قريب واقعنا أو حتى خيالنا، في النهاية يؤكد لك أنه ليس هناك حقيقة مطلقة في هذه الحياة، الحقيقة لها ألف وجه ..

أنت تمشي مع شخوص الرواية : مسوخ / أولياء / فاسقين / عاهرات / بريئات / سيدات فاتنات أو مشوهات / رجل كُهنة / طفلة يونانية / طفلة أرمانية / طفل شيخ أو شيخ طفل / عروس نيل ريفية / أب سكير أو تائه / نعيق غربان / حلكة الظلام / خيال مجنون أو مخبول / خيال مبدع / عالم بلا إجابات / عالم ينعدم فيه العقل / أحدب له عالمه الخاص / الساحر / أم علاء / أغنية سمعناها من قبل / 15 رجلاً ماتوا من أجل صندوق / الأحدب القواد السجين ....

أنت أمام رموز وشفرات وشخصيات لا يستطيع فكها قارئ عادي إلا أن تحلى بالصبر والجلد من أجل أن يعي الرواية التي معه، ولو فعل ذلك ما ندم على الإطلاق، فالرواية تجمع بين طرفي المعادل الموضوعي، الفكر والمتعة الفنية، فالكاتب يستند على ثقافة واسعة شاملة، فرعونية / وقبطية / ويونانية / ورومانية / وإسلامية، حديثة  قرأ جميع الأساطير والحكايات والقصص الشعبية، وعرف معنى الأنثربولوجيا والميثوبولوجيا، أضف إلى ذلك أنه عاش حتى النخاع في أحيائنا الشعبية، وأزقاتنا وحاراتنا، عرف مصر رغم أنه مازال شابًا بكل فسيفسائها من أسوان إلى الإسكندرية، كل ذلك عكسه لنا عبر لغة دالة نوع فيها بين الخبر والإنشاء، ولم يته في التقديم والتأخير، وفي لعبة تشكيل الاستعارات والكنايات والمجازات ...

الرواية مشحونة بعوالم متخيلة، عوالم غرائيبية وأحيانًا خارقة، عوالم عجائبية ولكنها ضمن مفارقات عاشتها الذوات الصانعة أو المشاركة في الأحداث، والتي نجح الكاتب في أن يقودها إلى نهاية العمل، إلا أننا يمكن أن نقول: إن سورة الأفعى أو انتفاضتها أو وثبتها أو غضبها أو حدتها، تنتمي إلى بنية السرد المفتون بذاته، والغرائبي والعجائبي عند الكاتب يتحلى بثوب سريالي طقوسي تحدوه المفارقات المنعكسة في كتابته السردية، أو التي نعيش معها في واقع مصري وعربي يقترب من حد المأساة، ونعني به واقعنا الراهن، الذي يجب أن نتنبه لإصلاحه ..

الكاتب الشاب يأخذنا إلى عالم مفخخ أو قل ملغم، قد تتضايق أو تغضب  منه حزنًا وألمًا على الواقع الذي عراه أو كشفه لك، ولكن تعود لتواصل القراءة بشغف عجيب، حتى تصل إلى نهاية الرواية ...

رواية تثير العديد من التساؤلات بما تحتويه من الشفرات المتخمة بها، وأعتقد أن العمل الجيد هو الذي يجعلنا نفكر ونتسائل، ويبعد بنا عن الإجابات الجاهزة أو المعولبة .

رواية تستحق القراءة، رواية تجعلك حريص كل الحرص أن تعرف ماذا يريد الكاتب، وما هي النهاية، التي بالطبع ستكون غرائبية عجائبية، ولكن من المستحيل أن تكون أغرب من الواقع الذي نحياه في عالمنا المعاش .

ليست هناك تعليقات: