2017/05/09

قراءة في قصيدة (عندما يبكي الوطن على خارطة الوأد مهند يحيى التكريتي) بقلم: د. باسل مولود الطائي، د. سفانة شعبان الصافي



قراءة في قصيدة (عندما يبكي الوطن على خارطة الوأد مهند يحيى التكريتي)

د. باسل مولود الطائي                                د. سفانة شعبان الصافي
النص :-
عندما يبكي الوطن على خارطة الوأد
 ( 1 )
مصلوبا ً على خشب الوداع
يرتل
أغنية الشمع الراقد
في أقمطة الهمس ...!
..........
..........
 ( 2 )
مسكونا ً بثقوب الصمت
وأقراط الذل
ألقي بجسدي المغلف
بفلين وحدتي
بين أسمال الأوطان ...
المستباحة
 ( 3 )
من أي البقاع أنت ؟
- من (( أرض ٍ )) يتحايل فيها القاتل على القتل
من أي الأصقاع أنت ؟
- من (( أرض ٍ )) تصطاف بسوط القمع


وتشتي في مطر الدم
 ( 4 )
قرأت فاتحة الروح
في مقبرة الشهداء
على أرواح .. غيرة أولادي
 ( 5 )
يا عرافة .. أبي الهول
خبريني
متى يتطهر أبنائي .. من زمن العهر !!
 ( 6 )
ترتسم الأوطان على كفن الموت
وأنتم !
هنالك تبحثون في ... الوهم
 ( 7 )
من يتعرف في عتمة هذا الليل
على (( دجلة )) و(( الأمازون ))
 ( 8 )
لو أبدلتم عاصمتي بنيويورك
لامتلأت المآذن..
بنقيق الضفادع
والساحات
بلغة الروك أندرول
 ( 9)
خطوة .. خطوة
كنا على شواطئ الحلم
نغرق .. بالصبر
( 10 )
قلت للنجم :- تعال لنبحث
عن بوصلة التلاشي
وعن قميص ضوئي المعقود
على ناصية غبارك
تعال
لنعصر ما تبقى على فتات ذاكرتي
من أوردة الـ ...
 ( 11 )
من ينفض الغبار عن طحلب زمني
ليضيء وجه التأريخ
ويُنهض نعاس إسرافيل
على قافية الوأد
 ( 12 )
كفني ..!
من يدلني على شاهدة قبرك ؟ !
لأضع قرب رأسي
وردة ً .. وقصيدة !
         مازالت الدراسات الأدبية مفتوحة أمام الباحثين ولا سيما أن هناك موضوعات لم تأخذ نصيبها من الدرس والمتابعة وبخاصة في الجانب النثري، فعلى الرغم من ولوج بعض الباحثين لقضايا نثرية متنوعة ألا إن القصيدة النثرية لم تنل حضها الوافر منه وهي من الموضوعات التي مازالت تنتظر سبر أغوارها والكشف عنها، ولطالما راودني حلم الولوج الى رحاب دراسة هذا النوع من هذا الأدب الثر فجاء موضوع دراستي لركن من أركان النثر المهمة التي لم تأخذ نصيبها من الدراسة والبحث بشكل مستقل، ومن هذا جاء إختياري لقصيدة (عندما يبكي الوطن على خارطة الوآد ) للشاعر مهند يحيى التكريتي، الذي قدم لهذا النوع من الأدب الكثير من القصائد النثرية التي أغنت الساحة الثقافية والمعرفية بهذا المعين النوعي المميز، والذي دفعهُ أن يختط لنفسهُ طريقاً في محاولة منهُ لنظم عدد من القصائد الجميلة والفنية بصورها الجميلة ولغتها السليمة، ومما زاد من رغبتنا في طرق هذا الموضوع ووضعهُ في ميزان النقد وتتناول هذهِ الدراسة الوظيفة اللغوية فيها، فضلاً عن ذلك تنوعت طرائق تقديم القراءات للخطاب النثري تبعاً لنوعها وصنفها وتبعاً لنوع المدرسة ومنهج كل مدرسة من تلك المدرس فضلاً عن ذلك الدراسة التي تختص بالجوانب الفنية وتجملها.
         جاءت نظرية (موت المؤلف) لتعلن إنحسار العلاقة بين النص وكاتبه إلى أَضيق حدّ، بحيث أصبحت سلطة المؤلف لا تتعدى الأنتساب الى النص، وليس بأمكان المؤلف الدفاع عن آرائه أَو مقاصده لأنها غير مهمة في نظر القراء والنقاد ولكن هناك أسئلة جديدة تستثيرها هذهِ العلاقة وتؤطرها يعكس النص تصورات صاحبهُ؟ أم إنهُ يمثل شخصاً آخر لا علاقة لهُ بالشاعر مهند يحيى في هذهِ القصيدة.
         ومن خلال قرآتنا، نجد أن الشاعر يتحدث عن نفسهُ غالباً حتى عندما يتحدث عن الآخرين، وليس بأمكانهُ التخلص من موروثاته الأجتماعية والثقافية والسياسية بل إنهُ غالباً ما يسقطها على نصهُ بشكل فطري تتعدد مقتربات الوصول الى حقيقة النص بتعدد الأتجاهات الفكرية والأسلوبية فمنها مقتربات الوصول الى حقيقة النص بتعدد الفكرية والأسلوبية فمنها المقترب الأجتماعي والسيكولوجي والتأريخي والتفكيكي والتركيبي، وما إلى ذلك من آليات قد تصل الى جزء معين من النص، ولكن تكون قاصرة في كثير من الأحيان في الوصول الى حقيقة النص باألجملهُ.
          وقد حاول بعض علماء النفس تطويع نظرياتهم في خدمة النص وأدغامها على تناول مقترياتهُ بشيء من التمحل وتحميل النص بما يناسب فيه، وإلا دعاء إن ما جاؤؤبهِ هو الحقيقة ذاتها رغم إنهم لا ينظرون إلا من زاوية ضيقة لا تكفي لرؤية.
          كان لأستقبال قصيدة (عندما يبكي الوطن على خارطة الوأد) متجاوب مع ألآلام وأحزان العراقيين بصورة عامة، ومناخ الوطن الحزين، التي سرعان ما أشتعلت المشاعر كلما قرأت أو أعادة قرأة القصيدة،

مصلوباً على خشب الوداع...

يرتل... أغنية الشمع الراقد

في أَقمطة الهمس...

________________

مسكوناً بثقوب الصمت...

 وأقراط الذل...

 ألقي بجسدي المغلف بفلين وحدتي...

بين أسمال الأوطان  المستباحة

وعندما يراجع القاريء هذا الأستهلال الجميل الحزين يتصاعد الشعور الانساني وتتجيش عنده المشاعر المؤطرة بالحب وألالفة والحزن العميق على وطن أَكبلتهُ الجروح و تزاحمت على قتلهِ السيوف، وأثخنت جراحهُ المصائب والمكائد.

من أَي البقاع أنت... ؟

من (أرض) يتحايل فيها القاتل على القتل

من أَي الأصقاع أنت ؟

من ((أرض)) تصطاف بسوط القمع وتشتي في مطر الدم...

____________________________________

 قرآت فاتحة الروح...

في مقبرة الشهداء

 على أرواح...

غيرة أولادي...

__________

ياعرافة أبي الهول

خبريني... ؟

متى يتطهر أبنائي...

من زمن العهر ؟!!.

         لقد أعتمد هذا النص على بلاغة معانيه، وسعه أفقه وقوة لغته، ودقة وجمال صورهُ الحزينة أو المأسوية باستجابتها إلى قواعد اللغة وضوابط الشعر وحرفية الأداء فضلاً عن ذلك إنها أثارت الوجدان الأخلاقي والقيم النبيلة لدى المتلقي وجاءت هنا مطابقة وموازيه ومنسجمه مع الموروث الأخلاقي والعرفي والديني للشاعر فضلاً عن ذلك عملت على خلق قصة شعرية متوثبة بالحيوية واخره بتواترتها الخاصة، والى قدرتها على خلق نموذج أيجابي يختزل النماذج الأيجابية التي ينطوي عليها الناس في الوطن الجريح... عراق الحضارات، فضلاً عن ذلك أبرز الشاعر لغة الحياة اليومية وهاجس القتل والدماء والتخريب في كلمات بلغة مداها بسهولة وبساطة والتي أعتمدت عليها أغلب مقاطع القصيدة، والتي أعادت خلقها، لتصنع ملحمة شعرية صغيرة من لغة أهل العصر ومفهومهم دون التفريط بعظمة لغة العرب البليغة

       ترتسم الاوطان على كفن الموت

 وأنتم.. هنالك

تبحثون في الوهم...

_______________________

من يتعرف في عتمة هذا الليل

على (دجلة) والأمازون ؟!


وكعادتهِ أستخدم الشاعر نوعا من أنواع البلاغة وهو التكرار في القصيدة وأعطى لها بصمة جمالية، تجلت في تكرار الصيغة النحوية للفعل والفاعل والحال أو ظرف الزمان في أغلب مقاطع القصيدة، كما ورد بعض التكرار لبعض الجمل، فضلاً عن بعض الصيغ والماخوذة من الحكي، فضلاً عن ذلك بعض الكلمات المفتاحية التي تضبط خطى المعنى وتؤدي إليه، ولايوازي جماليات التكرار سوى الأيقاع المتدفق الذي لا يعتمد على تنويع التكرار بل يضيف توزيع المقاطع بما يؤكد نوعاً من نغمية الأنشاد التي يبرزها توزيع حروف المد التي تتجاوب مع الأحرف التي توقف تدفقها، مراوحة بين النغمات التي لا تفارق طبيعة الأنشاد الشفاهي، وهي طبيعة صاغتها العناصر الدرامية التي أنطوت عليها القصيدة، حتى على مستوى الصراع البسيط بين الحياة والموت، وهو صراع صنعت مهاده وأسهمت في تجسيد أبعاده، الكنايات البصرية المتفاعلة مع لغة الحياة اليومية، في موازاة الأستعادات القريبة والتشبيهات، بل التراكيب التي تتعمد مداهنة البلاغة التقليدية، وخلق بلاغة (محلية جديدة) إنجاز التعبير بلاغة جعلتنا ننظر الى عالم المدينة البسيط بعينين لا تقلان واقعية عن عيني الشاعر أحمد شوقي وهو يرثي القائد العربي عمر المختار وهو يقول في مطلعها:

ركزو رفاتك في الرمال لــــواءا

يستنهض الوادي صباحاً ومساءاً

         شكلت هذهِ القصيدة وحدة مستقلة بذاتها، ولا نعدم مع هذا الأستقلال وجود خيوط مشتركة تمثل ثوابت تلتقي عندها المقاطع.

(لو أبدلتم عاصمتي بنيويورك....

 لأمتلآت المأذن

بنقيق الضفادع..

 والساحات...

 بلغة الروك أند رول

____________

 خطوة... خطوة..

 كنا على شواطىء الحلم...

نغرق... بالصبر

( الاستهلال)

___________
         وبما يدفع الى عد الأستهلال مظهر من مظاهر أستقلال الوظيفة التي تؤديها القصيدة، وهي وظيفة تخلف من قصيدة الى أخرى ولئن أختلفت المقاطع الأستهلالية وظائفياً فأن عدها نواة مركزية تتفق منها الأحداث، وتتفرع، أمر لاخلاف فيه، وتتجمع أهمية الأستهلال من المكان الذي يحتلهُ في النص، ولو قرآنا أستهلال هذهِ القصيدة ويعتبر الأختيار الأول للشاعر، والذي وقع اختياره عليه.
         هناك عدة خيارات للشاعر أما يستهل قصيدتهُ بجمل فعلية أو أسمية، كما قد يلجأ الى الأستهلال الحرفي، بيد أن نظرة فاحصة الى ماجاء عند مهند في هذهِ القصيدة هو أستهلال فعلي (مصلوباً... يرتل... تعال).
         ولعل قيام هذهِ القصيدة على سرد الأحداث وروايتها، وما ويولدهُ هذا السرد من تتابع للأحداث وتتبعهُ من حركة فاعلة.
         زاد من سرعة إيقاع القصيدة وكنا نتمنى أن يبطيء من حركة القصيدة بعد المقطع الذي يقول فيه (قلت للنجم: تعالى لنبحث.. عن بوصلة التلاشي)) وقد أطرد بناء القصيدة على الأفعال الماضية
(مصلوباً.. يرتل... مسكوناً... ألقي... يتحايل... تصطاف... وتشتي... قرآت... خبريني... أبدلتم... تعال) وتراوح زمن هذه الأفعال بين المطلق والمحدد، وقد أنحصر موضوع القصيدة بأماكن محددة بالتقدير والأختيار، وقد لاحظنا إن بناء الأستهلال على الافعال ذات الزمن المطلق، وأنحصر اثرها بتحديد السياقات المقامية للقصيدة كفني... من يدلني على شاهدة قبرك... لأصغ قرب رأسي... وردة وقصيدة والمقطع بحنشد بصوره البصرية، وتتابع مشاهده الدالة، والأشارة البصرية الى الصورة الجميلة (التي توميء الى تفاصيل كثيرة على سبيل الأيحاء، وتفتح أبواب المخيلة الجمعية للأستعادة الموازية، ولاينغلق المقطع الاّ إذا... وحل الدفء، وينقطع الأسترسال الذي يمهد للمقطع الآخير لكي يأتي الختام بأستعاداته وكنايانه التي توحي الى عن طريق ذكر نتائجها المجازية أستعار الشاعر في قصيدتهُ آليات فن الأسطرة، لكنهُ لم يلتزم بها ألتزاماً حرفياً، فعودت الخير والامل والامان تتطلب أن يُولد الخيرغريباً، وكأن الحياة كلّها تشتاق له وتتأمل عودتهُ وتصبح الحياة سعيدة وطيبة وجميلة، وبهذهِ العودة يحاول أن يتجاوز صعوبات الحياة وعقابتها ويعود الفرح وتعن السعادة، حتى يحقق في النهاية ذاته وهدفة النيل، هذا من جانب، ومن جانب آخر تلعب النبوءة دورها قبل عودة العراق أو الوصول الى قبره النبوءة التي يتوقعها الشاعر عند عودته او الدور الرئيس الذي سيلعبهُ، ولكن هناك شخصيات لم تذكر القصيدة شيئاً عن سيرتهم، ثم يمضي شاعرنا في تحديد السمات الجسدية والمعنوية يجرح العراق ومشهد موته الدالة على تميزه وعلى تمثيلهُ للنموذج الطيب الأصيل أنهٌ يعيش في اللاشعور الجمعي، شأنهُ شأن الأحلام ذاتالطابع الجمعي، والتي يمكن أن يراها الأنسان في كلّ زمان ومكان واسأل الله التوفيق في قراءة هذا النص.                         

ليست هناك تعليقات: