2017/05/07

"جداول الكتابة وأوفاقها الثقافية في القصة القصيرة العربية المعاصرة" للناقد المغربي عبد الرزاق هيضراني

"جداول الكتابة وأوفاقها الثقافية في القصة القصيرة العربية المعاصرة" للناقد المغربي عبد الرزاق هيضراني


صدر عن دائرة الثقافة بالشارقة كتاب "جداول الكتابة وأوفاقها الثقافية في القصة القصيرة العربية المعاصرة" للناقد المغربي عبد الرزاق هيضراني، وهو كتاب فائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي بالمركز الأول في مجال النقد. ويقع الكتاب في 145 صفحة من الحجم المتوسط. وتتمحور دراساته حول نصوص قصصية كتبت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وأخرى كتبت متأخرة أي بين 2010 و2015، وكلها نصوص لكتاب عرب معاصرين ما يزال أغلبهم يكتب القصة والقصة القصيرة جدا، ومنهم من يزاوج بين القصة القصيرة والرواية والشعر. ولقد حاولنا، قدر طاقتنا، أن نقارب نصوصا قصصية من بلدان مختلفة، مستثمرين في ذلك بعضا من مفاهيم النقد الثقافي وآجترحنا أخرى في قراءتنا لنصوص قصصية ثقافية ساهمت، كما تناولنا في كتابنا، في نقد أنساق ثقافية متجذرة في الثقافة البعيدة، المعيش والذاكرة المشتركة، جاعلة إياها ماثلة في النص و التاريخ. ومن ثمة فالكتاب ليس تأريخا للكتابة القصصية، أو عملا يحايث الكتابة الأنطلوجية على الرغم مما تكتسيه هذه الأعمال من أهمية لا تنكر، وإنما هو نقد ينطلق من النص القصصي ليؤسس مجموعة من الاِفتراضات. ولقد تقدمنا بآفتراض أساس وهو أن الكتابة القصصية العربية المعاصرة، وبالنظر إلى ما حققته من تراكم، لم تعد تشتغل على جاذبية الموضوع فحسب، وإنما آخترقت عوالم التجريب، الذي أصبح ضرورة فنية وثقافية، وآستثمرته، بالتالي، في كتابتها وفي قراءتها للقضايا المجتمعية المعقدة والمركبة. وبمعنى آخر فإن التراكم القصصي قد أصبح في أغلب نماذجه، والتي نتناول بعضا منها في هذا الكتاب، يطرح سؤال الكتابة بإلحاح؛ إذ إن الكثير منها آكتس وعيا إبداعيا متجاوزا/ مغايرا للقص التقليدي، مسائلا فعل الكتابة ومستثمرا أوفاقا جمالية وثقافية تثير الكثير من القلق والكثير من التساؤلات، إلى درجة يستعصي إزاءها أحيانا فك أوفاقها بمجرد نقرة قراءة أولية.

ومما جاء في مقدمة الكتاب..

" ... لقد دشنت بعض الكتابات القصصية العربية الحديثة والمعاصرة هذا التوجه التجريبي الجديد، متجاوزة، بذلك، ممكنات القصة التقليدية وما تميزت به من خطية ساهمت، أو كادت، في تجذير القراءة الاستهلاكية السريعة الهضم. ولهذا فالتجريب في الكتابة القصصية العربية المعاصرة شكل إمكانية قرائية جديدة أدخلت القارئ في قلق مضاعف ودفعت به إلى توظيف مجمل قراءاته وما تتطلبه من تقابلات/ تقاطعات بهدف فك جداول قصة تعتمد أوفاق التجريب أداة من أدواتها. ولقد أصبح من المتاح، ونحن نقرأ نصوصا قصصية تجريبية معاصرة أن نتحدث بكل تأكيد عن كتابة أوفاقية مفخخة وملغزة تستثمر الشعر والفلسفة والتصوف وأحيانا الاقتصاد والمعادلات الرياضية كما هو الحال، على سبيل التمثيل لا الحصر، في تجربة الكاتبة العراقية وفاء عبد الرزاق في مجموعتها (نقط)، وذلك بهدف خلخلة وثوقيات القراءة وإدخالها، بالتالي، في دوامة اللامعتادواللامرئي.

        إن هذا المنزع البديع والشاق الذي يميز الكتابة الأوفاقية/ التجريبية ليجعل من القراءة نشاطا ذهنيا معقدا للتفكير والتأمل، وليس للتزجية وتبديد الملل. فهي كتابة بقدر ما دشنت لتجربة جديدة تقوم على فعل قرائي ممتع ولكن أيضا شاق يماثل، أو يكاد، متعة الكتابة، شقاءها وقلقها اللامحدود، فإنها قد شيدت جدرانا عازلة بينها وبين قراء سلبيين وقراءات نمطية خطية تجرد الكتابة من آفاقها و أوفاقها الثقافية. ويرجع ذلك إلى أن الكثير من النصوص القصصية المعاصرة بقدر ما تتميز به من فنية وإمتاع جمالي، تضمر حمولة ثقافية تغرس خناجرها في جمجمة القارئ على حد تعبير كافكا، بل أكثر من ذلك تتميز بتحريضها على فعل القراءة المركبة والهادئة والمنصتة في آن. لذلك فالكتابة الأوفاقية بحاجة لقراءة هادئة تنصت للنص القصصي ولشعريته الباذخة. إنها القراءة التي تعيد تدويرRecycling الكتابة؛ أي إنها سفر/ رحلة لاكتشاف أراض مجهولة وتسجيلها في خريطة على حد تعبير ميلان كونديرا.

...ولهذا الاعتبار، تحديدا، فقد ركزنا على نصوص قصصية من المغرب والجزائر والإمارات والعراق والأردن والكويت، سوريا ومصر. وقد حاولنا أن نقرأ مختلف النصوص القصصية من داخلها، وذلك لهدفين آثنين:

1-   أن نقارب تقنية الكتابة من داخل فعل الكتابة عند كل كاتب/ كاتبة على حده؛ إذ نقصد بتقنية الكتابة في هذا الإطار ممكناتها التجريبية وهي ما أطلقنا عليه الأوفاق بالنظر إلى ما يحيل إليه الوفق في ثقافتنا من عجائبية/ سحر، غموض وتجريب ملغز.

2-   أن نقرأ بنية الموضوع وتقنيات آستثمار الكتاب لمقومات الأوفاق التجريبية في مقاربة مواضيع هامشية وتفاصيل مبعدة، وأحيانا في تناولهم لقضايا كبرى.

      ونشير في هذا السياق إلى أن تركيزنا على ما هو تجريبي/ فني/ تعبيري في مقابل ما ينتمي لبنية الموضوع لا نروم من ورائه دراسة خصائص التجريب منفصلة عن الحدث أو الحالة، وإنما تركزت دراساتنا على طريقة الكتابة في قراءة الذات والمجتمع والغير بشكل عام. بمعنى آخر فإن قراءتنا آستندت إلى خصائص التجريب في تماس مع الحدث والحالة، ولم تكن منفصلة بشكل من الأشكال عن هذا الوعي.

ويتكون الكتاب، تبعا لذلك، من ثلاثة أبواب؛ حاولنا في الباب الأول أن نستحضر بشكل مختصر مسالك الكتابة القصصية في العالم العربي وإبدالاتها. أما الباب الثاني فقد خصصناه لدراسات تطبيقية، كما أشرنا سابقا، في مجموعات قصصية دالة ولها أهميتها الثقافية لملامستها لقضايا مجتمعية وثقافية متعددة دون أن تتنازل عن أهمية آستثمار التجريب وأساليبه الفنية والجمالية.

هذا وتناولنا في الفصل الأول من الباب الثالث منافي الكتابة النسائية بقراءة لبعض التخريجات التراثية المكرسة لهمينة الفحولة، وبالتالي دور تلك التخريجات في تقعير وجود الأنثى وكينونتها، قبل أن نقرأ نصوصا قصصية نسائية ذات ممكنات إبداعية وآفاق ثقافية تعالت عن سرديات الضحية والجلاد، وآنخرطت، بالتالي، في سيرورة ثقافية غير مهادنة؛ تنتقد سلوكيات وأنساق ثقافية بعيدا عن العصبية الإبداعية التي تنتصر للجنس، اللون أو الاِنتماء.."

ليست هناك تعليقات: