2017/08/12

قراءة في أسباب العجـز العربي ومقومات الإصلاح بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــــة

قراءة في أسباب العجـز العربي ومقومات الإصلاح 
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــــة 
 كلية الآداب-جامعة عنابة- الجزائر

            لطالما انشغل الكثير من الباحثين،والدارسين بأسباب العجز العربي،وبحثوا في دراساتهم عن مقومات الإصلاح،قتطرقوا إلى جملة من القضايا التي تتصل بالاقتصاد،والتنمية،والحرية،والديمقراطية.
                وفي كتاب:«قراءة في أسباب العجز العربي ومقومات الإصلاح» الصادر حديثاً عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع بالأردن،نجد مجموعة من الأبحاث العميقة التي كتبها نخبة من المفكرين المتميزين،من بينهم رونالد كوز؛الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد،والتي تسعى إلى الإحاطة بأسباب العجز العربي،وتبحث بجدية عن مقومات الإصلاح.

              يصف الدكتور نوح الهرموزي هذا الكتاب القيم في تقديمه له،بأنه كتاب«يحاور أكثر من ظاهرة من الظواهر،والعلل التي تعتري العالم العربي،حواراً حقيقياً يتأسس على تكاملية المقاربات المتراوحة بين عوالم الاقتصاد،والعلوم السياسية،والسوسيولوجيا.كما يتميز بقراءات مبيأة وليدة المنطقة المدروسة؛باعتبار معظم الباحثين الذين ساهموا بأبحاثهم خرجوا من رحم الثقافة العربية،ومن  الوطن العربي من المحيط إلى الخليج،ما يجعل أهل مكة أدرى بشعابها كما ورد في الأثر.بيد أن شرط الانتماء المجالي هذا لم يُسقطهم في فخ الذاتية ليصير عائقاً معرفياً.بقدر ما كان حافزاً لهم للانتباه،وتوخي الحذر،والاحتراز الإبستمولوجي،فشرط الانتماء لديهم شرط مؤسس،وليس بشرط للفهم،والتفسير»(ص:8).
   الاقتصاد والتنمية
                 في مستهل الكتاب قدم الدكتور أحمد مفيد؛الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الهش في فاس، قراءة في شروط النهضة العربية،افتتحها بالإشارة إلى أنه على الرغم من توفر العالم العربي على موقع جيو استراتيجي مهم،وعلى الرغم من وفرة وكثرة الموارد الطبيعية التي يتوفر عليها، إلا أنه أصبح لا يتسع إلى أهله،ولا يستطيع مسايرة جيرانه،ولا يستفيد من تجارب غيره،فكل مناطق العالم تتحرك،وتتطور،وإن بأشكال متفاوتة،إلا العالم العربي الذي يعرف وضعية شبه جمود.
             يرى د.أحمد مفيد أن أول شرط هو تنمية الإنسان،فينبغي أن ينطلق أولاً من الإنسان،الذي يتوجب ضمان حقوقه،والرفع من قدراته ومؤهلاته وكفاءاته من خلال إصلاح برامج،ومناهج التعليم،والنهوض بالبحث العلمي،وتشجيع مراكز الدراسات والأبحاث،وتعزيز الحق في الثقافة.
            وإضافة إلى ضرورة النهوض بالإنسان العربي،فإن من شروط النهضة اللازمة تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية،ومحاربة مظاهر التعصب الديني،والقيام بثورات ثقافية على شاكلة ما عرفته أوروبا خلال عصر النهضة،ومع فلاسفة الأنوار،ورواد نظريات العقد الاجتماعي.
              رصد الدكتور تيمور كوران؛الأستاذ في علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا«أسباب تخلف الشرق الأوسط اقتصادياً»،وتحدث عن الآليات التاريخية للركود المؤسساتي،وقدم الدكتور نوح الهرموزي؛الأستاذ بجامعة ابن طفيل في القنيطرة«قراءة لنظريات المساواة والعدالة الاجتماعية»،وخلص في قراءته إلى أن السياسات التوزيعية التي تزعم تحقيق العدالة الاجتماعية تؤثر بطريقة سلبية،ومباشرة على التنمية الاقتصادية،وتعطي للسياسيين،ولجهاز الدولة صلاحيات واسعة للتدخل في الحياة الاقتصادية،والتلاعب بالأموال العامة،كما أنها تشجع على التملص الضريبي،والتواكل،وتحد من المحفزات التي تعتبر الحجر الأساس لتطور الأمم.
              وتحت عنوان:«البقاء للأصغر الدور الجديد للدول الصغيرة في النظام العالمي»،قدم الباحث اليمني محمد سيف حيدر جملة من الأطروحات عن الدولة الصغيرة بين المقاربة التقليدية،وتغير مفهوم القوة،وخصص الدكتور رونالد كوز؛أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو،والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد دراسته للحديث عن«الاقتصاد المؤسساتي الجديد»،حيث قدم أطروحات جديدة تناول فيها مشكلات تتعلق باقتصاد التيار السائد الذي أصبح يميل بصورة متزايدة مع مرور الزمن نحو التجريد،وهو في الواقع لا يقيم وزناً كبيراً لما يحدث في عالم الواقع.
                 وفي المقال الأخير من هذا القسم تحدث الدكتور محمد الدعمي؛وهو أستاذ محاضر في جامعة أريزونا عن«متلازمات الفقر»،حيث قدم مجموعة من الأفكار الهامة،ومن بين ما أكد عليه هو أن حكومات الدول الغنية تبدو غير جادة في انتشال الدول الفقيرة من بين فكي الفقر،ويُرجع سبب هذا الأمر إلى أن أقلية الأغنياء الذين يمتلكون السطوة،والقوة الاقتصادية، والعسكرية، لن يسمحوا بظهور منافسين جدد من الدول الفقيرة التي تتجاوز كبواتها.
   الـحرية والديـمقراطية
               في المحور الثاني من الكتاب،نجد الدراسة الأولى للدكتور نبيل علي صالح؛وهو مهندس وكاتب سوري،وقد ناقش في دراسته موضوع:«الحرية والديمقراطية كآلية للحكم المؤسساتي في الدولة العربية الحديثة»،حيث قام بطرح جملة من الأسئلة من بينها:هل حققت القيادات العربية التغيير الموعود الذي تبنته ورعته في كثير من خطاباتها وبرامجها النظرية؟وأصلاً هل تمتلك القاعدة الفكرية والعملية النوعية التي تؤهلها للاستفادة المتوازنة من الموارد الطبيعية والبشرية المتعددة والكبيرة التي لا تزال موجودة في بلدانها؟ثم لماذا   يتم دائماً،في داخل مجتمعنا الديني والسياسي العربي والإسلامي عموماً،التركيز على أهمية الأشخاص والرموز،وإغفال دور الشعوب والكتل البشرية الحيوية؟ألا تعطينا التجارب التاريخية التي عاشتها أمتنا مع حكامها،وأنظمتها الماضية،دلائل قاطعة على استحالة الرهان على حكم الفرد،ونهج الشخص،والاعتماد الكلي على مواهبه الذاتية(الخارقة)،واعتباره خشبة الإنقاذ،وصاحب المشروع الخلاصي؟
               ويذهب الباحث نبيل علي صالح إلى أن هناك ضرورة عملية لتحكيم حركة الحوار العقلاني في مجتمعاتنا العربية المتوترة،وتأصيل قيم التسامح،والاعتراف بالآخر،وتحمل بعضنا البعض بالصورة التي تحقق العدالة للجميع،دون إقصاء،أو إلغاء لطرف على حساب آخر.
            عالج الدكتور محمد عز الدين الصندوق؛وهو أستاذ زائر في جامعة سري بالمملكة المتحدة، في دراسته إشكالية:«الحرية وتأثيرها في التطور العلمي في الحضارة العربية-الإسلامية»،وقد نبه في مستهل دراسته إلى أن النشاط العلمي هو واحد من الأنشطة الفكرية العالية،والمعقدة،والتي لا تظهر إلا في المجتمعات المتطورة،والتي يمكن أن تقدم،أو توفر للنشاط العلمي والفكري مستلزماته،وما يتميز به هذا النشاط هو أنه في حاجة إلى بناء اجتماعي يوفر الحرية الفكرية للباحث،والمستلزمات المادية لعمله،ولذلك فبروز هذا النشاط في أي مجتمع يدل على توفر ما يلي من مؤشرات:
1-الحرية الفكرية في التساؤل،والتحليل،والطرح.
2-حرية الحصول على المعلومة من مصادر مختلفة.
3-احترام الرأي الآخر وحرية النقاش.
4-القبول الاجتماعي لهذا النشاط واحترامه.
5-وجود مؤسسات متخصصة تهتم بهذا النشاط.
6-توفر الإمكانيات المالية،والمادية للعمل العلمي.
7-المردود المالي الجيد للمهنة العلمية.
           وقد قدم الدكتور محمد عز الدين الصندوق  مجموعة من الأفكار عن الحرية،ومن بين أبرز النقاط التي لفتت انتباهه في دراسته:
1-إن الحرية الفكرية تعد عاملاً أساسياً في بناء النهضة العلمية لأي مجتمع.
2-في الحضارة العربية-الإسلامية،يتبين أن النهضة العلمية سبقت القيود الفكرية الإسلامية،قيود فرضها الفكر الديني،وليس التعاليم الدينية،وهذه القيود أخذت دورها الاجتماعي في الكبح الفكري،وفي هذه الحضارة الحرية العلمية سبقت محاكم التفتيش بالظهور.
3-لقد ظهرت مرحلة النكوص العلمي الأولى في حدود عام:850م تقريباً(عهد المتوكل العباسي)،وتجلت المرحلة الثانية في القرن الحادي عشر.
4-إن الحضارة العربية سبقت الحضارة الغربية بسبعة قرون تقريباً،ولكنها تراجعت بعد150سنة،تقريباً من بدايتها،ليبدأ هبوطها بعد ثلاثة قرون من ولادتها.
5-نتيجة الارتباط السياسي تم تشجيع المجتمع(بصورة مباشرة أو غير مباشرة)على دعم السلطة السياسية بالدراسات الدينية والفقهية،وهذا ما قاد-كما يرى الباحث-إلى الابتعاد عن النشاط العلمي اجتماعياً.
6-في الحضارة الغربية ما وقع هو العكس،حيث سبقت القيود النهضة العلمية،ولكن بتحجيم القيود أخذ العلم مساره الطبيعي.
7-بداية الهبوط الحضاري العلمي كانت في حدود عام:1000م،وما زالت مستمرة بالمقارنة بالإنجازات العلمية للحضارة الغربية.
8-التطور الحضاري يكون شاملاً،وليس انتقائياً،فهو يشمل جميع جوانب الحياة إيجابية كانت،أو سلبية،لأن مسألة السلبية والإيجابية قضية نسبية،والنسبية شرط من شروط الحرية التي هي أساس البناء الحضاري،وهذا ما ظهر في العصر الذهبي للحضارة العربية،ونجده الآن في الغرب.
               تطرق الباحث معاذ الأشهبي؛وهو باحث يمني،إلى موضوع:«خطاب الديمقراطية العربية:تناقضاته وأساطيره»،بينما كرس الباحث محمد محفوظ؛وهو كاتب سعودي،ومدير عام مركز آفاق للدراسات والأبحاث،مقاله للتركيز على قضايا:«الإصلاح السياسي وقضايا المواطنة»،ومن أبرز النقاط التي أكد عليها أن العدالة في مجالات الحياة المختلفة،هي سبيل إنجاز مفهوم المواطنة في الواقع الاجتماعي،و ذلك لأن المواطنة لا تعني التجاوز المادي والجغرافي،وإنما هي بناء نفسي، وروحي،وثقافي يتجاوز كل عوامل التناحر،والتباغض،والشكوك المتبادلة،وهذا التطلع لا يتسنى له التحقق إلا بالعدالة السياسية،والثقافية،والاقتصادية،والاجتماعية،فلا يمكن أن تتحقق المواطنة دون عدالة،ومساواة.
                    كما أشار الباحث محمد محفوظ إلى أن الوحدة الوطنية في ظل الظروف،والتحديات الكبرى التي تواجه الواقع السياسي العربي هي واحدة من الضرورات التاريخية التي ينبغي أن نوليها الأهمية القصوى،ومن الخطإ التعامل مع هذا المفهوم بعيداً عن ضرورة الإصلاح،وإعادة صياغة هذه الوحدة بما ينسجم مع قيم العدالة،والحرية،والتسامح.فالوحدة الوطنية التي لا تحترم حقوق الإنسان،وخصوصيات التنوع الثقافي المتوفر في المجتمع، لا تستند على قاعدة صلبة ومتينة. 
           ويقرر الدكتور محمد محفوظ في ختام دراسته أن الاستقرار السياسي والمجتمعي في المجالين العربي،والإسلامي بحاجة إلى توفر العناصر التالية:
1-المواطنة التي تمارس دورها في الشأن العام بدون خوف،أو تردد.
2-مؤسسات المجتمع المدني،التي تأخذ على عاتقها استيعاب طاقات المجتمع،وتبلور كفاءاته،وقدراته،وتساهم في معالجة المشكلات التي يمر بها المجتمع.
3-الدولة المدنية التي تجسد إرادة المواطنين جميعاً،ولا تميز بينهم.

ليست هناك تعليقات: