2010/09/29

ليالى الحسين قصة إبراهيم حمزة الفائزة بجائزة قصص على الهواء

ليالى الحسين
القصة الفائزة بمسابقة قصص على الهواء بمجلة العربي
ابراهيم محمد حمزة
(1) فجر

على مقعد حجرى مجاور لحديقة الحسين ، وفى حماية أشجار كثيفة ، جلست المرأة ذات الرداء الأسود الفقير ، على طرف الطاولة الحجرية ، مفسحة مكانا لينام رجل فى بقية الطاولة ، الرجل – أظنه زوجها ، نام واضعا رأسه على فخذها ، لم يلفت المشهد نظر أحد سواى ، كانت أصابع المرأة تعبث بشعره ، يدها الأخرى تتحرك على صدره مهدهدة انفاسه فى حنو بالغ ، كانت كأنها غائبة عن المشهد ، كأنها تداعب طلفها لينام ، الرجل رفع يده يتحسس يدها ويفركها ، ثم لف ذراعه على رأسه سامحا لكوعه أن يلامس صدرها ، لم أتيقن هل يتحدث إليها همسا أم لا أنا أرى غبشا ، فالفجر يستعد للمجىء ، والنيون يجاهد ليصل تحت الشجيرات ، ميكروفونات الحسين تبدأ فى اليقظة ، لماذا ترك الرجل وزوجته بيتهما ليناما فى الشارع هكذا ؟ أفزعتهما صرخة أمين شرطة السياحة يطلب منها كوبا من الشاى ، قامت بصعوبة لإعداده ، كانت تتعثر والرجل – زوجها – قام مفزوعا متشنجا مكتوم الغضب ، الفجر هذ ا ألن يؤذن ؟

(2) أرغفة

انطلق الولد – المُدَرَّب - يعدو تجاهها ، حتى صار قربها ، فلوى لسانه ليشبه لهجتها ، عرض عليها أن تشترى طاولة الخبز ، تدفع ثمنها ويوزعها على فقراء الحسين ، سألته : وينهم ؟ أشار : جنب الجامع
من خلف نظارتها ونقابها تأملته ، لم يتعد سبع سنوات ، أطاعته ، وسارت معه ، لسانه لم يسكت لحظة يحكى لها عن كرم السيدات الأخريات اللواتى يعطونه كذا وكذا ويشترين كذا وكذا ، أمسك بعدة أرغفة وزعها على الجالسين ، تناولوها باعتياد صامت ، ألقوها بجوارهم وأكملوا النوم ، أعطته خمسة جنيهات ، غضب طالبا عشرة كاملة ، مقسما أنه لا يكسب فيها سوى نصف جنيه ، ظلت المفاوضات قائمة ، أصرت المرأة ، وتقاطر الدمع سريعا ، لكن شرطة السياحة كانت أسرع .

(3) غناء

امتصت بعنف خرطوم الشيشة ، ضيقت عينيها ، فتحت شفتيها كحمار بعد علفه ، دفعت بالدخان كخرطوم عصبى ، مالت برأسها قليلا للأمام ، فتقارب النهدان ، والتصق اللحم طالا من بلوزتها السوداء ، اقترب ماسكا عوده ، جرى على أوتاره بسرعة ، ضبطها للمرة الألف ربما ، ثم انهمرت الموسيقا ، انصتت لدفء الصوت
( لكنه راغب فيمن يعذبه ، وليس يرضى به لوما ولا عذلا )
أخذت نفسا عميقا من الشيشة ، أخرجته وعادت برأسها للوراء ، وضعت ساقا على ساق ، بنطال الجينز الأزرق يضم – بصعوبة – فخذيها ، قامت ، ارتدت العباءة ، طرحت النقاب من خلفها إلى الأمام ، ترك زوجها الحساب ، وغادرا المقهى .. راغب فيمن يعذبه ..


(4) شغل

"قحبة بنت ..... لماذا ذهبت معه ؟ ألم أقل لك ، هؤلاء لا ؟
بثبات ردت عليها أنها لا تختار الزبون ، هو شغلنا ونحن لن نصنع زبونا على المقاس ، كلهم – حين يخلعون الجلباب ، شقوق أرجلهم كأنها كهوف ، كلهم طلباتهم لا تنتهى ، يلقى لى بالعشرين دولارا وكأنها ثروة أنزلها علىّ ، الرحمة ضاعت ، والله أبيع بخور أحسن .
جلست بجوار أمها – ربما أختها الكبرى لا أدرى – كانت قد سلمتها طفلها ، ووضعت المرأة الكبيرة أمام ابنتها طبقين فى أحدهما أرز عليه خضار قليل وقطعة لحم واحدة ، وطبق صغير به شوربة ومعهما ملعقة بلاستيكية ، كانت تمسك الولد بيد ، وتأكل باليد الأخرى ، أهو طفلها ؟ هى لم تتعد الرابعة عشرة ، كانت تطعمه بالملعقة
فيستجيب ، أيتفهم الطفل الظروف ؟ ، لا يبكى ، رائحة البخور تهجم على المكان ، حى .. مدااااد ، الله أكبر ، الله أكبر ، الصلاة خير من الـــ ................
__________________
إبراهيم محمد حمزة
مصر

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

أخى الحبيب الأستاذ أحمد
إنه الحب : هذهالطاقة النورانية الربانية الطاغية التى تضىء الدنيا
أغبطك على محبتك للناس جميعا
وأفرح كلما تذكرت أنى صديق لمبدع وإنسان غال علينا جميعا بقيمة أحمد طوسون
كل المحبة
إبراهيم حمزة

غير معرف يقول...

مبروك للناقد ابراهيم حمزة و قصص تعزف على وتر الحس و واقعية مغلفة بوجع الرؤية و سلاسة في السرد تخترق العقل و و الوجدان
و ألف شكراً للمبدع الأستاذ أحمد طوسون على لفتته الكريمة هذه

غير معرف يقول...

مبروك للناقد ابراهيم حمزة و قصص تعزف على وتر الحس و واقعية مغلفة بوجع الرؤية و سلاسة في السرد تخترق العقل و و الوجدان
و ألف شكراً للمبدع الأستاذ أحمد طوسون على لفتته الكريمة هذه

الشاعرة فاتن شوقى

أحمد طوسون يقول...

المبدع والناقد الجميل الصديق / إبراهيم حمزة والمبدعة الشاعرة/ فاتن شوقي
إبراهيم حمزة بخلاف إبداعه ناشط ثقافي لا يبخل على أحد بنبله وأخلاقه، ودائما هو سباق بتقديم الآخرين والتنويه عن أعمالهم وإنجازاتهم ولا يتمتع ككثيرين بنرجسية تجعلهم لا يرون إلا أنفسهم طيلة الوقت
زهرة محبة لأسرتكما الجميلة