2010/09/08

رمضان وعبادة العمل!

رمضان وعبادة العمل!


أحمد طوسون


حين تتحدث عن العمل في شهر رمضان ينصرف الذهن إلى العمل الخيري من الحرص على الطاعات والسنن والنوافل إلى موائد رمضان والصدقات ومساعدة المحتاجين والمساكين حيث لا مجال للسؤال عن أعمالنا الدنيوية التي تقوم عليها فكرة عمران الأرض.
فبمجرد أن يرتفع الآذان في المساجد لصلاة الفجر يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب والعمل بحجة أن الشهر الفضيل شهر عبادة!.. رغم أن العبادات فرض على المسلمين طيلة العام ولا تقتصر على الشهر الفضيل وإن استحب الاجتهاد في العبادة عملا بسنة الحبيب المصطفى (ص) فقد روي عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتاكم شهر رمضان شهر بركة فيه خير يغشيكم الله فيُنزل الرحمةَ ويَحُطُّ فيه الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم ويباهى بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشَّقِىّ من حُرم فيه رحمة الله عز وجل" (1)
لكن هل يعني الاجتهاد في الطاعة أن نهجر العمل ؟
فالحياة تكاد تكون متوقفة في نهار رمضان ، وحتى من يضطرون إلى الذهاب إلى الدوام يكتفي كل واحد منهم بالاحتفاظ بكتاب الله بين يديه وقراءة القرآن ويطيح بأوراق ومصالح الناس بعيدا والحجة دائما أننا صائمون وكأن الصيام عن العمل وليس عن الطعام والشراب والمعاصي التي أثقلت كواهلنا!
رغم أن العمل يحظى في الإسلام بمنزلة خاصة واحترام عظيم ، ويكفي في إظهار قيمة العمل قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها ، فليفعل)(2)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً؛ فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة)(3)
فالعمل درب من العبادة إن لم يكن أعظمها لأن به يقوم العمران وتقضى حوائج الناس ومصالحهم ، ومن العجيب أن يتشدق البعض عن الصداع والخمول والكسل و العصبية أثناء الصيام وكلها أشياء لا علاقة لها بالشهر الفضيل وإنما هي سلبيات تنتج من عادات الإفراط في الطعام والتخمة والسهر أمام التلفزيونات.. فشهر رمضان شهد أكبر انتصارات الأمة الإسلامية عبر التاريخ بداية بغزوة بدر الكبرى السنة الثالثة هجرية، ومرورا بفتـح مكة المكرمة السنة الثامنة هجرية، ومعركة البويب عام 13 هـ بالعراق عندما انتصر المسلمون بقيادة المثنى بن حـارثة على الفرس، ثم فتـح الأندلـس سنة 92 هجرية على يد طارق بن زياد،و فتح عموريـة في شهر رمضان سنة 223 هجرية، و معركــة عين جالوت عام658 هجرية بقيادة قطز، و فتح مدينة إنطاكية عام 666 هجرية بقيادة الظاهر بيبرس، وانتهاءً بانتصار أكتوبر المجيد في العاشر من رمضان من العام 1393هـ حين انتصر الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي وأنهى أسطورة القوة التي لا تهزم.
رمضان شهر حافل بالانتصارات وتفريغ الشهر الفضيل من قيمة العمل يناقض فهمي للإسلام الذي أخذنا ظاهره وتركنا جوهره.. إن جوهر هذا الدين يتمثل في العمل على عمران الأرض وهو ما أخذ به الصحابة والتابعون فازدهرت دولة الإسلام، أما الآن فوقفنا عند القشور وشغلتنا أمور من عينة إطالة الثوب أم تقصيره فتخلفنا عن الركب وسبقتنا أمم أخذت جوهر الإسلام من الإخلاص في العمل وإتقانه بينما نحن طوال العام صائمون عن العمل مفرطون في شهوات النفس ورغباتها فهل يعيدنا الشهر الكريم إلى إسلامنا الصحيح ونراعي ربنا في كل وقت؟!

نشرة المسار-دائرة العلاقات العامة والإعلام - جامعة السلطان قابوس

مراجع:
(1) أخرجه :الطبرانى كما فى الترغيب والترهيب (2/60) ، ومجمع الزوائد (3/142) وقالا : رواته ثقات ، إلا أن محمد بن أبى قيس لا يحضرنى فيه جرح ولا تعديل .
(2)رواه أحمد (12512) واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد (1/168)، قال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده صحيح على شرط مسلم، انظر مسند الإمام أحمد بن حنبل (20/296) المحقق: شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى (1421هـ-2001م).
(3) رواه البخاري (2152)



ليست هناك تعليقات: