2018/02/20

صورة سيلفى مع محمد مستجاب بقلم: محمد عبدالظاهر المطارقى

صورة سيلفى مع محمد مستجاب
محمد عبدالظاهر المطارقى

الكتابة للطفل فيها جسارة وتحدى.. فأنت حين تختار هذا العالم ، تعلم يقينا أن ثمة تحديات تنتصب أمامك كالكتل الخرسانية التى من الصعب اجتيازها.. ممثلة فى طوفان من أفلام الكارتون الذى يمتاز بجودته الفائقة، وطريقته الشيقة فى العرض.. فإن لم يكن الطفل ملتصقا بشاشة التليفزيون، فحتما ستجده منكبا على شاشة الموبايل ،يضغط على ازراره المضيئة لتنفتح له عوالم من السحر تجذبه وتستأثر بخياله.. واذا شعر بالملل فهو يلجأ الى جهاز الكمبيوتر ليغوص فى بحاره العميقة ويغرق فى سلاسل متصلة من الفيديوهات والمسلسلات والأفلام.. وغيرها من وسائل التسلية والترفيه. ومن ثم فإن الكتابة للطفل فى خضم هذا البحر المتلاطم إن لم تكن بوسعها أن تجذبه بقوة فلن يستجيب ، بل ولن يلتفت إليها من الأساس.والقوة هنا هى قوة الكلمة الملاصقة لقوة الصورة.. والقوة هنا تعنى قوة الجذب بما تحمله الكلمة من رشاقة وبساطة لتفتح له آفاقا من الروعة والخيال تعانقها صورة مبهجة تحدث حالة من الدهشة تظل ملاصقة له طوال رحلة القراءة.. وفى قصة "صورة سيلفى" للأديب المبدع والمتميز محمد محمد مستجاب،الصادر عن المركز القومى للطفل، نجد أنه لجأ إلى طريقة هى أقرب الى عقل ووجدان الطفل.. وهى طريقة الكوميكس" أو أسلوب السيناريو الذى يعتمد على مشهدية الصورة.. فكل فقرة فى القصة هى عبارة عن لوحة فنية مع بعض الكلمات القليلة المكملة ، أو المترجمة لما يدور فى نفوس الأبطال.. أو للتحاور فيما بينهم.. و هي قصة أقرب الي الفن المسرحي حيث تقع فى (6) مشاهد.. مرتكزة على التصعيد الدرامى.. فتبدأ القصة بأصدقاء البطل عصام والمتمثلة فى الدراجة وكرة القدم، والدبدوب.. وأيضا الكتاب .ثم يلجأ اليهم فيما بعد التليفون المحمول.. والكاتب لم يختر هذه الشخصيات مجازا.. وإنما هى شخصيات هامة جدا، وضرورية فى حياة عصام.. اذ لا يمكن له الاستغناء عن ركوب الدراجة، فبها يمارس رياضته المفضلة فى السباق، وعليها يذهب الى المدرسة، أو الى حمام السباحة.. فهى وسيلته المفضلة التى يتحرك بها ويمارس نشاطه اليومى. كذلك الكرة التى تحقق له المتعة، كما تجعله دائما يرتبط بأصدقائه الذين يشاركهم اللعب.. وبذلك يصل الى لياقة بدنية عالية، ويرتبط بفريق الأصدقاء.. أما الكتاب فهو يتسم بالعقل والحكمة، حيث يلجأ اليه عصام ليشبع نهمة من العلم والثقافة فضلا عن الحواديت والحكايات التى يمكن للكتاب أن يقدمها. وبمجرد أن يدخل الموبايل حياة عصام، حتى تنقلب حياته كلها.. فهو لم يعد يلتفت الى أصدقائه القدامى، وأصبح شغله الشاغل الإمساك بالموبايل ليمارس من خلاله كل ألوان التسلية.. حتى أن الموبايل نفسه لم يعد يطيق ذلك برغم حبه لصديقه عصام.. أبطال القصة جميعهم يتكبدهم الحزن والألم لانشغال عصام عنهم حتى كادوا فى لحظات غضب أن يفتكوا بالموبايل لأنه السبب فيما جرى لصديقهم، وعزوفه عنهم. لكن الكتاب بما يحمل من عقل وحكمة يتحدث اليهم ويقنعهم بالعدول عن مهاجمة المحمول ليفكروا فى طريقة تعيد الى صاحبهم رشده.. فى النهاية يتوصل الموبايل الى حيلة تمكنه من اعادة عصام مرة أخرى إلى حياته المعتادة ليهتم بدروسه، ويركب دراجته، ويلعب بالكرة، ويقرأ فى الكتاب.. وهى ربما تكون حيلة فيها نوع من المغامرة غير المحسوبة والتى كان من الممكن أن تكلف صاحبنا بطل القصة حياته.. غير أن الكاتب حاول أن يلجأ إلى تلك الحيلة ليلقن "عصاما" درس قاسيا يعيد اليه عقله، ويجعله يفيق مما هو فيه.. ثم يختم الكاتب قصته بصورة سيلفى تجمع شخصيات المسرحية بصديقهم عصام وهم فى حالة من السعادة والرضا لعودة صديقهم إليهم مرة أخرى. والقصة هنا تعالج مشكلة من أهم المشكلات التى تعانى منها الأسرة المصرية إن لم تكن الأسرة العربية بصفة عامة.. وهى تعلق الطفل بالموبايل الى حد الهوس والجنون، مما يترتب على ذلك مشاكل عديدة، كـ: تردى مستواه الدراسى واهماله واجباته المدرسية.. ومشاكل صحية كضعف البصر وآلام الرقبة ..فضلا عن عزوفه عن الكتاب وهو المصدر الأول للثقافة .. بجانب حالة الخمول والكسل الشديد الذى يؤدى الى الضعف والوهن بسبب عدم ممارسة الرياضة.. لقد استطاع الكاتب ببراعة شديدة أن يعالج كل هذه المشاكل بطريقة فنية وبلغة سهلة تصل الى عقل ووجدان الطفل.. كما أن اللوحات الفنية التى قام بها الفنان الرائع الدكتور ناصر حامد قد أضفت على الكتاب متعة وفتحت أمام الطفل القارىء آفاقا من الخيال بتجسيده لتلك الشخصيات المحببة فى صورة طفولية مرحة ومبهجة. نحن إذن أمام كتاب يجمع بين براعة الكلمة وروعة الصورة.. ليمكنه بسهولة أن ينتزع الطفل من بين براثن الميديا بقدرتها الفائقة ليقع فى أسر كتاب مدهش أستطاع بكل قوة أن يتحدى الوسائل الحديثة ويتغلب عليها.

ليست هناك تعليقات: