2008/05/20

مش أول مره يموت الواد ده


مش أول مره يموت الواد ده


شهادة: أحمد طوسون


برفق أفتح الباب ، أنا المتوجس من الدخول الصعب إلى عالمك المنقوش بالحزن والأحلام بنات الحور .
مش أول مره يموت الواد ده
ولا دي كات آخر صوره اتلقطت له
بينزف بنى آدمين
وبيطوح بين الحيا والموت (1 )
سيارة مسعورة تعوي بأذني وتحف بملابسي التي لا تحميني من الصقيع ، أسمعك تردد :
من يومها وعلى نفس الأسفلت ليلاتي
بيرجع واحد
لابس جلابيه مخرمها الهوا دايرن داير
وحرامه الصوف ساتر راسه
شايل هم متلتل فوق أكتافه
وشايل عيش أولاده وماشي بيحلم بغموسهم
وارغفة العيش في إِيده
بترسم علامات استفهام
بتنقط
د
م (2)
هاجس ما أدار رقبتي ودفع بنظراتي إلى ناحيتك .
أتطلعك تفرد ضحكتك بمسافة العمر وتشير لي : ( تعال يا طوسون .. أُمَال فين قرني وعبد الباقي والزيني ) .
تصيبني رعدة .
أتراجع للخلف خطوات وأمسح عن ذاكرتي مشهد مهدي ومصطفى عبدالباقي وهما يقصان على أذاننا المخضبة بالدم تفاصيل الحادث .
أتفادى التعثر بوجه عبد العزيز بين الصفوف .
ارتمي كطفل صغير في حضن محمود عبدالمعطي وفي حضن الأصدقاء بحثا عن تضميد الجراح أو علنا نشتم نسيمك حاضرا فيخفف من الهم الذي لا تحتمله الصدور .
صورة البيت القديم ونحن نصعد سلمه الضيق ملتحفين بالمرارة لنطمئن على محسن رياض ونعود إلى المقهى الملاصق للسرادق الكبير نقايض الألم بالألم مع أصحابك والأصدقاء الذين جاؤوا من كل مكان بمصر وأقاليمها يبحثون عنك في ملامحنا التي استباحها الوجع .
أو أستعيدك بركن حميم بالماضي القريب يلتف حولك الأصدقاء من كل مكان في لحظات مداهمتك لهم بجعبتك الملأى بالحب والفرح والأحلام ، تغدق عليهم فينصتون لتقليدك للآخرين في نظم شعرهم فتفجر الضحكات والقفشات .
أو تختلي بنفسك بعيدا حتى لا يضبطك أحد متلبسا بالحزن الدفين داخلك ..
( أنا وحدي
باسافر ف العيون وارجع بصوت دايخ
وباكتب بس عن ضحكه .. بلون الورد منداسه
وعن بدر اتمسخ ف عيوني من مُدّه
وعن شمس ف طريق الليل بتنزف دمها البكري
وعن أراجوز بيترقص ف كل ميدان
وعن ضابط بدبورتين بيبدر قهره ع المخاليق
بتسرقني الليالي أتوه واسلم قلبي للضلمه فينبض آه
وبيزرني شيطاني ساعات ..
ويسمع مني ما يلاقينيش ) (3)
وحين ألاحقك ، تنفض بقايا الأسى وتتعلق بساعدي لتُسمعني آخر نكتة ، ثم نثرثر عن الثقافة والشعر والأحلام العريضة التي دائما ما تسبقنا بخطوات .
( _ ....... مالك ؟
_ أصل يا عبد المعطي ..
_ مش عاجبك المكان هنا .. تيجي نقعد ع القللي ) .
ضاعفت تطويقك بذراعيّ
لكن يا عبد المعطي مكانك الحقيقي في القصر .
تتصدر الطاولة المتآكلة عند حوافها تستقبل المحمومين بحمى الكتابة ، تشدهم إلى مكان خال بالطاولة التي تتسع دائما للمزيد ، تسكب الماء البارد على الكلمات القاسية كجمرة وعند الباب تنتظرهم بالأحضان الدافئة وتربت على ظهورهم وتلح عليهم ليعودوا كل ثلاثاء .
( هل نسيت يا عبد المعطي ، من أسبوع فقط كنت تحدثني عن السيناريو الذي تعمل به بفرح .
- سيبدأ التصوير قريبا .
- فرصة أمسك فيها بسنانك
- جت متأخرة حبتين
- المهم إنها جت )
تجرنا الخطوات إلى شوارع قديمة غطتها سحابات رمادية وغبار .
لكن يا عبد المعطي مكانك الحقيقي بين الأدباء .
تتصدر الطاولة المتآكلة عند حوافها وتضحك ضحكتك المعروفة بحب فيرتج القصر القديم الأيل للسقوط .
أنت وأشرف أبو جليل مكسب للحركة وحرام أن نخسر أحدكما .
تتفصد ملامحك غضبا وتقول أن المكان لا يتسع لكليكما بعد أن وصل الأمر إلى إهانة الأدباء بأشياء جارحة لا يمكن التغاضي عنها .
أحمد قرني يحاول أن يمتص غضبك ويذكرك بأن أشرف لا يجد مشكلة في التعامل معك ، المشكلة كما يقول في الأدعياء الذين لا علاقة لهم بالأدب .
الملتفون حول طاولتك بالشبان المسلمين ينكسون عيونهم بأكواب الليمون .
تنفث دخان اشتعالك وتقول إن أصغر عضو على طاولة النادي عندي أهم من أكبر أديب لا يحترم الأدباء .
ثم تنصاع لرغبة قرني بعقد جلسة مصالحة ببيت الثقافة بسنورس .
كانت ليلة طويلة يا عبد المعطي أريقت فيها وجوه وسقطت أقنعة وأطلت أفاعي صغيرة من جحورها ونفثت في الجرح سموما حتى لا يلتئم .
واتفقنا على أن نعمل جميعا على نجاح مؤتمر الفيوم الأدبي الأول وبعدها نجري انتخابات يحضرها كل الأدباء بالفيوم على بقاء أحدكما .
بالحب اختارك الأدباء ودس أشرف المرارة بحقائبه ورحل إلى القاهرة .
( - لسه فاكر ؟!
- ياااااه يا طوسون
أيام جرت بسرعة !!!
- أُمال نعمل إيه غير إننا ننبش الأيام ونصفيها
- سيب الأيام في حالها وتعال نسمع شعر
- قول يا عبد المعطي
....................................
( الليلة هارسم في القصيدة فراش
وارسم شجر ما عرفش معنى الخريف
وبيوت من الفضة وريحة النعناع
هادخل برجلي اليمين وأسمّي ع الآخر
أكتب حدود البنت في الحجلة ومرجحة الضفاير
وتسبيلة الشباك
وحلم رومانسي مُش ممسوخ
وحبل غسيل بيرقص فوق سطوح الجارة وينقط ..
عرق خالص
وجميزة في حُضن اتنين بتطرح للهوا الفوضى ...
ما يتاخروش
هارجّع صوت فؤاد حداد
غُنا فياض
واقول الله
أنا ابن الندى الأزلي
وابن الطمي والموال
ترابي شكل المعنى .. لآخر ضحكه مصريه
وعدَّى الشكل والمضمون
الليله
أحضاني براح مبسوط
وأحزاني تُراب واقع من الحواديت
أنا البسيط البسيط
دَوّبت في عيوني غموض الليل وبعترته
هَوى فتافيت .) (4 )
مؤتمر فندوة فأمسية .
ثم مؤتمر ومؤتمر ومؤتمر ..
ولقاءات لا تنتهي بساحة القللي .
نعيد تقييم الأيام التي مرت ونضعها في ميزان الحساب ، نختلف ونفترق إلى طريقين في صراع طويل حول آلية العمل الثقافي يشخصنه البعض باستخدام اتهامات أكبر من أن تحتملها قاعاتنا الدافئة دوما بالحب .
نتراشق بالكلمات الموجعة بصفحات الجرائد ويضبطنا المنتفعون أخر الليل بمقهى الحواتم نحتسي الشاي ونتبادل العتاب .
يصرخ أحدهم في وجهك :
- أنت بتقعد معاهم يا عبد المعطي .
تكتم غيظك ، تنفث دخانا مشتعلا بالقرف وتهمس بحنق :
- ابن ال................
هيحجر عليَّ .. أديتولهم الفرصة يستفردوا بيا ويفرضوا شروطهم عليَّ
حرام نخسر الحركة النشطة بعد ما صوتنا أتسمع في كل مكان .
نلقي معاهدات الصلح على الطاولة حتى لا نفقد الأصدقاء ونترك العمل الثقافي لمن يريد أن يستأثر به .
تغضب ، تقول إننا كنا دوما معا ، يهزك قرني ويقول إن الأهم علاقتنا الشخصية وسنكتفي بنشاطنا ببيت الثقافة بسنورس والأيام وحدها ستثبت لك الحقيقة .
لم تمر أشهر على تصالحنا وانقلب حلفاء الأمس القريب عليك .
مكانك بالطاولة أصبح مزعجا لهم ، همك الإبداع وهمهم ليس مكانه طاولة القصر ..
خلطوا ما بين السياسي والثقافي ، ولم يجدوا غير الاتهامات المجانية يلوكونها بألسنهم .
من منهم يا عبد المعطي استطاع أن يكتب ( الكلب المعجباني )(5 ) ؟!
في حلقك تنمو المرارة شجيراتٍ للأسى .. تطلب أن نتدخل حتى لا يتطور الصراع ونفقد النشاط بالقصر الذي سيتحول لساحة للقتال .
على أريكة خشبية بمدخل بيت العائلة نجلس .. يمر العابرون ويلقون بالتحايا .
- هي الفيوم كلها تعرفك يا عبد المعطي
- ما بقاش شاعر عاميه .. أنا واحد من الناس الطيبين دول .
في الموعد تجدنا كالعادة ، نضع آليات تحكم العمل بالقصر ..
بعد أن تطمئن على ديمومة العمل تقرر الانسحاب إلى القللي وتقدم رفيق الدرب محمد حسني ليصبح رئيسا للنادي وتكتفي بمكانك كشاعر يعرف الكبير والصغير قيمته على طاولة القصر .
- رايح فين ياعبد المعطي ؟
-( بادرني صوتك بالغياب
وأنا كنت لسه بابتدي أول حضوري ... فانطفيت
أمنت إن الشمس أسطورة
وإن الملايكة صوره ف البرواز
وإني ف عرض البحر متحاصر
وانا كنت شايل قلبي بكفوفي وفارد ضحكتي أمواج
وعرفت صوتك
لما صوت الناس فاجأني بالوجع ...
ماقدرتش أتأخر
بس افتكرت
ليه القصيدة شكلتنا ملمحين
نفس الشوارع لسه فاكره لنا الجنون والخوف
وهربت منّي .. سافر الايقاع
" العشق تعويذه
النيل عطش
شعر البنت تكعيبه ع الكتاف بتلم تعابين
الشوارع _ المسأله هزليه واحنا بنخاف
م الحكومه ونستخبى ف الهدوم _ ..
نشرة الأخبار ...
بتنقط فراولة بس احنا مش عارفين
البرد كاسي وش ست الحسن والنشره الجويه
مش كدابه "
الكوره دايره تنقسم نُصين
والشمس آخر صفحة ف الجرنال
نفس الشوارع لسه فاكرانا ...
بس بتقفّل بيبانها وتنتحر
بادرني صوتك بالغياب
ماقدرتش اخرج م القصيدة و
أ
م
و
ت (6 )

ـــــــــــــــ
1- مقطع من قصيدة ضحكته مفروده ع الآخر ص 117 _ ديوان ( صندوق روبابيكيا ) لمحمد عبد المعطي ، أصوات أدبية – هيئة قصور الثقافة طبعة أولى عام 2007
2- مقطع من قصيدة علامات استفهام ص 30 _ المصدر السابق
3- مقطع من قصيدة ما اعرفشي افتكرتك ليه ص 28_ ديوان ( بنت ما ولدتهاش ولاده ) لمحمد عبد المعطي ، سلسلة هدير – النشر الإقليمي طبعة أولى عام 2000
4- قصيدة ( الليله ) ص39 – المصدر السابق
5- ( الكلب المعجباني ) أغنية من تأليف الشاعر محمد عبدالمعطيي ، تلحين وغناء الفنان عهدي شاكر
6- قصيدة ( نفس الشوارع ) ص 35 – المصدر
السابق

ليست هناك تعليقات: