2008/06/22

عن الواحات البحرية :البشر والصخر وثقافة الصحراء !




هذا المقال كُتب في 18/5/2007 وأردت أن أعيد نشره هنا، صحيح أن أشياء كثيرة تغيرت منها أن الواحات أصبحت تابعة أداريا لمحافظة 6 أكتوبر.. لكن لم يتغير البشر أو الصخر أو ثقافتهم

عن الواحات البحرية :
البشر والصخر وثقافة الصحراء !


أحمد طوسون


مدفوعا بحمية الاكتشاف انطلق قطار مؤتمر القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي في المدة من 15/5 إلى 17/5 إلى الواحات البحرية التي اختارها مكانا لفعالياته عن ثقافة الصحراء .
طوال الطريق الذي قطعناه في خمس ساعات من الهيئة إلى الواحات لزمت الصحراء الصمت ولم تشأ أن تكشف لنا عن خبايا خبيئتها أو تروي عطش السؤال المتحفز بعيوننا وظلت سرا غامضا بوجهها القاسي وجبالها الصخرية التي تنوعت بين الأبيض والأسود ، لكنها منحت لبصرنا حرية التجول في الفراغ اللامتناهي حتى انهكنا السفر والتعب ، وتشققت حلوقنا عطشا لرؤية البشارة التي لاحت لنا أخيرا في الخضار اليافع هناك خلف التبة الرملية .
اخترق الأتوبيس سكون الواحة ولامس سعفات نخيلها وألقى بنا أمام فوهة الفندق الراقد في حضن الجبل ، ثم ذهب بآخرين إلى فندق آخر أكثر قربا من البيوت الفقيرة والنخيل والبشر.
داهمتنا رهبة من قسوة المكان وخشونته وتمنى كثيرون أن لو كان باستطاعتهم العودة إلى قراهم الآمنة بحضن الوادي ، وقضينا ليلتنا ما بين مراسم الافتتاح الذي غاب عنه كبار المسؤلين ، ثم الجلسة البحثية الأولى عن خطاب الصحراء ، حيث قدم د.أيمن تعيلب بحثه عن بنية الصحراء وتجليات العقل الجمالي العربي ، وحمدي سليمان عرض بحثه عن الثابت والمتغير في ثقافة الصحراء وما بين غرف الفنادق التي سكنتها الشائعات عن الطريشة وأنواع الحيات والعقارب التي تحوم حول المكان حتى غلبنا التعب واستسلمنا للنوم .
طبع الصباح قبلة ترحيب فوق جباهنا واستقبلتنا إجلال هاشم رئيس الإقليم بسعادة طاغية لنجاحها في تنظيم أول مؤتمر أدبي بالواحات ، وانتشرنا ما بين الندوات ( التي تتحدث عن التنمية الأقتصادية والثقافية والسياحية في الواحات والتي قدم أبحاثها عبد الوهاب حنفي ود.علية حسين ود.أميمة الشال وجلسة أخرى عن بداوة المرأة في الرواية العربية د. مصطفى الضبع ، وصورة المرأة البدوية في السينما لمحمد عبد الفتاح .) وبين الشوارع الفقيرة والبيوت الواطئة التي استقبلتنا بإبتسامة وعتاب .
كنا نسأل عن بلحها وزيتونها وكانت تسأل عن قاهرتنا البعيدة وناسها الذين نسوها طويلا .. كنا نسمع للرمال صهيلا ولا نعرف إن كان تعبيرا عن فرحة لقدومنا أم عن غضب لتأخرنا كثيرا .
ببساطة يمكن لأي زائر أن يكتشف الطيبة والسماحة التي يتمتع بها أهل الواحة رغم قسوة الصحراء وقسوتنا .. الصحراء قاسية على من لا يعرفها ولا يحبها ، هكذا يرددون ، لكنهم لا يخفون غضبهم في سؤالهم المتكرر الساخر عن جنسياتنا ، وكأنهم يستنكرون انصرافنا عنهم كل هذه السنين بينما يأتيها السائحون من كل مكان .
جمال آخر كشفته لنا الواحات بتشكيلاتها الصخرية والرملية الفريدة والتي يعجز الخيال عن تصورها في الرحلة السياحية التي نظمها لنا رئيس الوحدة المحلية للمناطق السياحية والتي بالتأكيد تحتاج إلى زيارة وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للأثار ليقررا بنفسيهما إن كان منظر المتاحف لائقا بسمعة مصر السياحية وبمكانة الواحات التي يأتيها السائحون للسياحة العلاجية وسياحة السفاري وسياحة الأثار ؟!
في المساء أمسية عن طرائق الحكي عند أبناء البادية لحمد شعيب ، والمرأة البدوية في الشعر د.صلاح فاروق .
الليل كان بانتظارنا بصحبة فرقة الواحات للفنون الشعبية التي أصرت أن تقدم فقراتها رغم اصرار صاحب الفندق على سحب مكبرات الصوت حرصا على عدم ازعاج وفد من الأجانب حضر لتوه إلى الفندق ، ثم بقسوة الصخر أنهى العرض وسط استهجاننا وانطفاء الأمل في العيون التي اشتاقت طويلا إلى التواصل مع أهل العاصمة وكاميراتهم التي هجرتهم طويلا .
عدنا إلى غرفنا تتحشرج في صدورنا آهه .
في الصباح فاجئنا الدكتور فتحي سعد محافظ الجيزة بإصراره على الحضور واللقاء بنا بعد أن حال اجتماع مجلس المحافظين بينه وبين حضوره الافتتاح .
تحدث كواحد منا ، قال إن الواحة بها 2 مليون نخلة وتقوم بتصنيع البلح وتصديره ، لكنها تحتاج إلى المزيد من المصانع ، تكلم عن مناجم الحديد ، وعن المياه الجوفية التي تكفي وفق الدراسات المؤكدة لاستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة ، طرح أفكارا للإستثمار الزراعي مع حفظ حقوق أهل الواحة ، وتحدث المثقفون معه عن نسق عمراني حديث يحفظ للمكان خصوصيته ورغبة في الأهتمام بمتاحف الواحات وأقامة مركز تدريب للصناعات البيئية لاستغلال جريد النخيل وتصديرة والأهتمام بسياحة المتاحف ، وفي نهاية اللقاء وعد المحافظ أن يقام المؤتمر في أكتوبر كل عامين بالواحات ليرى المثقفون بأنفسهم التغيير الذي سيشهده المكان .
ودعتنا الواحة وأهلها الطيبون لكننا ما زلنا نشعر بالآهه ترج صدورنا فمن يستطيع أن يذكر الواحات بنا ويذكرنا بها بعد أن نسيناها طويلا؟! .

ليست هناك تعليقات: