2010/01/09

الكتابة للطفل وعنه

الكتابة للطفل وعنه
انتصار عبد المنعم

لا يدرك الكثيرون قيمة الكتابة الموجهة إلى الطفل، والتى تـُعتبر فى حد ذاتها معجزة كبرى. فالكاتب عليه أن يتلبس عقل الطفل ونفسيته فى المرحلة العمرية المستهدفة، وعليه كذلك أن يحدد الكيفية التى تعينه على تمرير ما يريد من خلال الكتابة بعيدا عن التلقين والحشو وهذا خطأ وهذا صواب. كانت السيدة سوزان مبارك أول من ألقى الضوء على أهمية الكتابة للطفل، وعلى أهمية الاهتمام بعقله وتثقيفه، تماما مثلما نهتم ببدنه وتحصينه ضد الأمراض. وجاءت مسابقة سوزان مبارك السنوية لأدب الطفل لنكتشف من خلالها أن هناك من يجيدون الكتابة للطفل فى مختلف محافظات مصر. ثم تسابقت حتى دور النشر الخاصة لكى تنوع اصداراتها لتشمل كتب الأطفال الزاهية الألوان والجيدة الطباعة أملا فى الحصول على الجائزة هى الأخرى، لأن هذا الفوز صار بمثابة إعلان للشرعية والمصداقية للكاتب والرسام و دار النشر على حد سواء. وكان من المفترض بعدها أن تتكاتف جهود الأفراد والمؤسسات الأهلية والجمعيات المدنية فى نفس المجال من أجل الطفل. ففى كل دول العالم تتجاور الجهود الحكومية مع جهود المؤسسات المدنية، ولكننا للأسف نفتقر إلى ثقافة المشاركة، نتوقع دوما أن الدولة عليها أن تجر وحدها القاطرة فى كل الاتجاهات، نعتمد اعتمادا كليا على أن الحكومة ستفعل كل شئ. وعندما يحدث تقصير فى مجال من المجالات ترتفع الأصوات تنادى وتنتقد وتطالب بالحقوق الضائعة. ولذلك من البديهى أن تأتى المحصلة النهائية منقوصة لا ترضى كل الأطراف لأن عنصر أو مفهوم المشاركة المجتمعية ضائع من ثقافتنا. وفى محاولة لزرع فكرة المشاركة المجتمعية كجزء من مفهوم المواطنة والانتماء جاءت فكرة عقد ورشة لكتاب الطفل ليبحثوا فيها عن الكيفية التى من خلالها يكون لهم دور فى زرع فكرة الانتماء والمواطنة لدى الطفل، وأنه لكى تطالب بحقوقك لابد أن تعرف أن لك واجبات عليك القيام بها أولا، وكل هذا من مبادئ الليبرالية. وهذه الفكرة لابد أن يتم غرسها منذ الصغر فى المنزل، والمدرسة، وأن تتكاتف كل الجهود، ومعها الأقلام التى تكتب للطفل وليس عن الطفل من أجل تقديم كل القيم بسهولة ونعومة بعيدا عن الوعظ الذى يصيب الطفل بالسأم. فمن المعروف أن هناك قيما أساسية تتشارك فيها كل الأديان مثل الصدق والحق والجمال وغيرها، وكان السؤال هو كيف ننزل بهذه المسميات الضخمة إلى مستوى الطفل وكيف يكتسبونها عن اقتناع وحب؟ أدرك الجميع أهمية التحاور من أجل الطفل الذى يجب أن نترك له فرصة التفكير والاختيار والابداع وكل هذا ممارسة فعلية لمفهوم الليبرالية التى يسئ البعض فهمه حتى من الكبار لا من الصغار فقط. وكان من الجميل فعلا أن تأتى مبادرة من خارج العاصمة لفتح باب النقاش فى أدب الطفل وكيف أنه وسيلة لتدريب الطفل من خلال كل أشكال الكتابة على أن يمارس حرية الفكر والاختيار، وأن يتعرف على القيم الأساسية، وأن يشعر أن من أول خطوات الليبرالية أن يشعر بواجباته والتى تصاحبها مجموعة من الحقوق عليه أن يعرفها أيضا. ففى نادى أدب بيت ثقافة سنورس التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة وبالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان، أقيمت وعلى مدار ثلاثة أيام ورشة عمل، اجتمع فيها مجموعة من كتاب الطفل الذين سبق لهم الفوز بجائزة سوزان مبارك، وبالعديد من الجوائز العربية مثل عبده الزراع مدير تحرير مجلة قطر الندى، والدكتور محمد سيد عبد التواب، وأحمد طوسون، أحمد قرنى، أحمد الأبلج، سمر ابراهيم، هدى توفيق، محمد عاشور، عماد عبد الحكيم، خالد سعيد، ناصر محلاوى وبمشاركة الفنان عهدى شاكر. ولكن البديع فى الأمر أن تنخرط مجموعة من الأطفال فى فعاليات الورشة بالتعبير عن آرائهم، وعرض مواهبهم، وفى وضع أفكار بديلة لنهايات نصوص مكتوبة كوسيلة لحثهم على أن تكون لديهم حرية التعبير دون خجل أو خوف، وبتلقائية، وألا يخشوا التجربة، أو المغايرة لرأى المجموع. كان الهدف هو أن يتعلم الطفل أن يتقبل الشىء عن حب واقتناع وهذا من أول الحقوق التى يجب أن يتمتع بها، مع مراعاة حقوق من حوله فى إبداء رأى مخالف لرأيه كما يطالب هو بأن يكون له الحق نفسه. لم تخش أسماء عبد الوهاب من مدرسة دكتور لطفى سليمان أو مى عماد الدين من مدرسة القديس ميخائيل، من أن يعبرا عن رأيهما فى أن تكون لديهما حرية اختيار الملابس، واختيار المواد الدراسية، وأن تكون لهما نفس الحقوق دون تمييز مع الذكور فى نفس مراحلهم العمرية. تماست الورشة مع اشكالية الليبرالية وحقوق الطفل وكيف انعكست فى الكتابات الموجهة للطفل، وهل هناك تمييز سواء فى الجنس أو الدين أو اللون فى انتقاء شخصيات وأحداث السرد الأدبى. وجاءت أعمال كبار كتاب الطفل مثل كامل كيلانى ويعقوب الشارونى وعبد التواب يوسف وفاطمة المعدول ضمن السياق البحثى للورشة كدليل صادق واقعى على أهمية دور أدب الأطفال فى غرس كل القيم، وأن دور كاتب الطفل لا يقل أهمية عن دور الأم والأب فى البيت، والمعلم فى المدرسة، ورجل الدين فى المسجد والكنيسة. وفى نهاية الورشة اتفق الجميع على أن حل الكثير من مشكلاتنا تكمن فى زرع فكرة المواطنة والانتماء فى عقل الطفل من أجل الحفاظ على هويته المستقلة، والتى قد تضيع عندما يجد أمامه هذا العالم المفتوح من خلال التليفزيون والنت ويجد أن كل الخيارات متاحه أمامه فى العالم الافتراضى، ثم يفاجأ أن هناك فرصا قليلة جدا للتعبير عن رأيه سواء فى البيت أوالمدرسة
مجلة أكتوبر العدد1733

هناك تعليق واحد:

رنا يقول...

لا يوجد مبرر للخوف من مدرسة الدكتور لطفى سليمان أصلا لدى أهالى سنورس