2010/06/28

مذاق الدهشة.. التفاصيل الدقيقة جدا لعالم النساء حينما يخلع المرء نظارته!


مذاق الدهشة.. التفاصيل الدقيقة جدا لعالم النساء حينما يخلع المرء نظارته!

سعاد أبو غازي


«أستطيع أن أري ملامح الطريق حتي لو غابت عني تفاصيله حين أخلع نظارتي» هذه العبارة البسيطة لباولو كويلو والتي حلت محل الإهداء بداخل المجموعة القصصية «مذاق الدهشة» للكاتبة هدي توفيق، هي توصيف بديع للمجموعة التي تضم العديد من القصص التي تلتقط مجموعة من التفاصيل الدقيقة جدا لتصنع منها «عالم ساحر» لشخصيات نسائية تجيد الحديث إلي النفس بعبارات غاية في الشاعرية.
أول ما يتبادر إلي الذهن بعد دقائق من القراءة أن الكاتبة اختارت أن تكتب عن عالمها كامرأة ناضجة أو ربما حياة القريبات منها فأغلب قصص المجموعة تقريبا هي تصوير مختصر جدا لمشاعر نسائية لسيدات ناضجات فمثلا في قصة «يوميات عن الهلوسة» وهي بالمناسبة أول قصص المجموعة ستجدها تتحدث عن مشاعر امرأة تتألم لبكاء ابنتها المريضة وتقول في حوار داخلي: «ما أطوله من ليل عندما تبكي طفلتي ويحتار قلبي معها.. لا أدري ماذا أفعل كي أوقف هذا الصراخ والبكاء» لتنتقل وبسرعة خاطفة لمشهد آخر تعلن فيه بطلة قصته عن اشتياقها إلي حجرتها في المدرسة التي تعمل بها مدرسة للغة الإنجليزية رغم أن الحجرة شديدة الصغر شديدة البرودة.. ضعيفة الإضاءة لكنها تجمعنا بدفء الحكايات والذكريات والهموم.
وكذلك في قصة بعنوان القرار التي جاءت من أنضج قصص المجموعة، بطلتها سيدة تقضي عيد زواجها الأول وحيدة وتتصارع بداخلها مشاعر غاضبة تجاه زوجها الذي قرر قضاء سهرته خارج المنزل ولم يتذكر مثلها أنه عيد زواجه فتصف تلك الحالة وتقول:«تنظر إلي هيكلها العاري في المرآة إلا من ذلك الرداء الشفاف الذي صنعته لذلك اليوم خصيصا تنظر إلي الدبلة التي في إصبع يدها اليسري.. كل ما تريده الآن هو أن يجيء كي تقتل كل خلية في جسده.. نظرت في الساعة.. مزقت الرداء.. اكتمل عريها أمام نفسها(......) وبهدوء عاد كل شيء إلي طبيعته.. وبهدوء أشد نزعت الدبلة من إصبع يدها».
نقلا عن الدستور
لم تكن «القرار» وحدها التي تتماس مع مشاعر المرأة بداخل المجموعة ولكن «رائحة الخبز» تلك القصة التي تصف فيها حياة امرأة «ماتت وحيدة كما عاشت وحيدة.. لم يشعر بها أحد، فقط لفظت أنفاسها في صمت» فسردت بلسان ابنتها تلك الحالة التي تعيشها مع زوجها الذي كل من يراه يحسدها عليه بمظهره الرائع، وشدة اعتنائه بنفسه، وأسلوبه اللبق، وحديثه الشائق مع الجميع، بالإضافة لذلك فهو «خدوم جدا» مع الناس والبنات رغم أنه بداخل بيته مستقل في المنزل بحجرة خاصة لا يريد أحدا معه، أو أحد يحاسبه علي ما فعل ولماذا فعل، بل تطورت الأمور إلي الإهانة وإلي الطلاق ذات مرة وسأترك لك أن تتعرف بنفسك علي بقية التفاصيل.
اللافت في المجموعة أنك ستجد نفسك فجأة أمام قصص تنتمي إلي عالم مختلف، عالم تنتقل فيه الكاتبة لكي تستعيد ذكريات أبطالها وهم في طفولتهم ولكن مع الاحتفاظ بأن جميع أبطال هذه المرحلة هن من الفتيات باستثناء قصة وحيدة بعنوان «المجهول» بطلها شاب يدعي رامي تبدأ قصته التي تنتمي إلي عالم الخيال عندما أفاق علي صوت يناديه بعد أن كان يحلم حلما جميلا بسفينة ذات شراع كبير تتلألأ بالأضواء، ففي قصة «مرثيات» نجد فتاة تجري حواراً داخلياً مع نفسها وتقول: «كنت أغني للصباح والمساء.. للشرائط الملونة علي حافة ضفائري. كنت أوهم القطة التي تقف علي بابنا أن لي صوتا كصوت المغنية، وأنني أرقص أفضل من هؤلاء الذين يترنحون في التلفاز» ونفس الشيء في قصص «لعبة الحلم» و«كل الأحزان مختلطة» و«سكان من المدن الثلجية».
ولكن مفاجأة المجموعة جاءت في ثلاث قصص جاءت بعناوين «زيارة ليلة» و«حدوتة» و«الحفرة» فجميعها تصلح أن تكون قصصا للأطفال فاللغة والموضوع والجو العام الذي يحيط بالقصص الثلاثة جعلتها نموذجا لقصص الأطفال وجعلت منها نغمة نشاز بداخل المجموعة، صحيح أن جميع أبطالها - باستثناء قصة وحيدة - تتنمي لعالم النساء الناضجات اللاتي تارة ينتمين إلي حاضرهن وتارة يهربن منه إلي ذكريات الطفولة ولكنها أولا وأخيرا تشعرك أنك خرجت عن جو عام يغلف المجموعة بأكملها.
الغلاف: مزدحم لـ «أحمد كامل» ولكنه جذاب ومعبر ومليء بالتفاصيل، امرأة شاردة في منتصف العمر وأمامها صورة لطفلة بالأبيض والأسود يقف خلفها قطار وساعة هما الزمن الذي تتجاوزه الكاتبة لتستعيد طفولة شخصياتها.

نقلا عن الدستور



مبروك المبدعة الصديقة هدى توفيق المجموعة الجديدة

ليست هناك تعليقات: