2018/10/17

بورتريه .. قصة بقلم: عبدالعزيز دياب


بورتريه
 عبدالعزيز دياب

"وداد أكرم نسيم"...
لم يبق إلا اسمها وانفلتت من الذاكرة، تركت مكانها بقعة زرقاء غامضة.
"وداد أكرم نسيم"...
ثلاثي، يكتنفه إيقاع وموسيقى، اكتشفت كلماته مكتوبة على زجاج المرآة، وضلفة الخزانة، وجداران الحجرة، وسيراميك الحمام، وسياج الشرفة، طازجًا كأنه كتب اليوم، بل كأنه كتب هذه الساعة، أو هذه اللحظة.
من صاحبة هذا الاسم الذى يفرض حضوره بقوة، حتى أنني وأنا في طريقي إلى مدرسة "الأمل" التي أعمل بها أوقفني بائع الجرائد، همس في أذني: "وداد أكرم نسيم"، هذا الرجل علاقتي به تبدأ من أول أن أقدم له ثمن الجرنال وتنتهى بأن يناولني إياه فأضعه في حقيبتي، ثم لماذا يهمس في أذني، هل يعتبر اسم "وداد أكرم نسيم" سرًا، كما أن البغيض، ولا ينبغي بأن أشير إلى أن الأخصائي الاجتماعي هو البغيض، أمسك بذراعي وأنا أمر أمام فصل 3/3 ، همس هو الآخر "وداد أكرم نسيم "، نفس السر، وختم هذا السر بضحكة... ممجوجة... تافهة وهو يلوى عنقه ككلب أجرب، أما ممرضة مستشفى السلام بعد أن ضربت الحقنة في إليتي ضربة فصيحة همست هي الأخرى في أذني: "وداد أكرم نسيم"
   اكتفيت بذلك القدر من الأسرار وقلت علىَّ الآن أن أبدأ رحلة البحث عن "وداد أكرم نسيم"، أنهيت حصة الجغرافيا التي دارت حول سؤال واحد "من منكم يا طلاب العلم يستطيع أن يخبرنا بموقع مقهى "أفندينا" على الخريطة، المقهى الذى عرف تشردي وأنا في أقحوانة شبابي.
أفندينا مات وترك ولده "البرنس" يدير المقهى، فتح لي كراسة قديمة متهالكة، كان الاسم فقط مكتوبا في بياض الصفحة "وداد أكرم نسيم"، "هل كان لأفندينا رفيق لا زال يرتع في هذه الدنيا الغرورة؟"
   أشار "البرنس" إلى العجوز الجالس أمام طاولة تحط على حافة مصرف، عَجِزَ طلاب العلم أن يحددوا موقع مقهى "فندينا" على الخارطة بأن مصرفًا يحده شمالا، وبركة زفت خَلَّفَها ميكانيكي السيارات جنوبًا، ومحل مبيدات حشرية ضمن بيت صغير من طابقين شرقًا، وجراش أتوبيسات شركة النقل العام غربًا.
   العجوز على حافة المصرف ما أن استوعب أنني أحدثه عن "وداد أكرم نسيم"، حتى ضحك، ضحك بمليء فيه الخالي من الأسنان، وارتشف من قهوته، وهز رأسه ثلاثًا، وهرش أنفه، وخبط بكفه على الطاولة، وحدثني عن عينيها.
   الآن أصبحت لوداد أكرم نسيم عينان، من منكم يا طلاب العلم يعرف أين يقع بيت أبله "أميرة" على الخريطة؟ أبله "أميرة" أمينة المكتبة، استقبلتني أمام باب بيتها، همست في أذني "وداد أكرم نسيم" ووصفت لي شفتيها.
   أصبحت لوداد أكرم نسيم عينان وشفتان، عرفت كذلك من مدرسة الرسم وصف أنفها، ومن بائع البطاطا وصف شعرها، ومن صاحب بقالة "الأمانة" وصف ذقنها، .....
رسمتها عندما اكتملت ملامحها، اكتشفت أنني إلى هذه اللحظة لا أعر ف عنها أي شيء... وضعت صورتها بحجم كبير في مواجهة باب الشقة، وكل من يسألني، يكفى أن أخبره بأنها "وداد أكرم نسيم"
   هي "وداد أكرم نسيم" وكفى إلى أن أبدأ رحلة جديدة للبحث عن حكايتها....


ليست هناك تعليقات: