2018/11/25

"هسيس الرغبة" لخلدون امنيعم.. البحث عنا في مرايا الذاكرة


"هسيس الرغبة" لخلدون امنيعم.. البحث عنا في مرايا الذاكرة

عمّان-
لم يخبرنا أحد عن الحوار الذي دار بين حواء وآدم قبل أن يفترقا ويخرجا من الفردوس، لكننا نستطيع أن نتوقع أنه كان جارحًا بمقدار المنفى والغربة التي يعيشها الإنسان حينما يكون وحيدًا إلا من الانتظار.
وقد تطوع الشاعر خلدون امنيعم ليقول لنا في "هسيس الرغبة" الصادر عن الآن ناشرون وموزعون أوجاع الوداع الذي يغادر معه الإنسان ملامحه وكينونته ويبقى طوال عمره وهو يبحث عنها وعنه.
ويتمثل الشاعر في "هسيس الرغبة" التي تقع في تسعين صفحة من القطع الوسط الخروج الذي لم يكن سوى ما نفتقده فينا وإلينا لنعرفنا في رحلة الحياة التي تدون ألمها على أجسادنا.
ويعبر الشاعر عن ذلك في مرايا الذات بخفوت الهسيس وصمت الألم وجنون الرغبة التي ينطوي عليها العنوان لتمثل نوعًا من السيرة الشعرية التي تتعادل فيها الرؤية والحقيقة التي يتساوى فيها الواقع مع الوهم.
"كأني مني خرجت إليك
كأنك منك خرجت إليّ".
يلخص الشاعر الرغبة التي تتقد في روحه التي ترى الكون امتدادًا لكينونته وجسده متناصًا مع النص القرآني برشاقة العارف المتصوف، مستعيدا النص الصوفي الذي يؤمن بوحدة الوجود متتبعا خطى ابن عربي والنفري والحلاج في تأملاتهم وأسئلتهم التي بقيت معلقة كنجمة بعيدة تغرينا بضوئها وتتخفى بأسرار.
ويستحضر الشاعر في المجموعة عنصر الطين الذي خلق منه الإنسان، والذي يسعى ويكد في الحياة ليعود إلى أمه الأرض/ التراب، وهو يكابد رحلة الشقاء في الدنيا، ويحاور المرآة التي لا يرى فيها غير صورته حاملًا على كتفيه اللاشئ، رائيًا ما ترك الأسلاف من ظلال تتلاشى ليقف مع ركام ما تركت الحياة بنظرة فلسفية لوجود لا يختلف كثيرا عن وقفته اللحظية/ الوهمية أمام المرآة.
لا شيء إلا حيرة
برد ونار
فخلعت أقمصتي في جب غار
ومضيت أتبع حيرتي
ويداي توقد زيتها من جذوة الأسرار".
وتحضر المرأة في المجموعة برمزية الوجود الكلي للكون الذي يمنح النص شفافية الوجد، ويمنح الوجود توازنه العاطفي في ظل هذا التمزق والانشطار الإنساني الذي يعانيه الكائن في رحلة الانتظار للعدم، وهو يدرك أن الوجود ينبني على المنفى والفقد ضمن معادلة الحضور والغياب والصوت والصدى المفرد والجمع التي تتشابه معها الحقيقة والوهم في مرايا النص.
وضمن ذلك الحوار تتقاطع حوارية آدم بين صوتين يحملان المعاناة نفسها:
"ليس لي امرأة
لتغشاني الكمنجات في حمى الجسد
ليس لي رجل
لتصهرني الشراشف أو يباغتني الأبد
ليس لي امرأة
ليس لي امرأة
وأنا.. أنا زوج نفسي في الظلام وفي الرؤى
في الليل تبلعني العناكب
وتفر من جسدي الثعالب إلى سوار البيت". 
هي الوحدة/ الوحدانية أو الاكتمال أو النقص الذي يبعث الضجر والملل الوجودي الذي يوقع الإنسان بين أمنيتين حديتين متضادتين تتصلان بالحياة/ الموت، الحب/ الفقد، المدى/ الندى.
كحنين عاشقة إلى مرآتها في الليل يغسلها الندى
أو شمس أيلول الغريبة كم يخاتلها المدى".
ويشتغل الشاعر في السيرة الشعرية على بناءات ومداميك تتشكل في قصيدة واحدة كنشيد ذاتي أو مونولوج  يكون فيه وحيدًا أمام المرآة يناجي نفسه، غير أن وحدته هي التي تتيح له تشوف الكون، وأن يرى ما يريد، مستعيدًا في النص اللعبة التي تنطوي عليها الحياة واحتيالاتها، حيث نقطة البدء في الدائرة هي محطة النهاية نفسها التي تقرأ فصولها وتدونها في آن معًا بعنوان الفاجعة أو انتظارها التي سُطرت منذ رحلة آدم وحواء وما تزال تدور كمطحنة تأكل من نحب، كما تأكل أحلامنا وذكرياتنا.
"سراقة هذي الرؤى، هذي الرؤى سراقة
سرقت أبي مني، سرقت قميص الذكريات، وحفنة القمح الخبيئة، والصبا ومضت إلى المجهول أمي، حيث الخيول المسرجات مع الضحى، حتى إذا فاقت نساء الحي على يتيم في خباء الجمر
جارت عليه، فعزاه الندى
لا أم لي ولا أب
إلا السدى".
يشار إلى أن الشاعر  حاصل على الدكتوراه في الأدب، وباحث في السيميائيات والتصوف والأدب الحديث، صدر له في النقد: مرايا ونوافذ.. قراءة في كتب التجارب الشعرية، دوائر الخفاء.. شيميائية الإشارة الصوفية في الخطاب الشعري الحديث و خزانة المعنى.. الخطاب السردي في الأردن، وفي الشعر "أرني أنظر إليك" و"هسيس الرغبة".

ليست هناك تعليقات: