2012/07/12

"صَيْدٌ " قصة بقلم: د. إيمان بقاعي

صَيْدٌ

د. إيمان بقاعي

تمدد على الصوفا واضعًا ذراعه اليسرى تحت رأسه بعد أن أسند ظهره إلى مخدتين صغيرتين، وقرَّب مدفأة الكهرباء الصغيرة لتشيع في الغرفة الدفءَ، ووضع حرامًا صوفيًّا برتقالي اللون على جسده.
أما زوجته، فقد استغرقت في كرسيها تقلب كتابًا وقد استغرق وجهَها كثيرٌ من اللامبالاة، وبدا شعرها منفوشًا، مربوطًا إلى الأعلى، وقد خلت عيناها وشفتاها من أي أثر للزينة. وطالما تساءل في الشهور الأخيرة إن كان قد رأى على سحنتها الشاحبة الترابية لونًا غير هذا البيج الكئيب.
تمطت ولما تشر الساعة إلى التاسعة مساء، وأعداه تثاؤبها، ففتح فاه، واسترق نظرة سريعة إليها، ثم علق:
ـ ما سر التثاؤب يجتاحنا باكرًا هذه الأيام؟
قلبت صفحات كتابها من غير أن تنظر إليه أو ترد على تساؤله، فأغمض عينيه الخضراوين بكسل، ثم فتحهما نصف فتحة، وأجاب بنفسه عن تساؤله:
ـ ربما لأنه لا يوجد صيد.
رفعت نظراتها عن الكتاب، وتساءلت باستغراب وقد لمعت عيناها السوداوان:
ـ صيد؟
ابتسم:
ـ الصيدُ قد اصطيد.
وشرح بكسل، دون أن يغير جلسته أو يبذل عناء تحريك يديه وعضلة من عضلات وجهه أو حتى يفتح عينيه:
ـ قبل أن نتزوج كنت نشيطًا، كنت أعد نفسي للذهاب إليك، أعد ملابسي، عطري، مهاراتي، كلماتي.. كتبت ديوان شعر في شهر، ورواية في شهور، لأنهم قالوا: المرأة التي تحبها تهوى الشعر والأدب… كان ثمة دافع يجعلني نشيطًا، منشدًا. وأنتِ…
حسن جلسته ورفع سبابته إليها وقطب حاجبيه الكثيفين وقد لمعت فيهما نظرة مليئة بالشك:
ـ كنتِ مختلفة، كنتِ منتظِرة، كانت عيناك كحيلتين، وكانت شفتاك ورديتين، وكان كل شيء فيك متألقًا.. حتى شعرك كان حريريًّا منسدلاً، وكان لديك ابتسامة…وكنتِ… آه ‍‍… كنتِ أحلى.
تركت الكتاب جانبًا، وراحت تصغي إلى أقواله من دون أن تشاركه الحوار، فتابع:
ـ كنتِ أحلى… كانت هناك حيوية تجعلك كالشمس في بهائِها. لم تكوني قد امتلكتني بعد، فكانت طاقاتك كلها موجهة للكينونة، للعطاء، لتنشيط المشاعر.
ابتسمت ابتسامة هادئة، فاستطاع أن يلتقط ومضة من ومضات عينيها التي كان يحب، فنهض من وضعه الاستلقائي وجلس متسائلاً:
ـ ما الذي تغير؟ كم سنة مضت على زواجنا؟ مائة سنة؟ مائتان؟ مليون سنة؟ مليونان؟
ضرب كفًّا بكف، ثم همس كمن يرجوها أن تساعده على التفكير:
ـ أليسا عامين فقط؟ لقد امتلكْنا الحب، صار ملكية مضمونة حتى لم يعد من شيء يستحق أن نبذل من أجله الجهد. ضاعت كلماتي ومهاراتي وضاعت إصغاءاتك وحيويتكِ. تبًّا للزواج! كنت أعرف أن هذا ما سوف يحدث لي، تمامًا كما حدث لكل أصدقائي المساكين من قبلي، ولكنك أصريت على أن نتزوج كما تصر النساء، كل النساء. أتعرفين أعتقد أننا…
نهضت وكأنها سمعت تقريرًا قديمًا ليس فيه فكرة مشوقة واحدة، وليس فيه أي اكتشاف. دست قدميها الباردتين في مشايتها القماشية، وشدت شعرها أكثر إلى الخلف، ثم قالت:
ـ أطفئ المدفأة والضوء. أنا ذاهبة لأنام!

ليست هناك تعليقات: