2012/07/29

الصياد المهاجر\قصة لعبدالله الحواجري


الصياد المهاجر
عبدالله الحواجري
    أخيرا وبعدما لم يعد قادرا على التنقل أو الرحيل وبعدما أصبح عجوزا و قبل بضع سنوات فقط استقر الصياد العجوز في كوخ يحفه النخيل على شاطئ البحر , كان قد هاجر منه قبل عشرين عاما تقريبا على قارب بناه من خشب البلوط .
 لقد كان القارب كبيرا وقويا عند بنائه لكنه وبعدما رجع الصياد على متنه أصبح قديما وذا شراع مرقع بالكاد يستطيع أن يصمد إمام هبات الرياح إذ هاجر الصياد العجوز من خلاله  إلى بلاد كثيرة وبعيدة .

    والآن وبعد عودته اعتاد الصياد العجوز أن يستيقظ  في كوخه كل يوم مبكرا يجهز الشباك ليصيد السمك يعاونه صبي كان يعمل معه ثم يذهبا في البحر ليصطادا تاركا كلبه الأبيض يحرس الكوخ في غيابه.

    و عندما يحين وقت الغذاء كان الصياد العجوز يرجع من الصيد ويربط القارب بحبل قوي في صخرة كبيرة على شاطئ البحر كانت تغطيها الطحالب والقواقع .
وكان يأخذ من القارب بعض الأسماك التي اصطادها  ليجهزها  للشواء على الحطب بينما يبعث الصبي إلى السوق لبيع بعض السمك ليشتري الخبز وكان الصياد العجوز لا ينسى أبدا أن يقدم للكلب الأبيض سمكة كبيرة مكافئة لحراسته وحينما يرجع الصبي من السوق كان يشم رائحة الشواء والسمك الطازج تفوح في المكان.
كان الصياد العجوز يحب أن يتغذى على السمك المشوي وكان بعد الغذاء دائما  يذهب إلى مقهى قديم كان قريبا من الشاطئ يجلس فيه ليحتسي فنجانا من القهوة مستمتعا بمشاهدة الطيور التي تهبط من السماء وتغوص على سطح البحر لتلتقط بعض الأسماك بمناقيرها لتأكلها بينما كان يقف العديد من الغربان على أسطح القوارب المتآكلة على الشاطئ وكأنها تراقب أمواج البحر.

    كان الصياد كثيرا ما يحدث الصبي عن رحلاته ومغامراته ولكنه كان أحيانا يبكي عندما يتذكر بعض أصحابه الذين غرقوا في البحر عندما ضربت قاربهم بعض العواصف العاتية في إحدى الليالي المظلمة عندما كانوا يسافرون من مكان إلى مكان من خلال البحر .

     وفي احد الأيام مرض الصياد العجوز مرضا شديدا وأصبح طريح الفراش وعندما أدرك الصبي أن سيده سيفارق الحياة أصبح حزينا وفجأة وبينما كان الصبي بجوار سيده سأله يا سيدي لماذا رجعت إلى موطنك القديم و إلى هذا المكان بعد رحيلك الطويل فأجاب الصياد العجوز وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بابني أينما ذهبت كنت احن إلى المكان الذي ولدت فيه يا بني لا مكان كالوطن .

    خرج الصبي من الكوخ يبكي سيده و سار باتجاه البحر وأخذت قدماه تغوصان بالرمال ثم وقف أمام القارب  فجأة واخرج من جيبه أزميلا كان يستخدمه بالحفر على الخشب وبدا يحفر على القارب بخط جميل كلمة سيده الأخيرة والتي ما زال صداها يتردد في أذنيه  والتي نظر إليها الصبي بأنها كلمة خالدة و هي لا مكان كالوطن
 بقي القارب على الشاطئ في مكانه لسنوات طويلة و كلما سار احد الأشخاص على الشاطئ وقرأ هذه الكلمة المحفورة اهتزت مشاعره .

alhwajry2012@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: