2013/06/10

غرائبية ضياع الذات وضبابية الواقع في رواية (أعشقني) بقلم: د. سمير الخليل



غرائبية ضياع الذات وضبابية الواقع في رواية (أعشقني)
د. سمير الخليل
هل من البديهي أن تعشق المرأة نفسها؟؟
وهل مبادئ الحب ترتضي أن يهمل الطرف الآخر (الرجل)؟
أي حبٍ كانت تريد الكاتبة؟ إجابة هذه الاسئلة تحيلنا إلى مضمون الرواية..
يمكننا أن نستعير تشبيهاً ننطلق من خلاله إلى تحليل الرواية وسبر مكبوتاتها ورموزها إذ من ممكن القول إن رواية (سناء شعلان) تشبه تفاحة (سبرانو)(*) حيث تحتوي على نواةٍ صغيرة تشع بدلالات متعددة فهي تروي حكاية مناضلة سياسية أسمها (شمس) تقاسي الآلام والتعذيب في سبحون السياسة الحاكمة وبطش أساليبها.
أما محتواها الخارجي فمكتنز عاطفة واحساساً يضم قصة حب غريبة دارت بين (شمس) وحبيبها خالد من سكان القمر!!. واللافت في هذا البناء الروائي ذلك التأرجح بين المضامين المسكوت عنها فهي تتناول قصة نضال امرأة واكبت حركة الربيع العربي وقصة عشق حميمي غريزي إلى بعد الحدود.
فكان المضمونان أحدهما يساعد الآخر في البوح عن كوامنه وأسراره فجاء متضافراً متناوباً بروية دون انفصال في مضامينة يكبر شيئاً فشيئاً وكأنه كرة جليدية.

ومن أجل يكون الحديث عن البناء الفني لهذه الرواية متجانساً تحاول هذه القراءة النقدية أن توجز بنقاط القيمة الموضوعية للرواية...
-       تعشق شمس بطلة الرواية رجلاً من كوكب آخر.
-       تستخدم الكاتبة عوالم غريبة بمكانها وزمانها (درب التبانة- القمر- سنة ضوئية.. وغيرها).
-  تتعرض البطلة للتعذيب في سجون الدولة على يد الضباط ثم يصاب القائد المشرف على قضيتها بإصابات شديدة جراء عمل إرهابي يضطر الاطباء أن ينقلوا عقل القائد إلى جسم السجينة وتبدأ محنته البايلوجية والنفسية مع هذا التغيير.
-       بعد موت البطلة يعثر على رسائلها مع حبيبها.
ستحاول هذه القراءة هنا أن تستوضح أساليب التي عالجت فيها الكاتبة هذه المضامين التي ضمتها النقاط الموجزة عن الرواية.
نبدأ من عتبة النص (العنوان) أعشقني.. بداية يعبر العنوان عن رؤى ابداعية لصاحبة النص فجاءت العتبة مكثفة دلالياً وازت حمولة المتن الروائي التخيلية فيتبادر للقارئ السؤال لماذا تعشق المرأة نفسها؟!!
الأمر الآخر بعد العنوان ويمكن أن نعده جزءاً من العتبة هي تلك المفاتيح الأهدائية في بداية الرواية (إلى بنية البعد الخامس، تحول كاميل فلا مر يوم، وعبارة من كلام شمس البطلة ، وعبارة أخرى من كلام حبيبها خالد).
فكل هذه العبارات كانت بمثابة بؤرة إشارية تغوي القارئ للدخول إلى هذا العالم القريب وتعطيه يد العون بلمحات من رؤى المؤلف.
ثم ننتقل إلى عنوانات فصول الرواية حيث جاءت على ثمانية فصول استخدم فيها الطابع الرياضي العلمي فحددت الفصول الخمسة بالابعاد المعروفة الطول والعرض والارتفاع والزمن ثم تضيف بعداً أخر أسمته (الحب) وبعدها الفصول الأخرى التي جاءت على شكل معادلات رياضية.
فكل عنوان من هذه الفصول يحمل معه عبارة تشير أو تحيل بالبنية الفنية للمتن وكأنها كبسولة سردية توعد بتشظيها إلى دلالات خاصة داخل المتن.
فعلى سبيل المثال في الفصل الأول: البعد الأول الطول، في امتداد جسدها تسكن كل أمالي، وتغفر بدعة طوق نجاتي.
فالطول كان لجثة السياسية المقتولة التي مثل امتدادها أمال ذلك القائد العسكري الذي يود النجاة بنفسه فهو يأمل الحصول على جسدها وانسجتها وكذا الفصل الثاني وبقية الفصول الأخرى.
إذن الرواية من عتبتها واشاراتها الاهدائية وعنوانات فصولها توحي بغرابة الأحداث والشخصيات والرؤى فتجمع بين الواقعية السحرية بالرواية التكنلوجية ويقودنا هذا التوظيف إلى سببين الأول: رؤية الكاتبة للعالم ولم يكن رؤيتها وحدها بل أنها عبرت عن فئة من المجتمع (النساء) اللواتي يشعرن بالاحباط التام والأسى على ضياع الذات وضبابية الوجود أمام الآخر... فهذا الالتفات على الذات الذي مثلته الكاتبة يعد انحيازاً للتجربة الذاتية في محاولة لتذويب السرد وانفتاحه على الاشياء المسكوت عنها اجتماعياً.
فلم يكن ربط الكاتبة لرؤية العالم نفسياً ذاتياً فقط بل جاء ملتصقاً بالطبقات الاجتماعية أو بالأحرى- أحدها- وبنيات هذه الجماعة الذهنية لذلك كانت التجربة مفسرة للتأثير الاجتماعي تفسيراً مدققاً .. ([1])
فنرى البطلة تجد حباً جنونياً مثالياً مع رجل غير واقعي من كوكب آخر ينسيها عش الزوجية تلتقي به في طريق التبانة وتقول:
((ها هو الشبق بجتاحني أيها الشوكة التي وخزتني بحكمة الشهوة ها هي الرغبة التي لم أعرف معناها تخترقني وتسري في عروقي مع كل قطرة دم وهي تزرع الورد في مفاصلي))([2]).
فهي هنا تستصرخ الذات المفزوعة من الأهمال والتهميش واللامبالاة والقسر من السلطة الذكورية.
وكانت ترفض هذا العالم المزيف وتجد في ذلك العالم القرائي وجودها وافرقتها فتحاول أن تغير الرؤية السلبية لعالمها فتشرع البعد الخامس (الحب) ليكون متسيداً على هذا العالم الذي دمره البشر بانانيتهم وغرورهم، فالحب هو الكفيل باحياء هذا الموات الذي طال كل مظاهر الحياة ولذتها وجمالها خاصة الخراب الالكتروني البشع.
فتقول : ((ستحول هذا العالم إلى مملكة مجنونة بصخب عزائنا، عزاؤنا رقصة على مسرح الكون وهي استعارة لذات إلهية تنازلت لتشركنا في ممارسة حقيقتنا كما يحلو لنا...))
وهكذا تنفتح رسائل هذين العاشقين على السرد لتحاكي مضموناً انثوياً يحاور المناطق المهجورة عند الانثى وعياً وادراكاً واحساساً.
وعلى الرغم من شاعرية سرد هذه الرسائل غير إنها جاءت بلغة مرمزة ذات إيحاء مثير وفي أحيان كثيرة مصرح بها عنوة وقصداً .
المميز في لغة الكاتبة أن الآخر (الرجل) أو أي قيمة أخرى معبرة تكون حاضرة بقوة . وعلى الرغم من هذا الحضور أي أن لغة الرواية الأنثوية منفتحة على ذات المرأة ومعبرة عن همومها أصدق تعبير تمثلها وهي تعيش حرارة وبرودة وقائع الحياة الاجتماعية .
وربما يعود هذا الانفتاح في اللغة لفكرة توسيع رقعة الرواية والسماح لها بوصف أي جزء من أجزاء الحياة يهمها أمره وليس في مساعدة القارئ لتحقيق اللذة ([3]).
والسبب الآخر: أن عالم المرأة أو العالم بصورة عامة صار شديد التعقيد ولم يعد بإمكان الكاتب أن يعبر عن احباطات الإنسان وعذاباته وضغوط الواقع زيادة على القيود التي تفرضها بعض السياسات والاتجاهات الحاكمة في البلاد العربية جعلت من الكاتبة تتجه نحو العوالم الغرائبية لأنها أكثر انفتاحاً وتعبيراً .
فكانت التفاتة جميلة من الكاتبة أن تعالج هكذا موضوع سياسي اجتماعي.
فقد لمست القراءة وجود متخيلة مبدعة تقف وراء هذه المعالجة المرمزة حيث نظمت صور الواقع المحسوسة وتضعها في تركيبات جديدة .
فعندما يفقد (باسل المهري) العسكري في الدولة جسده مضحياً به من أجل استبداد وظلم حكومته يحتاج لجسد آخر ينسجم معه نسيجياً فيكون جسد تلك المناضلة المقتولة مأوى النجاة له أية دلالة رائعة هذه وهي تجعل القتيلة أقوى من القاتل وتصورها في مشهد تعبر عن قوتها في ابتسامتها الثابتة إلى اخر لحظة من حياتها .؟!!
وأي سخرية تلك التي تضع الرجل في جسد امرأة ليكون كائناً خنثياً . لقد أبدعت الكاتبة في تصوير سخريتها تجاه الحكومات بهذا الشكل التقني الجديد والغرائبي . وتبين لنا مسار السرد في الفصل الاول ومنتصف الفصل الثاني الاضطرابات والمعاناة النفسية التي يعانيها ذلك العسكري .
ثم يجسد انعكاساته النفسية وهو يعاني التغيير البايولوجي في جسده (فقدان العضو الذكوري- بداية الحمل) .
ومن ثم فإن هذا التجسيد الغرائبي المحكم بفنية عالية كان سبيلاً لبلوغ المضمون الفكري للرواية لتحقيق غاية اجتماعية تقويمية . دار كل ذلك في حبكة ممتدة على الرغم من تغيير المناظر المستوحاة من المضمون الاول والثاني للرواية بسبب تأثير الشخصيات بعضها على بعض ([4]) .
وعلى الرغم من العوالم والأحداث الغريبة التي صورتها الكاتبة إلا إن القراءة لمست توازناً دقيقاً بين الجوانب المتخيلة والواقعية لأنها انتزعت الحدث من أرضيته المعيشة لذلك لم نجد أكاذيب لا يصدقها العقل ([5]) .
ختاماً حاولت القراءة أن تستنبط تلك الفنية المتعذبة بإبداع أنثوي معبر، حيث إن تلك الرغبة المقموعة (الجسدية والفكرية) هي رغبة تنبع من نفس الراغبة التي لا سبيل لها سوى حلم التفوق الذي يسعفها به رواسب الميثولوجيا القائمة في نفسها .
وبذلك مثلت هذه الرواية احتفاءً خاصاً بالذات الانثوية المتكونة بصورة الحب والجسد والسلام والأمومة جعلها تقول:
-       اعشقني...
الهوامش :


(*) (هذه التفاحة كون صغير بذاتها وبذرتها وهذه البذرة هي الشمس الصغير لذلك العالم الصغير التي تدفئ وتغذي الروح النباتية في هذه الكتلة) أوردها غاستون باشلار في جماليات المكان، تر: غالب هلسا، وزارة الثقافة والإعلام ، بغداد، 1980، ص180.
([1]) البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، لوسيان غولدمان واخرون، ت: محمد سبيلا، مؤسسة الابحاث العربية ط1، 1984، ص48 .
([2]) رواية أعشقني لـ د. سناء كامل شعلان، دار الوراق، ط1، 2012، ص210، 211.
([3]) فن الرواية، كولن ولسن ت: محمد درويش، دار المأمون، 1986، ص65
([4]) بناء الرواية- أدوين موير ت: إبراهيم الصيرفي الدار المصرية للتأليف، ص57.
([5]) المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي- فاضل ثامر، دار المعنى للثقافة والنشر، ط1، 2004، ص86.

ليست هناك تعليقات: