2013/06/30

الشعلان: الروتين يشوّه المساحة النفسية عند المبدع

صورةالشعلان: الروتين يشوّه المساحة النفسية عند المبدع

حاورها: محمد جميل خضر 
- منذ أيامها الجامعية منهمكة بالحصول على الدرجة الجامعية العليا، لم تضيّع الأديبة والأكاديمية د. سناء الشعلان وقتها، وانطلقت الحاصلة خلال مسيرتها الإبداعية القصيرة (نسبياً) على 43 جائزة محلية وعربية ودولية و13 استحقاقاً ودرعاً تكريمياً وشهادة تقديرية، مبكراً وسريعاً وبشكل حاسم لا هوادة فيه، نحو عالم الكتابة قصصاً وروايات ودراسات وبحوثا ورؤى نقدية.
حول تجاور الإبداع لديها مع الأكاديميا، وطرق الكتابة عندها، وموضوعات تلك الكتابة، وحول قصة جوائزها، وما وراء حصولها على هذا العدد الكبير منها، ومسائل أخرى كان ل»الرأي» مع الأديبة د. سناء الشعلان هذا الحوار.

عندما تتجاور الكتابة الإبداعية مع المشاغل الأكاديمية، فكثيراً ما يجري الحديث في تلك الحالات عن التداخل بينهما أو تأثير جانب منهما على الآخر. فكيف توائمين بين هذين البعدين الأساسيين في مسيرتك؟
العمل الأكاديمي لا يسرق الزّمن من المبدع كما يبدو في الظّاهر، ولكنّه يشوّه المساحة النفسيّة للمبدع بأثقال الرّوتين وأعباء البيروقراطيّة وبؤس العمل الإداري، ومساعي الإداريين غير المبدعين بأيّ شكل لتحويل المشهد الإبداعي إلى وظيفة مكرّسة تديرها المؤسسة التي ينتمي المبدع إليها، أو لتحويل المبدع إلى ساحة غنائم يتقاسمها العمل المؤسسي، ويعلو به نحو بعض بقع الشّهرة. على المبدع هنا أن يحوّل هذا المشهد إلى خزّان قصصي وتفاعلي يشكّل رافداً لمخيال المبدع. أنا شخصيّاً تعلّمت أن أقتنص من المشهد الأكاديمي كثيراً من شخصياتي الإبداعيّة؛ فالمشهد الأكاديمي يقدّم لي مساحة مجتمعيّة كاملة بحكم أنّ المجتمع الجامعي هو بيئة مجتمعيّة كاملة بمختلف تجلياتها، وقد تعلّمت من البيئة الأكاديميّة أنّ الشّهادات كثيراً ما تعجز عن أن تهب الأخلاق، وهذه النّماذج ألهمتني تصوير زيف المجتمع ورصد تهافته في بعض قصصي ورواياتي. وروايتي المقبلة ستستثمر الكثير من الشخصيات الأكاديميّة الزّائفة في قالب كوميدي، وكما يقال»سأضحّك طوب الأرض على تهافت المتعالمين».

تكتبين بغزارة، وتنوعين مع هذا الكمّ الزاخر؛ فمرة القصة، وأخرى الرّواية، وثالثة النّقد. ما هي أدوات كتابتك على وجه العموم؟ وما هي طقوس الكتابة الإبداعيّة لديك؟
العبرة في رأيي الخاص ليست في الكّم أو النّوع، بل في الجودة والمنافسة والتميّز، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحاكم الحالة الإبداعيّة عند أيّ مبدع بعيداً عن لعبة السّنوات والأعداد. أنا راضية عن مسيرتي الإبداعيّة، لاسيما أنّني فيها متصالحة مع نفسي ومع أفكاري ومشاعري وقناعاتي، وفي الوقت نفسه مستسلمة لدفقاتي الشّعوريّة، ومنساقة للحالة التشكيليّة لإبداعي، ولذلك لا يهمّني جنس إبداعي، بقدر ما يعنيني أن يخرج بالشّكل الذي يعبّر عني، وتقودني حالتي إليه. عندما أكتب نقداً أكون مخلصة لذات التشكيل ودراسته وفق منظومة أكاديميّة واضحة الحدود، وعندما أكتب سرداً أكان قصة أم رواية فأنا ألهث خلف حالة الحكي التي قد تمتدّ مساحة أو تقصر وفق حجم الرؤية، وعندما أهرب إلى المسرح أو إلى أدب الأطفال فيكون الطّفل في داخلي مستيقظاً يريد أن يستمتع بفن الفرجة ببوح عملاق دون أن تخنقه تابوات الزّجر.
ولأنّني أعيش حالة الكتابة بكلّ إخلاص وأريحيّة وصدق فإنّ أهمّ طقس من طقوس كتابتي أن لا يكون في جوّ الكتابة عندي أيّ روح أعتقد أنّها قبيحة، ولذلك لا يمكن أن أكتب في جو مشحون بأيّ شكل من الأشكال بالكره أو القبح. وإن كان الجوّ النفسي حولي جميلاً رائقاً فيعنيني أن أكتب في مساحة نور لا ظلام، وبقلم أزرق على ورق أزرق بعد أن أضع قطرات وافرة من عطري المفضّل الذي أصبح علامة فارقة بالنّسبة لي، والذي لا أتخيل الكتابة دون أريجه.

لا شكّ أنّ كم الجوائز الهائل التي حصلت عليها خلال مدّة زمنيّة قصيرة نسبياً، أثار وربما ما يزال يثير ردود فعل متباينة، وربما أيضاً تعليقات وتشكيكاً في واقع الحال حولها وفي مراميها. أنتِ على وجه التحديد كيف تفسرينها؟
النّجاح تحيط به دائماً الظّنون والأحقاد والحساد، ولذلك أقيس نجاحي بعدد حسّادي، وإن كنتُ لا أتوقّف عندهم أكثر من توقّفي عند مريض أدعو له بالشّفاء من داء حسده، ولست معنيّة بالتّصويغ والتّبرير، فالنّجاح هو حالة مبرّرة بحدّ ذاتها، عندي مشروعي الإبداعي والأكاديمي الخاص الذي أسير فيه قدماً بخطى راسخة، أما من كان فاشلاً فلست بالتّأكيد المسؤولة عن فشله، والطّريف في الأمر أنّني اكتشفت أنّ الكثير ممّن تغيظهم جوائزي كانوا بالفعل قد قدّموا إليها أكثر من مرّة، ولم يحظوا بها لتدنّي منتجهم، فآل بهم الأمر إلى الحسد والتشكيك، ولو نالوا واحدة من هذه الجوائز لكفّوا عن أحقادهم، كما يقول المثل: «الذي لا يطول العنب يقول إنّه حصرم».

تشغلك قضايا الكتابة بقدر ما يشغلك التشكيل والتّجريب. فهل يمكن القول إنّ المنافسة في المشهد الإبداعي تقود نحو الاهتمام بالتشكيل والتجريب بقدر الاهتمام بالفكرة والقضّية؟
لا أعتقد أبداً أنّ الشّكل قضية تنفصل عن المضمون والفكرة، وكثيراً ما يكون الشّكل هو المضمون كما يقول رولان بارت. ولذلك ليس هناك فكرة عظيمة تقدّم في رداء قبيح، وليس هناك حكمة في قالب لغوي ركيك. الشّكل هو هدف بحد ذاته في الإبداع اللغوي أيّاً كان شكله، ولذلك أنا مولعة بالتّجريب، وبهدم الشّكل التّقليدي، وتقديم تكوين جسدي جديد للغة في قالب حكائي يمتدّ نحو الدّهشة والبوح والصّدق والحلم، وأعتقد أنّني أجدت لعبة التجّريب.

بين الإبداع وتسويقه علاقة عضوية، فهل يمكن النّظر لسناء الشعلان بصفتها ممن يتقنون تسويق إبداعهم؟
 الإبداع ليس أداة لجمع الأرباح الماديّة، وإن كنت تسأل عن التسويق بمعنى الرّبح المادي، فأنا فاشلة به بامتياز، فالإبداع لم يدخل عليّ قرشاً واحداً حتى هذه اللحظة، بل هو سبب لغرم كبير لا ينتهي في حياتي، ولكن إن كان التسويق الذي تسأل عنه بمعنى حسن تقديم الذّات والحالة الإبداعيّة وجميل التّواصل مع البشر، فأنا أجيد تسويق نفسي بهذا المعنى، وكيف لا؟ وأنا أدرّس مهارات التّواصل والأدب في الجامعة، وأحترف تعليم فنون الأدب والنقد، فكيف أكون أستاذة جامعيّة لمهارات لا أتقنها؟ أنا بالتأكيد أؤمن بتقنيات الجمال والتّواصل، وأمارسهما وأؤمن أنّ المبدع ليس قلماً وحسب.

إلى أين تمضي بك الكتابة؟
أؤمن أنّ القادم هو الأجمل، وأعلم أنّ العمل الأعظم في حياتي لم أكتبه بعد. والكتابة في رأيي ليست أداة تكفير وخلاص، بل هي أداة بناء ومساحة لشمس طاهرة آن لها أن تشرق على البشريّة . 
 http://m.alrai.com/article/593698.html

ليست هناك تعليقات: