2018/07/15

في مجموعتها القصصية (الهروب إلى آخر الدنيا) سناء الشّعلان تكشف عن توجّعات الإنسان وتشظيات الواقع المهزوز بقلم:عمر أبو الهيجاء



في مجموعتها القصصية (الهروب إلى آخر الدنيا)
سناء الشّعلان تكشف عن توجّعات الإنسان وتشظيات الواقع المهزوز
 الشاعر والإعلامي:عمر أبو الهيجاء/ الأردنيّة
القاصّة والرّوائية سناء الشّعلان من الأسماء الأدبيّة التي استطاعت خلال مسيرتها الإبداعيّة أن تشدَّ إليها الأنظار بقوة، وأن يلتفت إليها النّاقد العربيّ ويدرس أعمالها سواء في القصة القصيرة أم الرواية، سناء الشّعلان هذا الاسم الذي أخذ موقعه الإبداعيّ على خريطة الإبداع العربيّ بقوة وخاصّة الساحة الثقافية الأردنيّة، وقد حظيت النتاجات الإبداعيّة للمبدعة الشّعلان بالعديد من الدراسات والمتابعات النقدية لتميزها، هذا إلى جانب أنّها أكاديميّة ناجحة وشهيرة، وتُعدّ أيضاً من الأسماء النقدية التي سيكون لها دورٌ مهمٌ في حياتنا الإبداعيّة والنقديّة.
فأعمالها الأدبيّة منذ مجاميعها القصصيّة (الجدار الزجاجي) و(الكابوس) و(احكِ لي حكاية) وكذلك روايتها (السّقوط في الشمس) التي احتفي بتوقيعها في معرض الكتاب في الأردن ولاقت هذه الرواية نجاحاً كبيراً، والأديبة الشّعلان حصدت أعمالها القصصية والروائية العديد من الجوائز المحلية والعربيّة عن جدارة.
 وقد صدرت للأديبة سناء الشّعلان مجموعة قصصية عن نادي الجسرة الثقافيّ والاجتماعي في دولة قطر أسمتها (الهروب إلى آخر الدنيا)، ضمن مجموعة من القصص القصيرة هي: (لحظة عشق، سعادة الرؤية، باميلا الصغيرة، عروس النيل، دعوة زفاف، الهروب إلى آخر الدنيا، دعوة إلى الحب والحياة، أنامل ذهبية، عينا خضر، كرنفال الأحزان، الملاك الأزرق، الغرفة).
والمتتبع لأعمال الأديبة سناء الشّعلان يلحظ اشتغالها الدؤوب على نتاجها الأدبيّ سواء في القصة أو الرواية، حيث تبرز إمكانياتها في السرد من خلال لغتها المشعرنة وحداثة النص القصصي الذي يواكب تطور القصة القصيرة، وكما تبرز دقة عينها اللاقطة للمشاهدات اليومية التي ترسمها بأدقّ التفاصيل وتسردها عبر تجليات روحها المشبعة بالطيران لتحلق بنا في فضاءات أكثر اتساعاً وأكثر جرأة في سكب مخزونها الفكري والمعرفي في سياقات النصوص التي تعكس قدرتها وثقافتها ومخيلتها الخصبة التي تسعى من خلالها إلى التقاط شخصياتها المهمشة والمقموعة التي تمثل معظمها هذا الواقع المهزوز والمتشظّي، وأحيانا نراها ترسم بلغتها المكثفة صور الحياة عبر شخصيات تواكب عجلة الحياة المسكونة بتناقضات هذا الكون المتلاطم الأمواج، وكذلك نرى القاصّة تكشف في سياقات نصوصها عن المسكوت عنه بجرأة وضمن حبكة قصصية مشغولة ومدروسة تستوقف الدارسين من نقاد وقراء وتجعلهم في حال من الدهشة، وخاصة في قفلات القصص التي لا يتوقعها كل من يطلع عليها.
وأحياناً تلجأ القاصّة إلى توظيف الأساطير والموروث العربيّ والشعبي في حياكة النصوص لتقدم لنا ادق المعلومات، هذا التوظيف الذي يعد عنصرا أساساً في بناء القصص ويمنح سردها بعدا دلاليا وفنيا وتقنيا ومعرفيا حين توظفه بطريقة تستطيع من خلالها إسقاطه على واقعنا المعيش، ومن ثمة يعكس قدرة القاصّة على الإمساك بزمام القصَّ والارتقاء به ليكون أنموذجاً جديداً بعيداً عن النمطية المتعارف عليها في فن القصة.
ففي قصة (الغرفة الخلفية) التي هي أقرب الفنتازيا والتي ترسم فيها حالة الفقدان فقدان الأم لبطلة القصة مما يجعل البطلة في حالة إرباك دائم مما حولها، وتجعلها فاقدة لتوازنها وتسيطر عليها الكوابيس الداخلية، إضافة إلى حالة التخيّل التي تصيبها لترى فراشها بلون الدم، وهذا يؤدي إلى تهيؤات بأنّ أرواح شريرة تسكنها ولجوئها إلى العرافة والاعتماد على الخزعبلات والمعتقدات الشعبية في العلاج إلى غير ذلك، وتقديمها القرابين والنذور لطرد هذه الأرواح، لكنها رغم كل ذلك كانت لا تؤمن بهذه الخزعبلات وترفضها، هي بحاجة إلى من يقف إلى جانبها ويعينها في وحدتها القاتلة، هذه قصة تقترب من الواقع وتعالج القضايا الإنسانية وتقف إلى حياة مليئة من هذه الشخصيات التي تعيش دوامة الصراع والهلع والفقدان.
أمّا قصة (دعوة إلى الحب والحياة) تدور فكرتها حول الفقدان، إذ أنّها الفتاة الشخصية الرئيسية في القصة فقدت حبيبها(الزوج)، وتعيش بعده في حالة التوتر والقلق من هذه الغاصة بالأحزان، إذ كانت تتابع معه قراءة مقالات احد الكتب يوميا، ومن خلال إصرارها أرادت أن تقابل هذا الصحفي الذي يدعو إلى التفاؤل،وخاصّة أنّها تعيش حالة الفقدان، وعندما دخلت عليه إلى غرفة نومه مستغربة ذلك حيث وجدته ممدداً على السرير إلى أنّ طلب منها نزع الغطاء عنه حيث كانت المفاجأة انه بغير أطراف ذهلت مما رأته، وكان ذلك نتيجة حادث سير مما جعله الانفصال عن زوجته لكي لا تعيش مع إنسان عاجز، ضاربة لها معنى للتضحية علما بأنه كان يحب زوجته كثيرا، وأن الحياة لا تتوقف عند هذا الحد، فاتحا لها بوابات الأمل والحياة، مما جعلها بعد مغادرتها منزل الصحفي أن تعيد التفكير بنفسها وتخرج من دوامة الأحزان وتنطلق إلى الحياة من جديد، هذه قصة تشتبك مع الحياة وتقرأ تفاصيلها اليومية وإن غلبت عليها السوداوية أحياناً إلا أنّها حالات معاشة ونعيش معها يومياً، أي أنّها أيّ القاصّة مشغولة ومنغرسة بهموم الإنسان العربيّ وخاصة المرأة العربيّة تحاورها عن وتبث أوجاعها وتعاين معاناتها وعذاباتها بدقة وأسلوب من الدراما الإنسانية الموجعة.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ القاصّة سناء الشّعلان تتمتع بلغة طازجة مليئة بالحيوية، مما جعلها تكتب القصة والرواية بجدارة وبقدرة هائلة على السرد، مصحوبة بالمفارقات معتمدة فيها على نقد الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ، مستمدة ذلك من أهمية الموضوعات وعدالتها التي تعالجها بفنية تنم عن مراس في الكتابة الإبداعيّة.
هذا إلى جانب ثقافتها ومعرفتها التي مكنتها من اقتحام مناطق كثيرة ربما تكون غير مألوفة في الأدب، اي أنّها تنبش الكثير عن المسكوت عنه وتعريه بهدف إيصال الفكرة الكامنة في جوانيّة الأشياء، جوانيّة الإنسان، هذا الإنسان المصاب ببرد الروح وتلوث الواقع المريض، وهذا يظهر جليا في معظم مجموعاتها القصصية وبالذات مجموعتها التي نحن بصددها.
لم أتمكن من معالجة جميع القصص في هذه المجموعة لأنّها تصب في بوتقة واحدة هي التمرد على الواقع والكشف عن خبايا النفس البشرية بكل تفاصيلها، قصص تحاكي توجّعات المرأة وتوجّعات الإنسان وتكشف أيضاً عن جراحات كثيرة في جسد الأمة.












هوامش البحث:
سناء الشّعلان: الهروب إلى آخر الدنيا، ط1،نادي الجسرة الثقافيّ والاجتماعيّ قطر، الدوحة، 2006.

ليست هناك تعليقات: