2018/08/16

قراءة في قصيدة ( بُكَاءُ الشَّيْبِ .. عُرُوْبَة ) للشاعر: تيسمبال أمين بفلم: د. باسل مولود الطائي، د. سفانة الصافي



قراءة في قصيدة ( بُكَاءُ الشَّيْبِ .. عُرُوْبَة ) للشاعر: تيسمبال أمين
د. باسل مولود الطائي
د. سفانة الصافي
بُكَاءُ الشَّيْبِ .. عُرُوْبَة
الشَّيْبُ أَضْحَى حَالِماَ بِخَيَالِي ........... وَ هُيَامُ رُوْحِي يَشْتَكِي بِزَوَالِي
أَبْكِي أَنَا وَهَوَى الدُرُوبِ مُكَتِّمٌ ........ وَ هَوَاجِسِي صَارَتْ تُعَاشِرُ حَالِي
تَتَكَلْفُ النَجْوَى مُوَاكِبُهَا الْمُنَى ........... وَ تُرَافِقُ الأَوْجَاعَ صَوبَ وِصَالِي
فَأَنَا خَيْبَةُ المَبْكَى المُصَفَى بالهَّنَـَى ..... يَكْفِي يَهُودَ وَ لَنْ يُصِيْبَ مَنَالِي
كَفَّيْتُ لَوْمَ القَوْمِ جُلَّ تَكَلُّــفٍ ..........  و خُطَى المَرَاجِلِ تَحْتَمِي بِقِتَالِي
قَدْ جُلْتُ مَرْفُوْعَ القَصَائِدِ حُلَّةً ........ و هَلَتْ حُرُوْفِي دُرَّةً بِـمَقَالِي
كَفَنُ المُصَابِ وَمَا يُحَالُ لِمُغَسَلٍ....... وَ شَقَاوَتِي نَفَرَتْ تَشُدُّ خِصَالِي
وَ أَمَـا تَبَارِيحُ الجُفُــونِ صـِفَّيَةٌ ........  وَ أَنَا الحُّرُوْبُ تَوَسَّدَتْ أَغْـلَالِي
وَكَفَى العِّتَابُ بِهِ طَوَفْتُ بِخيْبَتِي ... وَ أَذَى ألخَوَالِ يَدُقّ فِي إِعْوَالِي
إِنْ كُنْتُ عَاصِفَةَ أَلاَ أغْدُوْ الهَدَى .. بِحُرُوْفِ شِعْرٍ وَ الحِرَاكُ يُغَالِي
قَلَمِي يَتُوْبُ بِصَفِّ دَرْبٍ خُضْتُهُ ... و كَفَى دُرُوْبَ الشَوْقِ سِجْنُ خَيَالِي
فَارًا مِنْ المَلَكُوْتِ مَفْجُوْعَ الهَوَى.... سَكِرَتْ لَدَيْهِ مَكَارِمُ الأَوِصَالِ
و القَيْدُ يَرْفَعُ لِي تَرَاتِيْلَ الوَفَا...... وَعَلَى الرَّوَابِي لَاحَ بَّدْرُ هِلَالِي
وَأَنَا أُقَاوِمُ حَالَ سَفْرَةِ رَاحِلٍ ......... صَوْبَ الحَنِيْنِ لِصِفَّةِ أَلإِخْلَالِ
لَا سَمَّنِي خَوفُ يُثَبِتُ مِرْفَقِي...... و الغِّلُّ يَرْفَعُ غِلَّهُ بِرِحَــالِي
مَا كُنْتُ يَوْمًا أَقْتَضِيْ فِيْهَا دَمِيْ ...وَ الحُبُّ يَعْصِفُ حَرُهُ بِسؤَالِي
أزْدَادُ شَوْقًا أَسْتَمِيْحُ غَيَاهِبِي .......... لِشَقَائِي بِعَوَاصِفِ الإِذْلَالِ
سَكَنَتْ ضُلُوْعِي خِيْفَةَ مُتَرَافِعٍ...... و النَزْعُ مَشْدُودٌ لَهُ إِهْمَالِي
يَاقُوْتَةٌ مِثْلَ الــغِلَالِ تَشُّدُنِي ...... و تُلَاعِبُ الصَبْرَ الجَمِيْلَ بِبَالِي
يَا قَلْبُ آهٍ قِفْ علَى وَجَعِي هُنَا....... إِنَّ التَضَرُّعُ يَجْتَبِي أْفِعَالِي
لاَ يَشْتَفِي  مِنْهُ اشْتِيَاقَ تَجَبُّرِي ........ كَفُ العُبُورِ بِحُلَّةِ أَكْفَالِي
إِنْ كُنْتُ مُشْتَاقًا يُدَارِيِ خَيْبَةً ........ أَنَّى  تُدَارَ مَلَائِكُ الأَطْفَالِ
بَشَرٌ أَنَا أَرْوِي الحَيَاةَ قَصِيًدَةً.... قَوْلاً وَ وَزْناً تَقْتَضِيْهِ فِعَالِي
نحن أمام نص جميل للشاعر الجزائري أمين وهو يتحدث بلغة سليمة ، و صور جميلة جدا، تنطلق كلمات هذا النص من خلال لغة الروح، تلك اللغة التي تنطلق التعبير فيها من خلال احتكاكها بمعطيات الواقع أثرا .. وتأثيرا .. وفعلا .. وانفعال، فهو بشعره يحقق إذا لغة الروح التي تعبر عن صور الحياة التي يعيشها أمين، ويرى فيها تسارع الأيام والليالي و انقضاء العمر ويصور لنا محيطه تصويرا وفق نمط تتأرجح بين الواقع الذي تفرزه مقدراته ونسج خياله الغائرة في عمق واقعه ، نلاحظ أن الذي يعطي للمفردة الشعرية في هذه القصيدة طابعها الإيحائي في الشكل والصوت وفق ما يربطها بواقع الحدث ومضمونه العنصرين سابقي الذكر ، وفي كثير من الأحيان تأتي المفردة كصوت ليس إلا.. و بعيدا عن أي معنى لغوي لتلك المفردة، بقدر ما يكون التعبير بها مرتبطا بطبيعة الفعل المؤثر في ذات الشاعر، لأنه يواجه الفعل بالمفردة وبما يلاءم التعبير وفق تصوراته، فالمفردة الشعرية في هذا النص الجميل تكيف مخارجها سواء بالمعنى أو بدون معنى، و وفق كل اثر .. وتأثير ..وفعل ..وموقف، لان أمين يعبر بالمفردة بما يلاءم ما تمخض في أعماقه مترجما تأثيره بها، فلغة المعاصرة في هذا النص تتشكل وفق طبيعة الحياة المعاصرة تشكيلا جديدا وبما يناسبها ليكون (هذا النص ) له تأثير لمتلقيه .. يتفاعلون بقراءاته .. لان نفوسهم تشعر بمفرداته كونهم معاصرين بحداثة اللغة ولان لغة هذا النص قريبة من لغة أهل العصر ومفهومهم وتواكب مستويات تطور الشعر والمعاصرة، لذا سعى شاعرنا أمين للارتقاء بلغة عادية بسيطة او ما تسمى بلغة السهل الممتنع ، ولهذا فإنها أتت مكثفة ومركزة بالرمز والإيحاء ومعبرة ومفعمة بالانفعال والنبض وبالعواطف والمشاعر والأحاسيس وذات مدلولين الأول يرتبط بمدلوله الذهني وتارة أخرى يرتبط مدلوله بمخرج صوتي مجرد، ولهذا فان (أسلوب شاعرنا ) ذو لغة معاصرة يحتويه (اللفظ) و (المعنى)، لان الشاعر توخى اللغة المعاصرة فضلا عن حرصه لتحقيق هدفه أسوة بشعراء الحداثة وهي تجديد اللغة الشعرية التقليدية بلغة ديناميكية التطور، في التغير وتقبله، فالصورة الشعرية المعاصرة خلقت عالما شعريا جديدا بما لم يشهدها الشعر من قبل وبما أمكنته اختراق (الزمان) و (المكان) وبشكل ملفت للنظر ، لتشكل في ذلك نصا متكاملا متراصا مفهوم وبذلك حاول محمد أمين أن يؤسس إبداعاته التي رغم حداثتها المعاصرة أن يلفق مخارجه بمعطيات جديدة، فهو حافظ على ركائز القصيدة النمطية ولكن احدث تغير في اللغة وعاصرها وفق المنظور الزمان والمكان (الزمكانية) وبملامح هوية العصر والمعاصرة والحداثة والتحديث، لان الوعي الذي امتلكه الأمين بأهمية تطوير اللغة كان له دوره كبيرا في إنتاج قصيدته ، فكما كانت القصيدة النمطية ترتكز على اللغة وكان تقيمهم للقصيدة قائم وفق قوة اللغة، وكثير ما كانت تلك اللغة تفوق مستوى متلقيها، لذا فان شاعرنا اهتم كسواه النمطي بـ (اللغة) وأضاف إليها قدرة أخرى إضافية إلى إنتاجه الشعري عبر الإشارات الرمزية وتكثيفها ودلالاتها ولكن بلغة أسلوبه بمفردات وتقنيات معاصره غير مألوفة، وهذا الأمر هو الذي قاد (شاعرنا ) إلى تركيز تقنيته الإخراجية على مفردات (اللغة) كاختصار مبطن لمعاني يمكن تأويل رمزيتها بمختلف اتجاهات باعتبارها أهم مبتكرات الشعر المعاصر والذي تجاوز عن مفهوم اللغة بكونها خاضعة لقوانين اللغة ذاتها لا يمكن تجازوها، لذا فان شاعرنا تجاوز ذلك وأزال الحواجز والقوالب ولم يعد يخضع لقوانينها وراح يمزج في النص الشعري فنون الرسم التشكيلي بمختلف أجناسها ويستخدم أساليب رائعة ودقيقة وقدمها للمستقبل بلغة بسيطة سليمة حصيفة ..
                    الجانب الأخر من جمالية هذا النص هو الصور الجزئية والكلية في هذه القصيدة ومن يقرأ هذا النص يجد أن الصورة الفنية فيه ، إما جزئية معتمدة على المفهوم التقليدي للصورة الشعرية القديمة من تشبيه واستعارة ، أو كناية، وإما صورة كلية ، يرسم الشاعر من خلالها صورة مركبة ، تتضافر فيها كل العناصر الجزئية لتقديم صورة شعرية مشهدية كلية. والعناصر المكونة للصور في هذا النص ، وحدة أجزاء الصورة الكلية و تأمل الصور الجزئية، وقد قدم شاعرنا هذه الألوان في الصورة تقنيات حديثة ومعاصرة بناءا على عدة اعتبارات ، فقد أخذ في الحسبان حالات المتلقي أو الوظيفة التي تؤديها الصورة أو العناصر الداخلة في تركيبها ويمكن أن نعزي هذه الأنواع المتشعبة للصورة إلى نوعين فقط: الصورة المشهدية الكلية والصورة الجزئية. وفيما يلي أقدم مثالين للصورة الشعرية كما يبينها شاعرنا في هذا النص:
.كَفَنُ المُصَابِ وَمَا يُحَالُ لِمُغَسَلٍ....... وَ شَقَاوَتِي نَفَرَتْ تَشُدُّ خِصَالِي
وَ أَمَـا تَبَارِيحُ الجُفُــونِ صـِفَّيَةٌ ........ وَ أَنَا الحُّرُوْبُ تَوَسَّدَتْ أَغْـلَالِي
ففي هذه الصورة تتضافر العناصر التقليدية لبلاغتنا العربية في تركيب صورة مشهدية كلية ، يظهر فيها أثر الموت والكفن ، ومآل ذلك من الألم والفراق وهطل الدموع على الجفون الصمت و أجواء الحروب ، ففي هذه الحركة ، وفي هذه الصور الحزينة تتفاعل كل العناصر لإظهار المعنى في صورة شعرية مشهدية.
 أما المثال الثاني:
 سَكَنَتْ ضُلُوْعِي خِيْفَةَ مُتَرَافِعٍ...... و النَزْعُ مَشْدُودٌ لَهُ إِهْمَالِي
 يَاقُوْتَةٌ مِثْلَ الــغِلَالِ تَشُّدُنِي ...... و تُلَاعِبُ الصَبْرَ الجَمِيْلَ بِبَالِي
 يَا قَلْبُ آهٍ قِفْ علَى وَجَعِي هُنَا....... إِنَّ التَضَرُّعُ يَجْتَبِي أْفِعَالِي
لاَ يَشْتَفِي مِنْهُ اشْتِيَاقَ تَجَبُّرِي ........ كَفُ العُبُورِ بِحُلَّةِ أَكْفَالِي
 إِنْ كُنْتُ مُشْتَاقًا يُدَارِيِ خَيْبَةً ........ أَنَّى تُدَارَ مَلَائِكُ الأَطْفَالِ
وهي صورة بسيطة من الصور الشعرية التي لا تعتمد على لون واحد.... ، والغرض من هذه الصورة تقليد الطبيعة وليس نقلها ، بأن يقف الشاعر مكان الطبيعة البشرية في صور حزينة ومؤلمة ،أو يقوم بما تفعل ، وليس كما تفعل بالضبط"..ما يسمى لدى علماء النفس ديناميكية العمليات السلوكية وهذه الصورة كما يحسها المتلقي ، تؤدي مشهدا شعريا متكاملا ، يعتمد على الطبيعة البشرية والعمليات النفسية كأحد مرتكزات الصورة....وبهذا قدم لنا أمين تقنيات إبداعية وصور شعرية أغنتنا بفاعليتها وجمال صورها،....



إن نجاح أي عمل أدبي يعتمد على عناصر مجتمعة معا لتكون عملا متناغما متساوقا متمازجا متداخلا، فهو ليس مجموعة متلاصقة من العناصر ولا مجموعة من المواد المتآلفة، ومن المحال ان ندعي الكمال لعمل أدبي ما باجتماع هذه العناصر دون هذا التناغم والتناسق فيما بينها، هذه العناصر هي: ١( -العاطفة ٢-المعاني الأفكار ٣-الخيال ٤-الأسلوب ٥-الموسيقى.) تنمو هذه العناصر متشابكة مع بعض لتكون صورة تلقي بظلالها على القارئ، هذه الصورة ممكن أن تكون واقعية ومن الممكن أيضا أن تكون خيالية من نسج خيال الكاتب. إما العاطفة فهي الانفعالات النفسية التي تستحوذ علينا حيال الأشياء، وهي نتاج مواقف متنوعة، فإذا أشبعت حاجة الكاتب النفسية أثارت في نفسه مشاعر سارة جميلة، إما إذا أحبطت دوافعه فإنها ستنتج في نفسه اللواعج وتوقظ المشاعر المؤلمة القاتمة.فالشاعر(أمين) قد عبر عن لواعجه القاتمة ومعاناته الأليمة التي تساور خياله ولا تفارقه في قضيته والدفاع عنها وكيفية الخلاص ..فكمية الألفاظ التي عبرت عن هذا الحزن العميق قد أخذت من القصيدة مأخذها وها نحن عندما نقرأ تلك المعاناة التي امتزجت مع ألآمنا وقودنا التي أضناها عبق هذا الزمن الموجع.
أما المعاني التي دارت فيها أحداث هذه القصيدة فإننا نلمح فكرة واحدة كانت هدف الشاعر عندما وضع هذا الكم الهائل المتناسق من الألفاظ والمعاني التي كان مقياس الوفاء للمعنى واضحا فيها، والمعنى أن يأتي الأديب بالمعنى كاملا لا لبس فيه ولا غموض، وانه اعتمد فنونا بلاغية مختلفة ساعدته على الإيفاء بمعنى غرضه المتحدث عنه، وهذا ما وجدناه في هذه القصيدة.. فضلا عن الخيال الذي يعني القدرة التي بواسطتها تستطيع صورة معينة أو إحساس واحد أن يهيمن على عدة صور أو أحاسيس فيحقق الوحدة في ما بينها، هذه القوة تظهر بصورة عنيفة قوية في قصيدة(بكاء الشيب عروبة) إذ نجد الألم العميق الذي أحس به (أمين) فجعله ينشر إحساسه بين كلماته التي امتزجت بألوان من النداء والتوجع و الألم الذي لا ينتهي..
في حين نجد أن عنصر الأسلوب الذي يعرف بأنه:(الصور الفنية التي ينقل بها الكاتب أفكاره ويصبغ بها خياله فيما يسوق من عبارات وجمل...) وهو أيضا:(الرجل) ويقصدون به أسلوب الكاتب أو الأديب، و تعاريف أخرى كثيرة مختلفة، ومهما يكن من أمر فإن لـ(أمين) أسلوبا مميزا يتصف بإتباعه لقواعد اللغة و أصولها، فضلا عن كونه أسلوبا سهلا جزلا لا لبس فيه ولا غموض، امتاز بصدق الشعور وقوته وصحة تفكيره، والقدرة على نقل هذه الخواص إلى القارئ، فضلا عن قدرته البيانية المتجلية في الصور الأدبية الرفيعة المستوى.
أما العنصر الأخير وهو عنصر الموسيقى التي تتوزع بين كونها موسيقى داخلية وأخرى خارجية. أما الداخلية فهي التي عبرت عنها تناغم الحروف في ما بينها ضمن الكلمة الواحدة، وانسجام الكلمات وترقرقها لتتآلف في التراكيب وتوازن بين أصواتها، ثم توافقها في ما بعد و أواها لم أخلقت من اجل أداءه ، وهذا ما قام به (أمين)في (بكائه للشيب) في قصيدته ضمن الكلمة الواحدة و سلاسة الألفاظ في ما بينها مكونة العبارات والجمل لتأتلف القصيدة متكاملة.
أما الموسيقى الخارجية التي توزعت بين الإيقاع والوزن.
فالإيقاع هو وحدة النغمة التي تتكرر على نحو ما في الكلام او البيت الشعري، اي توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم ، و الإيقاع في الشعر تمثله التفعيلة في البحر العربي كما في (مُتَفَاعِلُنْ) أو غيرها من التفعيلات الأخرى وقد اخضع (أمين)قصيدته لهذه القواعد التي التزمت بنظام التفعيلة ضمن البيت الواحد ، أما الوزن فهو جزء آخر من أجزاء الموسيقى الخارجية وهو مجموع التفعيلات التي يتألف منها البيت الشعري. وهذا ما اتبعه الشاعر في قصيدته الثائرة الحالمة، فالشاعر في كل هذا قد جمع بين هذه العناصر الخمسة مكونا هذه اللوحة الجميلة التي ألقت بمعاناتها و أحزانها على روح القارئ لتعايش معه معاناته التي هو جزء منها.
ولعل أكثر ما امتازت به قصيدة(بكاء الشيب عروبة) للشاعر أمين تيسمبال توافقه التام مع موضوع القصيدة ، لذا فان قارئها يصبح أمام حالة واحدة وهي موضوع (القصيدة والشاعر) إذ نجد أنهما جزء لا يتجزأ، و ليس أدل على هذا الانصهار في القصيدة تلك اللغة الشعرية التي تجعلك قريبا منها،فنجد الشاعر يشتكي الشيب ليكون عنوانا لقصيدته التي ابتدأ موضوعه بها ،فالشاعر هنا يبتعد عن (مراهقة القصيدة ) و (مراهقة الشاعر ) قال:
الشيب أضحى حالما بخيالي ...وهيام روحي يشتكي بزوالي..
هكذا يصرخ الشاعر بمفردات عفوية طافحة بالبراءة والثورة و اليأس والقنوط معززا ذلك بقوله:
وابكي أنا وهوى الدروب مكتّم وهواجس صارت تعاشر خيالي.عبر هذه اللغة الشفافة ينسج الشاعر(أمين)معاناته التي تكمن وراء مفرداته المؤلفة نحو:(يشتكي، ابكي،تحتمي،كفن،تشد،الحروب،توسدت،أغلالي،العتاب،خيبتي،عاصفة،سجن خيالي،فارا، مفجوع، القيد ، الغل ، شقائي ، وجعي ، عواصف الإذلال ، التضرع)
فالشاعر في قصيدته عبر عن شخصه المسجون الهوى ، المتقد الأغلال ، المفعم المشاعر، لكنها لا تعدو أن تكون خافية بين أضلعه ،وهذا ما أكده في قوله:
(سكنت ضلوعي) وقوله: (ازدادا اشتياقا) .
أما لغته في موضوع الجموع فقد أثارت تلك الثورة الهائلة حفيظته في اختياره لجمع الكثرة في ألفاظ عديدة منها:(الدروب ،هواجس ، خطى المراجل ،القصائد ، حروفي ، جفون ، الحروب ،حروف شعر، دروب الشوق، مكارم الأوصال ، تراتيل ، الروابي، عواصف الإذلال ، أفعالي ،أكفالي ، ملائك الأطفال ،فعالي ، خصالي ، أغلالي ، ألخوال)..في حين نجد أن أسلوبه توزع بين الجملة الاسمية الخبرية التي استهل قصيدته بها فضلا عن الجمل الفعلية التي توزعت بين ما كان فعل مضارع أو ماض أو أمر..

ليست هناك تعليقات: