2012/02/22

"المشي خلف حارس المعبد" قصة: محمد الكامل بن زيد

المشي خلف حارس المعبد
محمد الكامل بن زيد
انتظروا مليا ساعة الحسم بقلوب واجفة ..الجميع مثلما توقعوا من أنّ رحلته الأخيرة خارج المعبد لن تدوم أكثر من المعهود..حدس غريب ظل يساورهم مدة غيابه حتى شلّ تفكيرهم ..حدس يفضي إلى أنّ شيئا مريبا ..رهيبا سيزلزلهم ..وقد كانوا على حق ..يومان لا أكثر ولا أقل ..عاد مسرعا آمرا أهله أن يدثروه أن يزّملوه ..بهتوا من حالته المرعبة ولم يقدروا على الحديث معه..فقد ظل طوال الليل يهتف ويهاتف أشياء فوق التصور ..فهذا الذي ظل يحرس معبدهم منذ سنين وسنين حتى أحيطت به الهالة العظيمة ..حتى كاد أن يدرك النبوءة ..عاد مسرعا من سفره ..زاده الأخير الإرتجاف والهذيان ..بين أحضان الأحبة الكثير من السراب لا يسد الظمأ ولا يخفي الحقيقة الثكلى المتجلية للعيان..الصغير قبل الكبير ..الأعمى قبل البصير ..
حركات مريبة أوجس الجميع منها خيفة ..بدأت تتحرك مختلف الإتجاهات الممكنة وغير الممكنة ..سقط القناع عن القناع ..وانتفضت الأحلام المؤجلة بعد أن سئمت الصبر والإنتظار ..فقد أوهنها الظل الغائر في ثنايا شقوق الجدران ..أرادت ركب أمواج البحر العاتية المحيطة بالمعبد ..اصرارها شديد وعنيف لم يخطر على بال أحد ولم يكن قط في الحسبان ..حتى هو حين أفاق من غيبوبته وحملق في وجوههم ..وجوه قديمة ..رثة ..زاغت عيناه ولم ينبس ببنت شفة بل تسمر في مكانه وألقى بنظره إلى الأفق البعيد..هناك إلى سقف المعبد حيث المنارة الشاهقة ..تلك المنارة العتيدة ؟؟ تساءل في قرارة نفسه ..هل من الممكن أنه أخطأ التقدير ..وأنّ ضوءها كان يخدعه طوال هذه السنين ..لم يجد بدّا من الصعود إليها ..ولم يجد بدّا من أن يضرب بقبضة يده على زجاجها ..إذ تبين له أنّ المصباح عتيد وعتيد جدا ..وكيف أنّه لم ينتبه أو بالأحرى كيف لمن ولاه أمرها لم يخبره بحقيقتها ..سأل عنه فجاءه الرد سريعا ..مات منتحرا ..ربما أدرك ما أدركه فلم يقدر على البوح فآثر الكتمان الأبدي ..آثر الرحيل بطريقته ..مات منذ عشرين عاما ..عشرون عاما ..الأيام تمضي كلمح البصر ..لم يفقه كيف برقت في ذهنه أن يتلمس كف يده وخده وشعره..التجاعيد قطعت حبل الوصال بينه وبين الشعر الأبيض ..حتى المرآة.. أيقن أنها فعلت فعلتها..ظلت تصور له كل صباح عالما غارقا في الأوهام ..
أعاد البصر مرتين حيث السماء السابعة ..ما تبقى له يعيقه عن النزول مرة أخرى إلى الأسفل ..إنّه يرفض ابتلاع الحقيقة المرة ..هل انتهى الحلم ..هل آن أن يكون للمعبد حارس أخر ..غيره ..مستحيل لا يمكن أن يحدث هذا ..أما الأحلام المؤجلة والتي يراها الجميع أنّ سقما وسخطا لا مثيل له يعلوها ..اراها أنا أنّها سحابة صيف عابرة لا أكثر ولا أقل ..فهي لا تفقه شيئا..الموقف أكبر مما تتصور ..فالسماء لم تعد هي السماء التي ندعوها ..والأرض ما عادت هي الأرض التي نرجوها ..والبحر ما عاد بحرا انقسم الى بحرين ..هذا بحر ميت وهذا بحر أسود..انتابته هلوسة مريعة ..عصفت به ..تمنى لو أنّ الوقت توقف منذ عشرون عاما ..إنه يشعر بغثيان ..يتكئ على شقوق الجدران ..حرارة متوهجة تتغلغل داخل صدره.. يتحسّسها ..ألم قاتل ينخره ..وصورة قاتمة تأتيه من الأسفل حيث الأحلام المؤجلة.. بالكاد تبينها ..فشيئا فشيئا بدأت تتوضح ومعها تتزداد عيناه جحوظا ..عجوز في أرذل العمر تحمل بندقية قديمة ..رثة ..تبكي بحرقة فزعا ..لم يستطع جسده أن يقاوم أكثر.. بدأ يتمايل كريشة في مهب الريح ..ومعه تناثرت دموعه محترقة فزعة :
- أنت يا أمي ..أنت

ليست هناك تعليقات: