2012/08/10

"السارق" قصة بقلم: سعاد محمود الأمين


السارق
سعاد محمود الأمين
ـ تبّا لهذه النار لماذا لم تشتعل؟  لقد قذفت فى جوفها كل ماجمعته، من وريقات الأشجارالجافة. أخذ ينفخ اووف..أفففففففف.امتدت ألسنة اللهب مستجيبة لمجهوده، وكمية الزفير الذى أخرجه من فمه. حينها وضع الِقدر على النار، وصب الماء داخله ورفعه على ثلات حجارة،  شكلت مثلثا ساخنًا . جلس القرفصاء محدقا نحو السياج المشيدمن أعواد الذرة الذى يفصل كوخه من الجيران . ينتظر قدومها بشوق  ولهفة محب. كلما  يسمع حفيف وريقات الأشجار  المتساقطه ، تحركها رياح الشتاء الباردة، يهب واقفا لإستقبالها، فاركًا يديه ببعضهما، استعداد لقدومها المنتظر..... لا تأتى يجلس مرة أخرى وقد بلغ به الملل مبلغه، يسترجع أحلام اليقظة. لقتل الوقت، متى... متى.. متى تأتى ياأنتى..؟.بجسدك الجميل، ولونك الذهبى مثل حقول القمح وعيناك المستديرتان، وعنقك الطويل وعنقك الطويل ، آه من عنقك... رددها حتى إرتد إليه صوته فانصرف، عن التفكير حتى يتجنب الهلوسة. غليان المياه داخل الِقدر، أحدث صوتًا يعرفه تمامًا، فتتمزق أحشائه ألمًا، فركع فركع فررررر.يغلى الماء. والأبخرة تتصاعد،  وتشكل الدوائر  وتتلاشى متبوعة بأخرى. أعياه الانتظار، تناول حجارة هشة، صار يفتتها ويلقى بها صوب السياج،عسى أن يذكرها بالميعاد إن كانت  نسيته. تنازعه هواجسة، قد لا تأتى اليوم... سرعان مايطرد هذة الفكرة. ويمشى جيئة وذهابًا.
فجاءة سمع صوت خطواتها خلف السياج وقع أقدامها يحفظه جيدا، إنها هى قادمة. توقفت الخطوات. زفر زفرة حارة، ورفع رأسه الى السماءصائحا : آآآآآآآآآآه..اوففففففف. ماهذا الحظ العاثر؟ تناهى الى مسامعه مرة أخرى خطوات، أصبحت قريبة. تحفز وفرك يديه واقترب من السياج. هاهى آتيه أخيرًا. إشرأبت بعنقها الطويل من داخل السياج، تستكشف المكان، فارسلت أعواد الذرة طقطقات إحتجاج على هذا الإقتحام المفأجى منها، ولكنه لم يمهلها حتى ترى، ماخلف السياج إنقض عليها فى سرعة البرق. وكسر عنقها ونتف ريشها ونزع أحشائها ، والقى بها داخل القدر فى عجلة من أمره، وهى تقاوم لتلقى حتفها.. ماالذى أتى بها متلصصة عند سياج كوخنا هكذا حدث نفسه. أناختصرت لها مشوار الحياة، كانت يمكن أن تموت جوعًا، أو تنتهى داخل معدة حيوان جائع مثلى، فالأرض يباب.هجرتنا الأمطار، جف الزرع والضرع، واستفحل الجوع.فلاخيارات إما ان أموت أنا جوعا.. أوتموت هى . هكذا تلاشى الشعور بالذنب لديه . انبعثت روائح اللحم اللذيذ، وحركت مكونات معدته، وهو يتنشق عبير البخار المتسرب من فتحة صغيرة فى غطاء الِقدر.
تناهى اليه صوت الجارة تناديه: جاك... جاااااااااك . لم يرد عليها  فسمع خطواتها... تتقترب نحوه فنهض مسرعا اليها .
رمقته بنظرة فاحصة مملوءة بالشك وسألته: هل رأيت دجاجتى البياضة؟
هز رأسه المنكس نحو الأرض ذات اليمين والشمال نافيًا. ولم ينبث ببنت شفة.
غفل راجعا حيث الِقدر.
شجار عنيف نشب بين الجارتين. فقد إتهمت الجارة جاك ، وحملته مصير دجاجتها التى حان موعد بيضها ولم تعد الى الخم، وقد رأته مرارا يسرق البيض متسللًا، ولكنها حفاظًا لمعنى الجوار، لم تخبر أمه ربيكا  هى متاكدة من شئ ما حدث لدجاجتها البياضة . جاك يدرى، لأن الخوف كان مسيطرا عليه . ولكن ربيكا نفت ذلك ودافعت عن ابنها الذى  تراه أمينا ربته على التعاليم. فانصرفت الجارة وهى موقنة.
نظرت ربيكا الى ابنها بثقة المربى قائلة: هل سرقت الدجاجة البياضه؟ نظر اليها متوجسًا، ودنا من أذنها، وأسرها بأنه سرقها. وهى داخل الِقدر تستوى، ليسكت بها ضجيج معدته الخاوية.
صفعته على وجهه، صفعة أطارت صوابه وهى غاضبة: تعلم أن السرقة خطيئة كبرى، لايغفرها الرب كيف تمد يدك الى ملك الغير..كان يحاول أن يشرح لها، لم تسمعه ، نادت على جارتها من فوق السياج معتذره لها، خجلة من دفاعها المستميت عن جاك . والجارة فى صدمة لم تفق منها حتى ناولتها ربيكا اِلقِدر، وبه دجاجتها المستوية، فأخذته وانصرفت حزينة لفقدان البيض.
جلس جاك حزينا، يتضور جوعا، طفرت دمعة سخينة، من عينيه الباكيتين، على عظام خده الخالى من اللحم وتدحرجت...

هناك تعليق واحد:

محمد نجيب مطر يقول...

قصة جميلة أوشت في بدايتها أنها موعد غرامي ثم انتهت بلص ... أجمل ما في القصة لحظة اكتشاف أنه ينتظر دجاجة و لا ينتظر حبيبة ... قصة جميلة ولكم لماذا الاسماء الأجنبية ....