2013/12/27

رواية "نبيذ أحمر" لأمينة زيدان.. بين جملة من الذكريات و التاريخ! بقلم: عبد القادر كعبان



رواية "نبيذ أحمر" لأمينة زيدان.. بين جملة من الذكريات و التاريخ!
بقلم: عبد القادر كعبان
يعيش المبدع في كل زمان و مكان حياته الخاصة و العادية و لا يفوته تدوين تلك التفاصيل الصغيرة و الأحداث التي نسجتها الحياة. كما هو معروف ضمن جملة تلك الأحداث ما هو قابل للإستمرار و منها ما هو معرض للنسيان بمجرد مرور الزمان، و الكتابة الروائية عموما هي و سيلة تساهم في رسم لوحات و مشاهد تاريخية يتداولها جيل بعد جيل لإحياء الذاكرة الفردية و الجماعية.
تخوض الكاتبة المصرية أمينة زيدان تجربة متميزة في عملية تمازج بين الأدب و التاريخ من خلال روايتها "نبيذ أحمر" (2007) الفائزة بجائزة نجيب محفوظ أين تحاول بذكاء رسم ملامح مسقط رأسها السويس من خلال بيوته المهدمة و أشلاء أجساد أبنائه و محرريه بأدوات سرد دقيقة تذكرنا بأعمال العالمي نجيب محفوظ الخالدة.
العنوان كلمة مفتاحية تشير عموما الى مغزى النص الأدبي و هنا يثير عنوان الرواية سؤالا واحدا: ما سر النبيذ الأحمر بين ثنايا هذا العمل الأدبي؟ و كما هو معروف أن النبيذ مُسكر يُتَّخَذُ من عصير العنب أَو التمر أَو غيرهما، ويُترَكُ حتى يختمر أما الأحمر من الأشياء ما لونُهُ الحمرة، و الفرضية هنا تشير إلى القتل و علاقته بذلك الشراب المسكر (النبيذ) و هو محرم الشرب كتحريم جريمة القتل لقوله تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" (سورة المائدة، الآية 32).
حاولت الروائية أمينة زيدان تقسيم عملها الروائي الى أربعة فصول يسبق كل منها مقدمة قصيرة كمدخل رئيسي للأحداث، في كل فصل من فصول الرواية تستعيد سوزي محمد جلال تاريخ عقد كامل من حياتها الممتدة لأربعة عقود من الزمن.
يبدأ الفصل الأول أو الصفر الأول كما تسميه البطلة سوزي سنة 1960 وهي نقطة تحول مهمة جدا في التاريخ الذي تحكيه سوزي على المستوى السياسي، فحين تختم البطلة صفرها الأول نجد أنفسنا نقف في العام 70 عام غياب الزعيم جمال عبد الناصر، كما أنه في منتصف هذا الصفر/العقد تقريبا يكون الغياب الأول للزعيم بالإنكسار الرهيب بعد حرب الأيام الستة التي تداولها التاريخ.
في هذا الفصل (الصفر الأول) ترسم الروائية ملامح والد البطلة سوزي الذي يبدو كإبن بلد أصيل ممن تدربوا على أن يقدموا بطولاتهم المجانية ببساطة الموت تحت عجلات سيارة، بينما ملامح الأم التركية الأصول فهي لا تتوانى عن التأكيد على ولائها لبلدها، حتى إنها لا تغادر السويس حين تشتعل المقاومة الشعبية إلا بمعية مرآتها المؤطرة، آخر بقايا عائلة كانت مزدهرة في تلك الأيام الغابرة. أما في الفصل الثاني (الصفر الثاني) يتغير مسار البطلة سوزي التي تصبح رهينة في قبضة عاتية القوة للخال عاطف الذي لا يحمل من اسمه شيئا، رجل الأمن الذي يبدل شاراته كلما عذب أحدهم وقمع آخر، والذي يجمع زملاءها في الكلية (مجموعة شيوعية) ومعهم عصام (حبيب البطلة) و يزج بهم في المعتقل ليوجه صفعة لسوزي فتطاردها اللعنة طوال الصفر الثاني باعتبارها قريبة له.
الفصل الثالث (الصفر الثالث) يدخلنا جوا مشحونا بالتناقضات، فزواج سوزي من عصام لا يرجح طرف على الآخر، بل يؤكد الإنسحاق و كذا الخنوع الذي يخضعانها له. بينما الفصل الرابع (الصفر الرابع) يؤهلها تماما لإكتشاف أن العالم ليس فحسب بهذا السوء الذي تصورته بل أسوأ مما ظنت كذلك، حين يؤطر الخلفية بحث ينشر على الإنترنت لتبرئة يهوذا و هذا يعني بالدرجة الأولى إدانة المسيح بطريقة غير مباشرة.
إن المبدعة أمينة زيدان حاولت في هذا العمل الأدبي الخروج عن نمط السرد الكلاسيكي للأحداث و ذلك من خلال محاولة تفسير و تحليل مادتها و الوقوف على بعض العناصر المكونة لها و التقنيات الداخلية و التكنيك الذي استخدمته الروائية في تشكيل فصول روايتها حيث نلاحظ مثلا تركيزها على دراسة العالم الداخلي لشخصياتها محاولة الكشف عن مكنوناتها النفسية و تصوير ما يصطرع داخلها و هي وظيفة فعالة تساعد القارئ على فهم المعاني التي ما بين السطور و على سبيل المثال إشارة البطلة سوزي محمد جلال إلى أن الحرب قامت و قعدت على قدم نخبة حصلت على كل الأمجاد.
ما تحاول معالجته هذه الرواية يقع في دائرة القضايا المهمة ألا و هو موضوع الهوية من خلال نموذج نسائي يتمثل في شخصية سوزي التي تتخبط داخل المجتمع كإمراة تعيش بين الأنثى المنبوذة من الجميع لا لشيء لكونها أنثى و بين الذكر الذي لم تكنه يوما رغم أن طبيبها يكتشف زيادة هرموناتها الذكرية، فهي بشكل أو بآخر باتت تعيش صراع الهرمونات الإجتماعية بمعنى آخر صراع الذكور و الإناث.
إننا هنا لا نشعر بحضور الروائية أمينة زيدان بل نلاحظ أنها قد سلمت مهمة الحكي للبطلة و بشكل مستمر مما أضفى على شخصية سوزي حضورا قويا و قائما على طول الرواية حيث تذكرنا بشخصية ندى عبد القادر في رواية "فرج" للأديبة رضوى عاشور، و هو حضور مفعم بالحيوية و الحركة و الحياة. كما أن هذا الحضور المتحقق من خلال خطابها المباشر للقارئ يجعله يشعر و كأنه يعايش البطلة لحظة بلحظة مما يدفعه إلى تحقيق نوع من التواصل لإكتشاف مكنونات نفسيتها و خلجاتها و أفكارها و آلامها و كأنها تقيم معه جسرا من الصداقة مفعما بالصدق و الأمانة و التلقائية و منه نستنتج أن المبدعة زيدان استطاعت أن تقدم لنا عملا روائيا تتداخل فيه جملة من الذكريات و الأحداث التاريخية بإمتياز.

ليست هناك تعليقات: