2014/04/25

اللص الذى ضربته.. بقلم: أماني طلعت

اللص الذى ضربته 
(من مذكرات شاب فى ميدان التحرير) 
أماني طلعت
 إعتصمت مع من إعتصموا فى الميدان إقتناعا منى بضرورة إستكمال أهداف الثورة(عيش, حرية ,عدالة اجتماعية, محاكمة الرموز الفاسدة, الثأر للشهداء).فمطالبنا كثوار لم تنتهى إيمانا منا بأن المشوار لن ينتهى., خاصة بعدما ظهر من حصد أهداف ثورتنا, وقفز على أكتافنا, وبأصوات حناجرنا دون أدنى تعب منه, وبكثير من تضحياتنا. كنا نهتف فى حماس ونعتصم فى قوة وصبر يحسدنا عليه كثيرين رغم أن البعض يرانا مخربين., ونقوم بتضييع الوقت, وتعطيل الإنتاج أما نحن فنرى أنفسنا أصحاب حق ضاع وسط زحام الصراع على المناصب التافهة, والبريق الاعلامى الزائف. كان منا الموظف, وطالب الجامعة, والشيخ, والشاب الذى يرتدى أحدث خطوط الموضة ويصفف شعره عند أفخم صالون وقد جمعنا كلنا حب الوطن والبحث عن حلمنا المفقود . أما الشىء الوحيد الذى لم نحسب له حسابا فى تظاهراتنا واعتصاماتنا هو أن يندس بيننا من يفسد فرحة اجتماعنا من اللصوص والبلطجية وخاصة فى غياب الأمن تكون ميادين التظاهرات أرضا خصبة لتحقيق أهدافهم. كان كلا منا يعرف أفراد مجموعته إن لم يكن اسما فمن حيث الشكل على الأقل., فاللصوص والبلطجية كانوا يخربون ويصرخ الاعلام قائلا/ هؤلاء هم المتظاهرين فكرهناهم نعم كرهناهم بكل قوتنا وودنا أن نمسك بأحدهم ونمزقه إربا إربا فالأرض كانت تنشق وتلفظهم خارجها فجأة كنبت شيطانى خبيث ليفسدوا كل شىء ثم يعودون للإختفاء كالخفافيش مخلفين ورائهم الخراب والدمار وتاركين لنا الاهانة والتهم الباطلة . وقد اختارنى أفراد مجموعتى مع آخرين على رأس لجنة شعبية لتولى المهام الامنية على أحد مداخل الميدان وكان التعليمات الموجهة لنا هى منع أى شخص من الدخول تكون هيئته أو هويته مثيرة للإرتياب أو أى شخص مجهول الهوية أويرفض إطلاعنا على تحقيق شخصيته وكنت سعيدا بمهمتى أيما سعادة فطالما حلمت بأن أكون رجل أمن فهى أرحم بكثير من الهتاف الذى يلهب حنجرتى أحيانا. أما مواعيد الوردية الرسمية فتبدأ من الساعة السادسة صباحا حتى الرابعة عصرا مع زميلين آخرين .وفى أحد أيام الحراسة قبيل الظهيرة بساعة لمحت من على بعد شخص لم أتوقع وجوده فى هذا المكان وكان هذا الشخص فارع الطول نحيف القامة أسمر البشرة أكرث الشعر على وجهه آثار لألات حادة متعددة وبمجرد أن لمحته من بعيد عرفته إنه سيد الجمال الشهير بريشة الحدق أشهر لص فى حارتنا ومسجل خطر سرقات بالإكراه وسطو مسلح ونشل وصاحب ثلاث سوابق كان زميلا لى فى المدرسة ولكن اختار له والده طريق الإجرام ليخلفه فيه فظلت حارتنا تعانى من إجرامه إلى الآن ولم نكن نجرؤ فى الحارة على الإبلاغ عنه وكل المرات التى ضبط فيها كان خارج الحارة.فوجدت الفرصة سانحة هذه المرة لأثأر منه لحارتنا الطيبة واعتبرت نفسى بطلا شعبيا كأبوزيد الهلالى سلامة الذى رفع قومه إلى عنان السماء فقررت أن أكون أبوزيد الهلالى صلاح الذى سينقذ حارته من مخالب الزناتى ريشة الحدق فقمت بمراقبة ريشة وهو يحوم حول مداخل ومخارج الميدان ولكنه لم يلمحنى وزيادة فى التكنيك الامنى ارتديت نظارتى السوداء لأخفى هويتى عنه أما سبب وجوده فلم يكن يحتاج إلى التفكير فمن المؤكد أنه أتى إما للسرقة أو للتخريب. وبمجرد أن لمحته من بعيد يحوم حول مدخل إحدى العمارات إستجمعت شجاعتى وصحت بأعلى صوتى / (حرامى--- امسكوه). فلم يسعفه الوقت للإختفاء فى العمارة أو للهرب بعيدا وأحطنا به كما يحيط النمل بقطعة السكر وصرخت فى وجهه/ (يا لص-- يا حرامى---عاوز إيه من هنا مش هنسيبك). فنظر لى مستعطفا وقال/ ياصلاح – إحنا ولاد حارة واحدة وميصحش تعمل معايا كده سيبونى ياخوانا وأنا هروح لحالى. فضحكت ساخرا وقلت/(يا ألطاف الله ريشة الحدق فتى الحارة المرعب يستعطف معقولة ديه)!!!!! فهتف شاب من خلفى/( أكيد ده مدسوس من الفلول) وهتف ثانى/( لاده أكيد من الإخوان وجاى يخرب عشان الإعلام يشهد علينا) وصاح ثالث/ (ده مفسد فى الأرض ولازم تطبيق الحد عليه)., وهتف رابع/(لازم نأدبه علشان يكون عبرة لغيره).وهتف آخر فى حماسة الخطباء/(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)فسرت عبارته تلك فى أنفسنا كالتيار الكهربائى فقررنا أن نغير المنكر بأيدينا فعلا, وإلتففنا حول اللص ريشة كالطوق الحديد وصرنا نضربه ونركله بأيدينا وأقدامنا بكل قوة وتولى البعض الآخر مهمة السب والقذق بألفاظ من عينة ياكذا وابن كذا كنوع من المشاركة الوجدانية وكان يصرخ بكل قوته مستعطفا إيانا قائلا /كفاية- حرام – سيبونى وتطوع آخرون بالهتاف (الله أكبر—يسقط يسقط حكم المرشد—الموت للفلول) وكنت أضرب معهم دون وعى وفى حماسة بالغة ونسيت حينما كنا صغار كان دائما يقول لى /( والله أنا بحبك ياصلاح لأنك طيب ولكن أكل العيش له أحكام). نسيت كل هذا واشتركت معهم فى ضربه وقمنا بضربه ضربا لو ضربناه لفيل لهددناه. فتشوهت معالم وجه ريشة, وامتلىء جسده بالدماء من شدة الضرب, واختلطت دمائه بالتراب. وبدأ يخفت صوت صراخه رويدا رويدا حتى اختفى تماما ولفظ أنفاسه الأخيرة تحت أقدامنا مشيعا باللعنات فهتف الجميع فى حماسة بالغة/ (الله أكبر- الله أكبر)(هيه –هيه)., إلا أنا- أصابنى الذهول البالغ وتوقفت عن ضربه مكتفيا بموقف المتفرج عندما ثبت لى موته خاصة عند سماعى كلمته الأخيرة التى فاضت بعدها روحه وهى/ (والله أنا بحبك ياصلاح) وظلت كلمته الاخيرة تلك تدوى فى رأسى دويا عنيفا ومرت قصة حياته أمامى كشريط سينمائى من البداية الرقيقة إلى النهاية المفزعة فحزنت عليه أيما حزن وشعرت بفداحة إثمى أمام إنسان رغم سطوته وإجرامه ظل يحبنى حتى الموت فنفضت غبار الذكريات من رأسى محاولا التكفير عن ذنبى نحوه ولو بأقل القليل فشاهدت الزملاء يستكملون مهمتهم الوطنية من وجهة نظرهم بسحله على الارض, وركل جثته بأيديهم , وأقدامهم كما قاموا أيضا بتمزيق ثيابه, ونتف شعره والبصق عليه, وسبه باختصار مثلوا بجثته شر التمثيل رغم أننى حاولت منعهم من ذلك بكل ما تبقى لدى من قوة وإصرار ولكن كما يقولون الكثرة تغلب الشجاعة فابتعدت عنهم خشية أن يضربونى بالتبعية منتظرا ما ستسفر عنه الأحداث ومرت ساعة وهم على هذه الحال انتهت على أثرها رغبتهم فى الضرب وشفوا غليلهم ثم عادوا لأماكنهم تاركين جثته على حالها المزرية. أما أنا فأردت إستكمال التكفير عن ذنبى بكشفى لهويته والتسبب فى قتله فاقتربت من الجثة وقد علاها الغبارفامتلىء قلبى شفقة على صديق طفولتى فجمعت ثيابه لأستر عورته وغطيته بها, ثم نطقت بالشهادتين, وقرأت الفاتحة على روحه ثم استغفرت الله لى وله مقررا بينى وبين نفسى أن أخرج كفارة على فعلتى التى اعتبرتها قتل خطأ واسترعى انتباهى حافظة نقوده الملقاة بجوار جثته فدفعنى الفضول لأقلب فيها وكان من الغريب أننى لم أجد مع لص محترف مثله سوى مبلغ عشرة جنيهات ولكنى وجدت مفاجأة جديدة فى انتظارى أصابتنى بالصاعقة ألا وهى روشتة معتمدة من طبيب معروف بمعهد الأورام تحمل اسمه ولم يكن من الصعب على كطبيب صيدلى أن أكتشف أن صديقى ريشة بناء على ماهو وارد بالروشتة مصاب بالسرطان ويخضع للعلاج الكيميائى والعقاقير فلم أتمالك دموعى هذه المرة وبكيته بحرقة بالغة. فباغتنى أحد الزملاء من خلفى يقول مزمجرا/ إنت بتبكى ليه ده حرامى ومخرب وأخد جزائه خلاص ., فجففت دمعى وقلت محاولا النجاة/ أنا مش ببكى عليه أنا بس افتكرت واحد صاحبى اسمه سيد كان شبهه ومات . فتركنى متمتما بكلمات غير مفهومة ثم تابعت مشوار التكفير عن ذنبى بحقه واتصلت بالإسعاف وعدت لمكانى فى نوبة الحراسة دون أن يفارقنى صوته وهو فى النزع الاخير حينما قال (والله أنا بحبك ياصلاح)

تمت.
(ملحوظة ليس الهدف من القصة هو الإساءة للثورة أو الثوار وإنما هى مجرد فكرة ليس إلا )

ليست هناك تعليقات: