2014/04/30

"الحق شهيد" قصة بقلم: خيري عبدالعزيز



الحق شهيد 

خيري عبدالعزيز
   "أيه يا سيد... دا أنا لسه سيباك يا ضنايا... دا مفتش سنه على الفراق يا حبيبي؟!.."
     يغمض سيد عينيه المنهكتين, ويضع رأسه الصاخب ببقايا طنين - ظنه لن ينقطع - بين كفيه, ويطرق إلى الأرض ..
    "إرادة الله يا أمه ..."
   ترفع الأم وجه ابنها, لتقرأ في عينيه – كعادتها– خبر ما يخفيه, فيهلها أن ترى ملامحه ضائعة بين زخم من الكدمات الحمراء والزرقاء..
    تحتضن رأسه ملتاعة..
   "أيه إلي في وشك ده يا سيد؟!"
    يربت سيد على ظهرها حانيا, ويقبل رأسها..
   "خلاص يا أمه ... كل شيء انتهى.. معدش تعب.."
    يبرق في رأسه مشهد جلاديه, وهي تتحسس أثار السياط على ظهره؛ فتشهق, ويرتفع نحيبها.. يمسك يدها ويقبلها..
  "قلتلك خلاص.."
  وبصوت خرج مشروخا متحشرجا:
" من عمل فيك كده يا حبيبي؟!.."
   يجيب:
   "الظلمه يا أمه.."
   تتحسس لحيته المرسلة وهي تنتحب, وتشعر بوجع في قلبها يكاد يفطره..
 "مش قلتلك خلينا جنب الحيط يا سيد"
   يرنو سيد بنظره إلي السماء ويتمتم:
"الحق غريب يا أمه .. شريد يا أمه .. طريد يا أمه.."
تزيد الأم من ضمه إلى صدرها وتقبل رأسه..
"وشهيد يا حبيبي.."
تنير وجهه ابتسامة فيما يلثم جبهتها..
"طيب .. وهو فيه بعد الشهادة يا أمه"
*   *   *
     تنتفض الزوجة من نومها, وتتحسس مكان زوجها الشاغر, فلا تجد سوى وليدها ذو الأعوام الثلاثة.. تشعر بغصة ألم الوحدة والفراق تسد حلقها, فتبتلعها مع حبات الدموع المالحة.. تضم وليدها إلى صدرها المتاع, وترنو ببصرها إلى السماء... تتمتم:
    "الله يرحمك يا سيد .. الله يرحمك يا أمه "

 

ليست هناك تعليقات: