2015/10/02

مجلة «علامات في النقد»في عددها:79 احتفاء بقضايا تـحليل الـخطاب ونظريــــة الأدب



 مجلة «علامات في النقد»في عددها:79
احتفاء بقضايا تـحليل الـخطاب ونظريــــة الأدب
د.محمد سيف الإسلام بوفـلاقــــة
جامعة عنابة-الجزائر

              صدر مؤخراً عن النادي الأدبي الثقافي بجدة في المملكة العربية السعودية،العدد:79،من مجلة «علامات في النقد»،والخاص بشهر رجب1438هـ-يوليو2014م، وكما عودت المجلة قراءها على مدى أكثر من أربعين عاماً،فقد احتوى العدد على كمٍّ وافرٍ وغنيٍّ من المقالات المتميزة، والتحليلات  المعمقة، والمراجعات المهمة، و المناقشات الثرية، أُخرِجت في قالب فني مميز،وقد جاءت افتتاحية العدد التي كتبها الباحث معجب العدواني؛عضو هيئة تحرير المجلة،تحت عنوان:«أبوية النقد ومحاكاته»،مما ذكره فيها أن النقد في عمومه لم يكن يوماً تصوراً أبوياً،ولم يكن أيضاً محاكاة فاشلة،بل كان وما يزال درساً يتلمس المنهج العلمي في إقامته مشروعه،ولو كان الأمر كما يذكر البعض بأنه محاكاة فاشلة للإبداع،وتصور أبوي للفن،لقلَّ دوره في فضاء المنجز الإبداعي،ولما نشأت الأجناس الأدبية،وتطورت بعد سك قوانين التجربة الإبداعية،ولذلك فإن إقامة مبدأ الانفصال يبدو أمراً لا يراعي دور النماذج النقدية والشعرية على سبيل المثال في إخراج نموذج متوافق ومختلف،فالقراءة التي يخصصها الناقد،أو المبدع،تنهل من الحقل نفسه إن لم تكن تتفق على النصوص الرئيسة في الثقافة...
           وقد وصف معجب العدواني العدد الجديد من مجلة«علامات في النقد»،والذي حمل رقم79،بقوله: «يضم هذا العدد الذي نقدم له،وهو العدد79 من علامات في النقد،بحوثاً علمية جمعها درس الشعر ونقده،لكنها تباينت في موضوعها،وذلك في مراوحتها بين نقد الشعر القديم والحديث،كما تمايزت في اعتمادها على إجراءات منهجية متنوعة المشارب،ولكنها اتفقت في مجموعها في دحض المقولتين السابقتين عملياً،وذلك في تباعدها النظر إلى النص الشعري من زاوية أبوية،ولم تكن في منطقة المحاكاة الإبداعية المزعومة،بل نظرت إلى النص في إطار إبداعي خلاق،وهو ما جعلها تمثل مرحلة مهمة من الدرس النقدي للإبداع الشعري العربي،وشكلت قيمة نقدية تضم إلى الحقل الأدبي في ثقافتنا».
             كتب الباحث يحيى شعيب المقال الأول في المجلة،ووسمه ب :«قضايا بيانية»،قام فيه بفحص ودراسة مجموعة من القضايا البيانية،حيث استهله بقوله:«إن الكثير من الصور البيانية ترتكز في أساسها على الصفات،غير أن كل صورة لها حدودها التي لا تتجاوزها منها،فنحن نعلم أن التشبيه مبني على إلحاق أمر بأمر في صفة تجمع بينهما،بحيث تكون هذه الصفة أقوى في المشبه به من المشبه...،كما أننا نعلم أن الاستعارة المكنية تُبنى في تحليل الكثيرين على تشبيه خفي،حُذف فيه المشبه به،وبقي أحد لوازمه كناية عنه...،من هنا نجد أن التشبيه والاستعارة كلاهما يقوم على وجود صفة في كل منهما يصح بها عقد الصورة البيانية،وصفة التشبيه هي وجه الشبه الذي يشترك فيه الطرفان،وصفة الاستعارة المكنية هي اللازم الذي انتزعاه من المشبه به،وألبسناه للمشبه حتى صار كأنه من خصائصه،وملائماته،والحقيقة غير ذلك...».
             ونشرت المجلة بحثاً للناقد سعيد بكور بعنوان:«في مفهوم الشعر والشاعر-كتاب العمدة لابن رشيق نموذجاً-»،أشار في  تقديمه له إلى أن النقاد القدماء أمثال ابن طباطبا،وابن رشيق،وحازم القرطاجني أفردوا كتباً خاصة للحديث عن الشعر وما يدور في فلكه،ونجد في ثنايا هاته الكتب والمصنفات محاولات جادة للقبض على مفهوم للشعر يحدد ماهيته،وحدوده،وخصائصه،وأثره في المتلقي،فكثيرة هي التعاريف التي أثبتها هؤلاء،وغزيرة هي الإشارات الخفية،أو الجلية التي نستطيع من خلالها تبين خصائص القول الشعري...
               وقد تساءل الباحث:فما المقصود بالشعر عند ابن رشيق؟وما العناصر التي بتضافرها يتشكل مفهوم جامع مانع للشعر؟وهل يمكن أن نحكم على كلام بالشعرية من خلال توفره على عنصري الوزن والقافية فقط؟أم أن هناك عناصر أخرى تتدخل وتدلي بدلوها،وبدونها يفقد الشعر شعريته؟ألا يعد الشعر الخالي من الحلى الشعرية قولاً مغسولاً ليس له إلا فضل الوزن؟ونتساءل ختاماً عن السبب وراء اشتراط الوزن والقافية في كل تعريف كان يروم تحديد ماهية الشعر؟
                أما الباحث الجزائري الدكتور عبد القادر فيدوح،فقد خصص مقاله للحديث عن:«بلاغة التوازي في الشعر العربي المعاصر»،وقد خلص في ختام مقاله إلى أن الأمر يتطلب توفر قدر عال من القدرات المعرفية،والمهارات الذوقية،لتجاوز عرض الصورة في شكلها المرسوم،إلى خلق ممكنات لهذا البياض،فالشاعر يحاول توظيف البياض في توازٍ مع النص الأساس،المكتوب،ليشكل تصوراً في مقاطع حركية،تتلون بألوان ذهنية لما تدل عليه،يبقى فيها القارئ مرتبطاً بعالم أشبه ما يكون بعالم الفانتازيا،حيث يتشابك الحضور مع الغيبة...
             كما اشتمل العدد   أيضاً على مقال للباحث الجزائري محمد سيف الإسلام بوفلاقـة من عنابة،خصصه للحديث عن :«الاتجاه البدوي في الشعر الأندلسي-منظور فوزية العقيلى نموذجاً-»،وقد ناقش محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مستهل بحثه مجموعة من القضايا التي تتعلق بظاهرة التقليد والتجديد في الشعر الأندلسي،حيث جاء في تمهيده: « قاد الوضع الإشكالي للشعر الأندلسي، في توزعه بين التقليد والتجديد، إلى بروز جملة من الرؤى، والأفكار التي تتصل بتوصيف ظاهرة الانتماء في الشعر الأندلسي،فهناك من يرى أن الشعر الأندلسي بوجه عام،مر بأطوار ثلاثة رئيسة،حيث شكل الطور الأول،شعر التقليد لأدب المشرق،وينطلق منذ فجر عصر الأمويين في الأندلس، حتى القرن الخامس الهجري،ومن شعرائه ابن عبد ربه، و ابن هانئ، وابن شهيد، وابن دراج القسطلي وغيرهم.والطور الثاني،وهو يندرج في إطار المرحلة الثانية،التي حددها بعض النقاد،بأنها تبدأ من القرن الخامس،وفيها أخذ الشعراء يصدرون عن حاضرهم، و يمثلون بيئتهم ومظاهرها، والنفس ومشاعرها،مع الأخذ بحظ من التقليد،فكأن هذه المرحلة جمعت بين التقليد،وبين بعض بوادر التجديد،ويمثل هذا الطور ابن زيدون ،وابن عمار، والمعتمد بن عباد، والأعمى التطيلي، ومن إليهم من شعراء ملوك الطوائف ،الذين يجمعون طرافة البيئة إلى معاني الشعراء السابقين،أما في نهاية هذا القرن،فقد تم انتصار الجديد، واتسعت حركة الموشحات.
     أما الطور الثالث فيضم شعراء القرن السادس، وما بعده، وفيه أخذ الشعراء يمثلون البيئة، وتجتمع لهم الحداثة والجدة،ويمثل هذا الطور من الشعراء، ابن حمديس، وابن عبدون وابن خفاجة، وابن سهل،ولسان الدين بن الخطيب، وابن زمرك ،وغيرهم  
         ويذهب بعض الباحثين إلى أن شعراء الأندلس آثروا أن يعيشوا في أجواء المحافظة،واجتهدوا في الالتصاق بالموضوعات التقليدية،فهم قد  حلوا بأجسادهم عن الشرق،ولكن تراث أمتهم، بقي ماثلاً في شغاف قلوبهم،يشدهم إليه رصيد عاطفي، وثقافي لا يحد،وهكذا فقد كان من الطبيعي أن يصدر الأندلسيون في موطنهم القصي أدباً مشابهاً لأدب أرومتهم في المشرق،أي أنه أدب يتسم بطابع المحافظة، ويعبق بسمات الأصالة،فقد كانوا يعيشون في تلك الجزيرة، وعيونهم ظلت تتأمل الشرق،وتجاربهم الأدبية تقلد الإبداع المشرقي، ولا نعجب من هذا الأمر، ففي المشرق ثقافتهم الإسلامية الأصيلة، ومنبع لغتهم العربية العريقة،ومصدر تقاليدهم الفنية الراسخة،ولم يكن ليغيب عنهم قط أنهم هنا الفرع، وأن هناك الأصل،ولهذا كانوا يحسون بما كان يحس به كل فرع، من نزوع نحو أصله...،هذا الطابع الذي تجلى في حياة العرب في الأندلس،وانعكس جلياً في شعرهم،ونعني به روح المحافظة،ونزعة التقليد، والنزوع إلى الأصالة، إنما كان على أشده أثناء عهود العرب الأولى في الأندلس،وبخاصة في مرحلة الفتح ،وما تبعها من مراحل التواجد العربي في تلك الربوع الغربية،حين كان كل شيء في نفس الأندلسي، يجعله يلتفت إلى ماضيه، الذي غيبه و أرضه التي طواها،على حين كانت نفسه، ما تزال تستعصي على الالتحام في البيئة الجديدة،وتقاوم الذوبان في ظل مؤثراتها، ومنازع حياتها».
              وتضمن العدد دراسة للباحث بشير محمودي عن:«البنية الأيقونية في شعر امرئ القيس-دراسة سيميائية أنثروبولوجية-»،وكتب الناقد المغربي جميل حمداوي موضوعاً عن:«السرقات الأدبية والفكرية»،حيث يعدها ظاهرة إنسانية قديمة،فيذكر في مقدمة بحثه أنها ليست ظاهرة حديثة،بل عرفها الإنسان القديم في مختلف الحضارات،فقد كانت عند البعض ظاهرة طبيعية في التعامل مع الأفكار الأدبية،وغير الأدبية من باب التقليد،والمحاكاة،والتكرار،والاجترار،ويرى البعض أنها ظاهرة ثقافية،وإبداعية مشينة تتميز بتعدي الغير أو الآخر على حقوق الإنسان المبدع،أو المفكر،وهكذا،فقد تناول النقد العربي القديم قضية السرقات الشعرية،فاعتبرها صفة سلبية،وعيباً مشيناً ينقص من قيمة الشاعر،أو المبدع.
              وقدم عبد الحميد المرابط دراسة عن:«أسلوبية النص الشعري بين التراث ومحاولات التحديث»،في حين ناقش الكاتب محمود فرغلي إشكالية:«نص المعارضة وإعادة إنتاج المعنى»،ونجد مساهمة للباحث علاء الدين فتحي محمد الجابري،تتعلق ب:«براعة الاستهلال عند أحمد شوقي»،كما نلفي مقالاً عن:«الاعتبارات السياسية وأثرها في شعر شوقي» كتبه مصطفى يعقوب عبد النبي.
           أما الدراسة الأخيرة،فقد تطرق فيها عبد الغني حسني إلى موضوع:«المزج بين الأشكال والأوزان في شعر أدونيس»،ومن أهم ما نبه إليه في هذه الدراسة أن أهم ما أضافه أدونيس إلى مسألة المزج بين الأوزان يمكن تلخيصه في نقطتين:
   أولاهما هي النسبة المرتفعة من القصائد الممزوجة الأوزان،مقارنة بغيره من الشعراء المعاصرين.
  وثانيهما هي كثرة اهتمامه بالمزج غير المقطعي بينها،وخاصة بين بحرين مأثورين عنده هما الخفيف،والمتدارك.
         غير أن الباحث لاحظ أن الشاعر أدونيس تراجع عن هذا الأسلوب بشكل كامل في ديوانيه الأخيرين: :«تنبأ أيها الأعمى»،و«أول الجسد آخر البحر».
  

ليست هناك تعليقات: