2016/12/10

قراءة في رواية ( العين الثالثة ) للدّكتور حبيب مونسي بقلم: عبد الله لالي



قراءة في رواية ( العين الثالثة ) للدّكتور حبيب مونسي
بقلم: عبد الله لالي
مدخل..
( العين الثالثة ) للأديب الرّوائي حبيب مونسي رواية فلسفيّة بامتياز ، تطرح كثيرا من الأسئلة بل طوفانا من الأسئلة ، تجعل الذّهن يتّقد والفكر يتأجج ، وتسرح في مفهوم الزمان والمكان ، وتتجوّل في أبعاد الذّات الإنسانيّة غير المكتشفة ، قرأتها بمتعة هي فوق الوصف، البعد الفلسفي فيها امتزج بالأدبي والنقدي ، فالتحما التحاما عضويّا متينا، وغلبت الفلسفة على الحبكة والعقد المشوّقة التي يمكن أن تستهوي عامّة القرّاء ، ولذلك فهي رواية تستقطب بالأساس الطبقة المثقّفة من القرّاء ثقافة عالية .. هي رواية في 154 صفحة ، صدرت عن مكتبة الرّشاد للطباعة والنّشر والتوزيع ( الجزائر ) عام 2009 م. 
اختزال إجباري:
هو يشبه إلى حدّ ما عملَ مَن يطوي مضلّة الهبوط الضخمة في حقيبة ظهر صغيرة ، ثمّ يعمل على فتحها في الوقت المناسب ، لينزل إلى الأرض نزولا آمنا بعد أن يشبع روحه من متعة التحليق ، ذلك ما سأحاول القيام به مع رواية ( العين الثالثة ) للدّكتور الأديب حبيب مونسي ، هي رواية فلسفيّة تروي قصّة شاب دخل السّجن خطأ، إذ أنّه وجد يُعتقل نفسه وهو يمشي بين جماعة مشاغبة من مشجعي إحدى الفرق الرّياضيّة ، وكان مصيره أن تزج به الشرطة في السّجن ومعه رجلان، أحدهما كهل والثاني شاب..
ووجد نفسه بين أربعة جدران محبوسا مثل اللّصوص والمجرمين ، لا لشيء فعَلَه ولكن لحكمة الأقدار التي وضعته في هذا الموقف الصّعب ، وبدلا من أن يغضب ويسخط أو يحتجّ ، نظر إلى الأمر من زاوية مختلفة ، حاول التأقلم مع المكان والتفكّر في مدلولات مضيّ الزمن ، إنّها فرصة لفهم الحياة أكثر من خلال لحظة سكون إجباري..
في تلك الأثناء نام بعمق فرأى حلما غريبا ، فلما أراد أن يقصّه على رفيقَيه ؛ فوجئ بأنّهما رأيا الحلم نفسه ، وهنا يتغيّر مسار القصّة ، ويدخل فيها بطل ثانٍ ، بطل الحلم الذي رآه السجناء الثلاثة ، وهو شاب يعمل في بعض دوائر الأرشيف الحكوميّة ، وفي لحظة ضعف قام بتسهيل بعض المعاملات المشبوهة ، ليحظى بصفقة العمر التي تنتشله من دائرة الفقر ، ويحقق الحلم العظيم في الحصول على الثلاثي الذي يتطلّع إليه كلّ شاب ؛ ( المرأة / السّكن / السيّارة  ) ، ولكنّه في نهاية المطاف يجد نفسه موقوفا ليزجّ به في السجن ، ثمّ يكتشف لاحقا أنّ جماعة ( اللّصوص الكبار ) هي من استدرجه ودبّر له ذلك الأمر ، فيعقد العزم على الانتقام منهم ، ومحاربتهم بأسلحتهم فقد أخذ كامل احتياطاته من قبل، وجهّز الملفّات اللازمة التي تُدينهم ، ويؤنّبه ضميره وتستيقظ الأخلاق التي كاد يقبرها في صدره ، فيرفض كلّ عروض الإغراء والإغواء التي تُقدّم له البراءة والحريّة والترقيّة في منصبه على طبق من ذهب، شريطة أن يكون متعاونا ويدخل الصّف مع جماعة ( اللصوص الكبار ).
 يصرّ على موقفه ويزجّ بكثيرين منهم في السّجن ، لكنّه في النهاية يلقى المصير المحتوم ، فقد وُجد ذات صباح مشنوقا بزنزانته ، ويرى السجناء الثلاثة الذين دخلوا الزنزانة نفسها بعد موته بثلاثة أشهر يرون تفاصيل قصّته في حلم مشترك ، كلّ واحد منهم يكمّل حلم الآخر ، ويأسفون في نهاية المطاف لموته ، لكنّ بطل القصّة الأوّل الذي هو في الأصل مدمن قراءة روايات ؛ يقرر الانتقام بطريقة عجيبة، وهي أن يكتب قصّته ويوصلها إلى النّاس ..
تلخيص قد يفي إلى حدّ ما بوقائع الأحداث ( الظاهريّة ) ، لكنّه لا يقدّم شيئا كبيرا من فلسفة الرواية العميقة ، وأسئلتها الكبيرة التي تطوّح بالرؤوس ذات اليمين وذات الشمال ، وتفصيل ذلك في القراءة المتأنيّة والتحليل المتتبع لعمليّة السّرد بشيء من التفصيل وإلقاء الأضواء الكاشفة.. !
في المضمون:
الرواية لا تقدّم حدثا معتادا كما يصرّح بذلك المؤلّف نفسه أثناء عمليّة السّرد ، بل تقدّم فلسفة فهم أبعاد المكان والزمان والنّفس البشريّة في أصغر وأبسط تفاصيل الحياة ، ومن زاوية خارجيّة سمّاها المؤلّف ( العين الثالثة ) .. وهي العين التي قال عنها :
" .. المهم أن يعلم الواحد منّا أنّه إذا خالف طبيعته صار مسخا حقيرا مقرفا .. وأنّك إذا دققت في النّاس ونظرت إليهم بالعين الثالثة رأيت الشوارع تكتظ بالمسوخ وهم يترنّحون في مشيتهم بين اختلال في الوزن ، وتشوّه في البنية ، وكأنّك تطلّ على لوحة من لوحات الجحيم .." ص 153.
فالعين الثالثة هي رؤية خارج الذّات من بُعد آخر مختلف، تجعل الإنسان لا ينغمس في حمأتها ، بل يراها من مكان مرتفع فيرى كلّ البشاعة والسّوء الذي فيها بعين ثاقبة ، حتى ولو كان هو أحد مشاريع ( المسوخ ) التي تعبّ في الحمأة.. !
سحر العنوان:
عنوان الرّواية يحمل كثير من السّحر والجاذبيّة ، لكونه ينطوي على شيء من الغموض ودهشة التساؤل ، ترى ما هي العين الثالثة ؟ ما المقصود بها ؟ وما تخفي وراءها ؟ وهو تساؤل مشروع يطفو إلى ذهن كلّ متلقٍ ينطبع العنوان في ذهنه لأوّل وهلة ، ويبقى السؤال عالقا إلى آخر صفحات الرواية حتّى يفضي المؤلّف بشيء من ظلال ذلك العنوان..
وفي العنوان نفسه دعوة إلى رؤية مغايرة ، تستبعد المعتاد والركون إلى المألوف أو الانسياق مع التّيار ومسايرته ، هي دعوة إلى رؤية ثاقبة بعين البصيرة ..
الإطار الزماني والمكاني:
بما أنّ الرّواية تناقش مسألة مفهوم المكان والزّمان فلابدّ من التعرّف على الفضاء الرّحب لهذا المفهوم داخل الرواية..
الفضاء الزماني: 
لم يحدّده السّارد بدقّة .. أقصد أنّه لم يحدد سنة ولا شهرا أو يوما ، بل لم يحدّد حتى العصر بشكل مباشر، لكنّه يفهم من خلال سياق تطوّر الأحداث ، وبعض دلالات الألفاظ التي تشير إلى الزمن المعاصر ، مثل فرق تشجيع كرة القدم ، وعالم الإدارة والأعمال التي لم تعرف بشكلها الذي نعرفه الآن إلا في زمننا المعاصر..
ذلك لأنّ المؤلّف يناقش مسألة الزّمن بمفهومها العام الذي لا يمكن أن ينحصر في عصر دون عصر، أو حقبة دون أخرى ، فالبطل مثلا الذي كان غارقا في عالم الرّوايات يقرأها بنهم ويقبل عليها بشراهة، كان الزمن عنده يجري بتدفق كبير كان الزمن عنده ضوئيّا ، لا يكاد يكفيه لإنجاز طموحاته ورغباته في قراءة كم كبير من الروايات ، ومن هنا فالزمن عنده سريع خاطف ، خفيف الظّل لا يكاد يشعر بمروره ..
في حين أنّه لمّا أُلقي به في الزّنزانة صار عنده فائض من الوقت ، وصار الزمن يمرّ ثقيلا متباطئا ، حتّى أنّ رفيقَي السّجن دعواه إلى قتل الزمن بالمشاركة في لعبة الورق التي كانا منغمسين فيها ، حتى لا يشعرا بثقل الزمن ووطأته.. وهنا التفت البطل إلى الفرق في الشعور بالزمن بين حياته قبل السجن وحياته داخل السجن ، يقول المؤلّف في ص 06 :
" لقد كان هذا الشعور الغريب ، المعضلة الكبرى التي جعلتني ألتفت إلى الزمن، لأرى فيه صورة جديدة، بعيدة عمّا كنت أألف فيه في سابق أيّامي.. كنت كثيرا ما أقلق من سرعة تحوّله وذهابه، وأنا أقلّب أوراق الرواية. فأرفع بصري إلى ساعتي متذمرا، وأعد نفسي بزمن أطول أتلذّذ فيها بما انبسط أمامي من مشاهد مختلفة، وبما خالط نفسي من أحداث الرواية من مشاعر وأحاسيس، لقد كانت دورة الأفلاك سريعة، تطوى فيها السّاعات والأيّام على الهيئة التي أطوي فيها الأوراق والفصول. غير أنّ للزمن اليوم شأن آخر لم أكن أتصوّره من قبل، أرى فيه العذاب الذي لا عذاب أشقّ منه ولا أكبر.."
والجميل أنّ البطل يحاول التأقلم مع هذا الزمن البطيء الثقيل ، ويحاول استثماره ، إنّه فرصة لتأمّل الزمن والذّات والكون من حوله ، فرصة لإعادة قراءة الحياة من جديد ، بطؤ الزمن وثقله أفضل من الارتماء في لعبة الورق التي تغرق صاحبها في الوهم والمشاعر المتناقضة ، يقول المؤلّف على لسان بطله بعد ذلك في صفحة  09 :
" .. أفضّل سحق الزمن على أن أنصاع إلى داعي اللعب بالورق.. كنت أفضّل أن أواجه كبرياء الزمن وجها لوجه، بدل أن تطوّح بي دوّامات الورق المتطاير في آتون المشاعر المتناقضة التي أقرأها في وجهي اللاعبين.. "  
الفضاء المكاني:
بالنّسبة للمكان كان السّجن هو البؤرة الرئيسيّة التي تدور فيها الأحداث ، ثم تنداح بعد ذلك إلى خارجه لتمسّ إدارة الأرشيف حيث يعمل بطل القصّة الثاني ، أين تنسج خيوط قصّة ثانية داخل القصّة الأولى ، ويصير البطل الأوّل ما هو إلا قناة موصلة إلى البطل الثاني عبد الحقّ ، الذي تشغل أحداث حياته معظم حجم الرواية..
لكنّ المكان هنا أيضا له بعد فلسفي عميق لا ينحصر بين أربعة جدران ، بل يكاد يتجاوزه إلى المفهوم المطلق للزمن ، بحيث يكون الانتقال إليه بالاسترجاع أو الرؤيا ، أو الحوار وفي هذه النّقطة بالذّات يلتحم الزمان بالمكان ، ولا يصير بينهما إلا فارق دقيق كحدّ الشعرة ، ولعلّ المكان لا قيمة له بغير الزمان، ويصلح الحكم نفسه في الزمن وتحوّلاته ، فلا مكان بغير زمان ولا زمان بغير مكان.. !
وقد عبّر الكاتب عن ذلك بالحديث عن التجلّي الذي حدث لدى بطله حين قال:
" وكأنّ الفتى قد عثر في الزمان والمكان على فتحة تتيح له السّفر عبرهما إلى عوالم غريبة "
كأنّه حلم كأنّه رؤيا، كأنّه عبور إلى عوالم أخرى خفيّة تدخل ضمن قول الله تعالى " ويخلق ما لا تعلمون " ، ولكي يتضح الأمر أكثر أو ليتعقّد أكثر يقول المؤلّف ص27 :   
" كنت أريد أن أسأله عن المكان وسلطته ، وعن الزمان وقهره، وهل يتعذّر علينا أن ندرك حقيقتهما إلا في مثل تلك الأمكنة.. لم أجد الشجاعة لتسمية المكان باسمه. ورأيت ابتسامته الشاحبة ترتسم على شفتيه ، وكأنّه يقول لي ليس في الأسماء ضير .."
وهذا يفضي بنا إلى الحديث عن شخوص الرواية..
البناء الفنّي لشخوص الرّواية :
يظهر في الرّواية بطلان أساسيان ، لم يشأ المؤلّف أن يسمّي الأوّل منهما ، ولا بقيّة شخوص الرّواية ، إنّما سمّى البطل الثاني لرمزيّة اسمه ودلالته العميقة ( عبد الحقّ ) ، وقد ناقش الرّاوي معضلة تسمية الشّخوص ، وكسر بذلك آلية السّرد المتلاحق الذي يختفي فيه الرّاوي أو ( المؤلّف ) خلف الأحداث، ووقف مرّتين أو ثلاث يناقش المسألة قبل استئناف عمليّة السّرد ، وسنعرض لذلك في حينه عندما نتحدّث عن الأسلوب السّردي.
البطل الأوّل :
كان هو الرّاوي نفسه للأحداث ولم يذكر اسمه في الرّواية ولم يحفل المؤلّف بصفاته الجسديّة ، لكنّه ذكر جملة من صفاته التي تدلّ على شخصيّته ، من خلال حديثه عن نفسّه ، إذ كان مدمنا على القراءة عاشقا للرّوايات يكره لعبة الورق ويرى أنّها مضيعة للوقت ، بل هي أكثر من ذلك هي تشبه إلى حدّ ما الشيطان الصّغير الذي يتلاعب بعقول اللاعبين ، يقول في ص 05 :
" لقد كانت لعبة الورق، في مقابل القراءة مضيعة للوقت، وتبديدا للجهد فكنت كلّما رأيتها أنفر منها ، وألوذ سريعا بالعوالم التي تتكشّف أمامي في صفحات الرّوايات.."
ثمّ يقول في ص 08 :
" لقد كانت ( أوراق اللّعب ) في نظري – وأنا أرقب رفيقيّ – شيطانا ضعيف البنية ، هيّن القوام ، إلا أنّه أصلب من العناد نفسه.."
فالبطل هنا يظهر شخصيّة مثقفة ملتزمة جادّة، لا ترى في الحياة لعبا أو لهوا يضيع فيه عمر الإنسان، ولعلّ المؤلّف هنا أضفى على البطل شيئا من شخصيّته هو ، وجزءا من تفكيره وخصائصه النّفسيّة[1] ، فالمؤلّف رجل مثقّف من الطبقة الأولى ، التي تعتبر الكتب والرّوايات الفضاء الأساسي الذي تقضي فيه الجزء الأكبر من حياتها ، وهو أيضا رجل ملتزم يعترف من بداية الرواية أنّه لا يعرف لعبة الورق ولا أتقنها يوما ما، كما أنّه ليس من مشجعي كرة القدم ولا من هواتها وإنّما دخل السّجن بسببها صدفة، وغالب الظّن أنّ المؤلّف أيضا لا علاقة له بكرة القدم ولا هو من متابعيها..
أمّا صاحباه في السّجن فلم يصفهما الكاتب إلا بأنّ أحدهما شاب والثاني كهل ، وهما من مرتادي السّجون ، ولهما بها خبرة وتجربة ، ولذلك يلجآن إلى الحلّ السّحري الوحيد بين تلك الجدران الأربعة؛ وهو لعب الورق لتزجيّة الوقت ، وعدم الشعور ببطء الزّمن أو ربّما توقّفه..
البطل الثاني ( عبد الحقّ ):
وللتسمية مدلولها المقصود ، فالأحداث التي خاضعها اقتضت أن يكون مع ( الحقّ ) ويقول ( الحقّ ) ولو على نفسه ، بل لما أراد رجال العدالة والقانون والصحفي الذي حاوره في السّجن أن يلتمسوا له العذر ؛ أبى ذلك وأقرّ بتحمّله نصيبا من الجرم ..
عبد الحقّ موظّف بسيط في إدارة الأرشيف بإحدى المؤسّسات الحكوميّة ، يبدو منضبطا وملتزما في عمله ، لكنّه فقير يعيش معاناة كبيرة يريد أن يتزوّج وريد أن يخرج من دائرة الفقر والمعاناة ويريد أن يحقق حلمه المشروع في ( الزوجة والسكن والسّيارة )، وفي لحظة ضعف ، لحظة وهن ؛ استسلم لشيطانه وأراد أن يشارك في صفقة من مشبوهة..
تبدو شخصيّته إلى هنا طبيعيّة ، فهو رجل مستقيم لكنّه معرّض للخطأ وارتكاب المعاصي مثله مثل عامة النّاس، لكنّ تصرّفه فيما بعد ، بعد يقظة الضّمير وبعد صحوته أظهر شخصيّة صلبة شخصيّة عنيدة، يأبى أن يستمرّ في الخطأ ويأبى أن ينزل داخل البؤرة الموبوءة ، وهو بعد ذلك يقف في وجه التيّار العاتي ، إلى أن كانت نهايته القتل المشبوه ..
بقيّة الشخصيّات الأخرى فضّل الكاتب أن يرمز لها بحروف (  س /  ف / ك .. ) ، وهي شخصيّات نمطيّة، منها المئات إن لم يكن الآلاف في كلّ زمان ومكان ، ولذلك لا حاجة لتسميتها بأسماء محدّدة ومعروفة ، فلن يزيد ذلك في إضفاء تميّز معين على شخصيّاتها ، المهم أنّها شخصيّات غرقت في الخطيئة إلى الأذقان، وتلك النماذج المذكورة كانت ضمن عصابة منظّمة من المسؤولين ، ترتشي وتنهب المال العام، وتستغل مناصبها في المؤسّسات الرسميّة للرفاهيّة وبسط النفوذ والثراء الفاحش، والخاصيّة الوحيدة الجامعة بينها هي التواطؤ على الفساد ..      
واستطاع المؤلّف أن يعطي لكلّ شخصيّة من هذه الشخصيّات صفاتها ( المقيتة ) التي تدلّ عليها، وقد قدّم المؤلّف بين يدي رسم هذه الشخصيّات موقفه من الفنّ التشكيلي ، الذي رآه غامضا ومشوّشا أو عبارة عن خطوط وألوان متشابكة في غير معنى واضح ، وكأنّ الفنّ التشكيلي يعبّر عن هذه الشخصيّات أدقّ تعبير ، وفي ذلك يقول على لسان بطله ص 76:
" كانت فكرة الفنّ التشكيلي فكرة ممجوجة ، فنفسه تنفر منه دوما حين يراه في بعض لوحات الرزنامات أو المجلات.. غير أنّه في غموضه يشاكل غموضهم وضبابيّة سرّيتهم .. لأنّ المتفرّس في سحنتهم يلاحظ التشققات التي تحدثها الصّدمات مع الواقع المخالف لمشاريعهم .."
ونبدأ بالشخصيّة الأولى:
الشخصيّة ( س ):
هي شخصيّة كريهة مقيتة ، يصفها الكاتب جسديّا بشكل مقزّز فيقول:
" رجل نحيف العود ، هش البنية ، أسود النظرات ، حتّى ليُخيَّل إليك أنّه لا يملك بياضا في عينيه.. " إلى أن يقول : " وشعر أنّ هذا " الجرم " لا يمكن أن يصدر منه شيء حسن تقبل عليه النّفس، أو ترتاح.. وكأنّ هذه الذّات قد استجمعت في هذا الهيكل جميع المعادن المنفّرة للطبيعة البشريّة.. وعملت أن تجعل من هذا المخلوق صورة مجسّدة للنفور والتقزّز .."
هذا رسم دقيق ومفصّل لإحدى شخصيّات الرّواية الشريرة ، أحد أعضاء عصابة لصوص الإدارة الذين يظهرون بشكل برجوازي محترم أو يحاولون الظهور بذلك الشكل وهم في الحقيقة ، خلاصة للقذارة البشريّة حين تنحطّ إلى أدنى دركاتها..
الشخصيّة ( ف ):
يصفه المؤلّف فيقول:
" كذّاب بامتياز.. لا يحبّ إلا ذاته يريد أن يكون كلّ شيء..يريد أن يكون الصّديق ، وأن يكون العدوّ ..ويريد أن يكون الذّكي وأن يكون البليد.."
هو – فعلا - نموذج للشخصيّة المعقدة التركيب ، ومنه في المجتمع أمثلة كثيرة تبث الحيرة والبلبلة في نفوس النّاس..
الشخصيّة ( ك ):
ربّما كانت الشخصيّة الوحيدة التي جعل لها الكاتب مبررا للانحراف والوقوع في الخطيئة ، ولكنّه أدانها على لسانها ، ومع ذلك فقد حاولت أن تكفّر عن خطيئتها عندما تعاطفت مع عبد الحقّ وساعدت إلى حدّ ما في تصدّيه لأفراد العصابة ( المحترمين جدّا .. !! ) ، يصفها الكاتب فيقول في ص 90:
" ورآها غاضبة تتدفّق حمم الكلمات من فم مزموم يتقاطر حقدا بعدما تأطّر بلون الشفاه الدّامي، وكأنّها تلغ في دم.. تفتح فيه معجما خاصا بالكلمات النّابية الوقحة.. "
بهذه الطريقة يعمل المؤلّف على رسم وتشكيل شخصيّات الرواية التي رمز لها بالحروف بدل الأسماء، وهذه الطريقة المنطقيّة والمعقولة في بناء الشخصيّات المنحرفة في المجتمع داخل الإطار الروائي ، وهي معاكسة تماما لأساليب بعض الكتّاب الذين يحاولون إيجاد مبرر لهذا الانحراف ، بل أحينا يحاولون إضفاء المشروعيّة على ذلك الانحراف بسبب ظروف اجتماعيّة قاهرة ، أو تدهور عام في المجتمع ، أو تبرير بعض حالات الضّعف البشري.. !
التنويع في شخوص الرّواية وبناء نماذج مختلفة لصانعي أحداثها يجعلها غنيّة ثريّة بالأفكار والأحداث، ولا يعجز القارئ أن يقول عن أحد شخوصها أو أكثر : هذا أعرفه إنّه صورة طبق الأصل لفلان ، وذلك يشبه زميل العمل ، أو رفيق الدّارسة أو موظّف الإدارة المشبوه الذي طالما كرهه النّاس ورفعوا أيدهم بالدّعاء عليه.
وقد يتمنّى القارئ بأن يكون مثل بطل الرّواية في مواقفه الشجاعة ، والتزامه بالمبادئ والقيم النّبيلة.. ! فالرّواية ليست مجرّد عمل فنّي صرف يشبه اللوحة الفنيّة التي يقال فيها : ما أبدع ألوانها وما أجمل ظلالها وأضوائها.. !! بل قد تكون في الرّواية رسالة فكريّة وقيمة فلسفيّة وخلق رفيع يُقتدى به وهذا منهج القرآن الكريم في قصّ القصص ( نحن نقصّ عليك أحسن القصص ) ، فهي النموذج الأمثل الذي يُحتذى في عمليّة السرد ، وغيره كلّه غثاء كغثاء السّيل.. 
ملامح الأسلوب الفنّي:
أسلوب الرواية سلسل وسهل يبدو الكاتب فيه يروي بتلقائيّة ، منسابا في السّرد كالجدول الرقراق ، لكنّه لم يخلُ من بعض لمسات الصّنعة الفنيّة ، التي لابدّ أن يقتضيها أيّ أسلوب سردي يرمي إلى إغراء القارئ وجذب انتباهه ، ونلحظ في هذا الأسلوب عدّة خصائص فنيّة يمكن أن نقف عند بعضها متأملين ومحلّلين..



الصّبغة الفلسفيّة:
وظهرت جليّا في طرح الأسئلة القلقة ، وفي الحوار الذّاتي المشحون ، وفي التأمّل العميق لبعض ظواهر الحياة ، وتقليب النّظر فيها من شتى الوجوه ، ولنبدأ بمفتاح المعرفة ، إنّه ( السؤال ) الذي دُجّج به عقل الإنسان منذ الحياة الأولى:
الأسئلة:
الأسئلة علامات على الحيرة والقلق ، وعلامات على الخطو في طريق المعرفة في آن واحد. شحن المؤلّف روايته بوابل من الأسئلة يجعل القارئ يسائل الأحداث في الرواية ويسائل نفسه، ومن تلك الأسئلة العميقة التي تشكّل نقاط إضاءة كبرى عبر مسارات السّرد قول المؤلّف في ص 16:
" أليست الرطوبة شيخوخة في المباني ؟ ليس النظام هو الذي يأسرنا في هذه الزنزانة الضيقة ، بل الزمن .. إنّه يلهو بنا ، على النحو الذي نزعم قتله .. أهي بلادتنا الكبرى ؟ وهل قدر للإنسان أن يكتشف في ساعات الضياع آيات الضياع نفسه ، تتجسّد فيما يشبه آثار الفنّ ..؟ "     
هي لحظة تأمّل تبدو بسيطة ، تبدو غير ذات قيمة كبيرة لأوّل وهلة ، أو مجرد مسح فضولي للمكان من سجين مستجد ، لكنّ الحقيقة أعمق من ذلك وأكثر تعقيدا ، إنّها محاولة استنطاق المكان وقراءة ما كتبه الزمن على جداره المهترئ ،  محاولة استخراج لوحة تشكيليّة صنعها الزمن وتعاقبه على ذلك الجدار ، هو يتحدّث بلغة الأيّام وتعاقب السنين ، ويستخدم من انسلاخ الليل والنهار مادة ملوّنة يرسم بها ظلال لوحاته ، هي فلسفة تعانق الزمان والمكان في آن واحد .. !!
وفي دفق آخر من الأسئلة يكتشف المثقف نفسه أنّه – رغم حجم المعرفة التي يمتلكها – صار لا يفقه في الواقع شيئا ، أو هكذا يبدو له في لحظة ضعف .. في لحظة حيرة ، يقول الراوي في ص 19:
" لم تنفعني فلسفتي ، ولا الحكمة التي أحببتها في ألسنة البلغاء في كتبي .. هل كان ذلك من شماتة الزمن بي ؟ هل أوهمتني ساعاته بالعلم والحكمة ، ولما جئت أختبرها تبخّرت مخلّفة غصصها في الحلق ..؟ "
هذا سؤال مزلزل (كان ذلك من شماتة الزمن بي ؟ ) ، المثقف يعتدّ بنفسه كثيرا ويزعم أنّه أحاط بكثير من نواحي الحياة علما ومعرفة ، لكنّه ما إن يصطدم بأمر جديد عليه في واقع النّاس حتّى يشعر أنّه لا يعلم شيئا ، فهل ذلك من حيرة المثقف الدّائمة وقلق الأسئلة في ذهنه ؟ أم هو معرفته لنفسه أنّه كلما ازداد علما ، زاد علمه بجهله ..؟ أم أنّ ما تعلّمه في واد وواقع النّاس في واد آخر بعيد جدّا ؟ كلّ ذلك ممكن ووارد .. والحقيقة اليقينيّة في نفسه ( قلق الأسئلة الدّائم ) بسبب تعطّشه للمعرفة أيا كانت تلك المعرفة ..
الحوار الذّاتي :
أكثر من ثلث الرواية الأوّل عبارة عن حوار ذاتي يمور في ذات صاحبه بصخب أحيانا ، وبهدوء أحيانا أخرى لكنّه استطاع من خلاله أن يجعله وسيلة للسّرد وقالبا لتتابع الأحداث وتطوّرها ، فبدلا من أن يقول قال لي رفيق السجن وقلت له ، ودخل فلان وخرج فلان ، ومرّت الأيّام وتلاحقت الأحداث ، كان يسوق ذلك كلّه من خلال حوار ذاتي ( مونولوج ) داخلي عميق ، وهي طريقة سرديّة شائعة حديثا ، ولها تأثير كبير على القارئ ، لأنّه يشعر من خلالها كأنّه ولج إلى أعماق البطل وتمكّن من معرفة مخبوءات ذاته .. والاطلاع على الأسرار الداخليّة للإنسان، فضول موجود عند غالبيّة النّاس لاسيما الشغفين بالقراءة منهم..
يقول البطل السجين المثقف في ليلته الأولى في السّجن وقد دخل عالما غريبا عنه في ص 24 :
" لن يقهرني الزمن ..لأنني سأكون الزمن نفسه .. ولن يقهرني المكان لأنني سأكون المكان نفسه .. ولن تغلبني المشاعر لأنني سأكون المشاعر نفسها .. أنا الخوف وأنا الأمن .."
كلمات يخاطب بها السجين نفسه يريد أن يجعل منها بلسما يداوي جرحه ، وضمادا لروحه من آلامها يريد أن يتأقلم مع المكان والزمان والمشاعر الجديدة العنيفة ، التي هجمت عليه على حين غفلة منه إنّها الإرادة والتصميم ، وهي في الوقت نفسه فلسفة ( الشجاعة ) التي تواجه الحياة برأس مرفوع وتقول للأحداث مهما كانت وطأتها ثقيلة:
( ها أنا ذا ..).. !
يقول المؤلّف على لسان بطله في 28 :
" نكست رأسي قليلا ، وقد أثقلته فكرة أخرى أكبر من أختها .. ماذا لو كانت كلّ مخاوف الإنسان مجرّد أسماء لا حقيقة وراءها ؟ .. إنّها أخطر فكرة ترد على ذهني في هذه الفجوة الزمنيّة.."   
أخطر شيء قد يعصف بثقة الإنسان بنفسه ؛ هو أن يرى الحقائق قد صارت أوهاما ، والمسلّمات صارت محلّ شك وريبة .. ! الخوف طبيعة في الإنسان بل هي غريزة خُلقت معها لتكون وسيلة للدّفاع عن نفسه ووسيلة لاستمرار بقائه حيّا ، وإلا لأهلك نفسه في كلّ منعطف من منعطفات الحياة.. ! فماذا لو اكتشف أنّ كلّ مخاوفه مجرّد أوهام ؟ هل يحظى بالسكينة والهدوء ؟ أم يعظ أصابع النّدم على كلّ لحظة أضاعها في ارتقاب زوال تلك المخاوف أو الاستعداد لمواجهتها ..؟
سؤال فيه كثير من التوتر أكثر مما فيه من رغبة البحث عن الحقيقة ..؟
النظرة التأمليّة:
في كثير من تمفصلات الرواية نظرات تأمليّة عميقة يضوع فيها عبق الفلسفة ، بينا غير خفيّ ، ذلك لأنّ كثيرا من الأحداث صادمة تهزّ كيان الإنسان وتحدث فيه تلك الخلخلة التي تدفعه إلى مراجعة حساباته ، بل أحيانا إلى مراجعة حياته كلّها ، يقول المؤلّف على لسان بطله مرّة أخرى 95:
" لقد أرغمتني الأوراق على العودة إلى الوجوه أنظر فيها ، وهي تقابلني ، نظرة أخرى.. لم تعد النظرة البريئة التي كانت تملأ صفحة وجهي ، بل غدت نظرة أخرى ، تتشح بكثير من الريبة والخوف . ويدفعها التساؤل دوما عن المغيّب وراء النظرات ..."
السّجن – بالخطأ – واكتشافه لسجين آخر بريء سبقه ، واكتشافه للصوص كبار يظهرون في سمات رجال محترمين وهم في الحقيقة من ناهبي أموال الأمّة ، كلّ ذلك يدفعه إلى التخلّي عن براءته الأولى في نظرته للنّاس ، لابدّ من نظر حاد يخترق ما وراء الأقنعة الملوّنة ..؟  
ومن تمام الأسلوب الفلسفي في الرواية أن يحضر صوت أبو العلاء المعرّي وفلسفته في الحياة داخل السجن ، يقول البطل في ص 49 :
" كان الضّجيج أوّل الأمر مختلطا بأحداث الرؤيا التي رأيت ، ثمّ تحوّل سريعا إلى الوعي ، فإذا برفيقيَّ يحملقان فيّ وكأنني أخرج أمامهما من كابوس فضيع .. سلمت عليهما ثمّ نظرت إلى الزنزانة من حولي وكأنني أتعرّف على المكان من جديد، ولكن في صورة أخرى غير التي رأيت من قبل ، إحساس غامض يخامرني ، أننا لسنا بمفردنا في هذا المكان الضّيق ، بل إنّه المكان الذي يضجّ بأعداد هائلة من النزلاء.. إنّه يذكّرني السّاعة بلحد أبي العلاء المعري الذي صار لحدا مرارا ضاحكا من تزاحم الأضداد.. "
يشير المؤلّف بذلك إلى قول أبي العلاء المعرّي من قصيدته التي مطلعها ( غير مجد في ملّتي واعتقادي):
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا * * ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
فلكثرة ما دُفن في الأرض من النّاس حتّى ازدحمت القبور بالأجساد ، وحتى دفن الشريف مع الوضيع والغني مع الفقير والأمير مع الصّعلوك كما يقال ، وقد شبّه بطل الرواية السجن بهذا القبر ، فقد ازدحم فيه المساجين وكثروا ، وفيهم المذنب والبريء والصالح والطالح ، وهنا نحن نأخذ الصورة من جانبها الفلسفي لا الأدبي المجازي ، فلذلك أوانه بعد حين ..
نصّ مشحون بالفلسفة تجدها في كلّ فصل من فصوله ، وتقابلك عند كلّ منعرج من منعرجات الأحداث ، حتى غدت سمتا عاما يوشّح أسلوب الرواية الفنّي.
بين المؤلّف والرّاوي والشخوص:
جعل الكاتب من بطل الرّواية الأساسي ( السجين المثقّف ) اللّسانَ الذي يسرد به كلّ أحداث الرواية تقريبا ، لكنّه تدخل في عمليّة السّرد عدّة مرّات ، وكأنّه استحضر في ذهنه شخصيّة الأستاذ الجامعي الذي يريد أن يشرح ويوضّح بعض الأساليب السرديّة ، ويكسر نمطيّة السرد الروتيني ، ولعلّه كان يخوض تجربة سرديّة تمسّ بطبيعة الحال طبقة معيّنة من القرّاء ( الطلبة والباحثون ) في الغالب.
يقول في ص 45:
" إنّ المؤلّف هنا له الحقّ ، كلّ الحقّ في التقديم والتأخير ، في العبث بالأحداث على النّحو الذي يراه خادما للفكرة التي يحاول عرضها، وليست الحياة بين يديه أولا وأخيرا سوى إمكانيّة من بين عدد غير متناه من الإمكانات التي يمكن استخدامها لتفجير الدّلالات التي يريد ..."
ثمّ وبطريقة عجيبة كأنّه يناقش بطل القصّة ويحاوره يقول ص 46 :
" تراجعت قليلا .. وأرجأت أسئلتي إلى حين، لأنني لم أكن أأمن طريقته في السّرد ، فأنا لا أعرف أسماء الشخصيّات .. أعرفه هو :
عبد الحق هذا هو اسمه .."
المؤلّف هنا يناقش مع القارئ إمكانيّة تغيير وجهة الأحداث ، وتبديل الشخصيّات وإعطائها أسماء أخرى ، ويناقش إن كان سيترك المجال للبطل لينوب عنه في عمليّة السّرد أم سيواصل هو العمليّة بنفسه ، ثمّ يقرر أخيرا أنّه اختار أن يسرد الأحداث هو بنفسه ، لأنّ أسلوب البطل في سرد الأحداث غير آمن ..
طريقة فيها طرافة وفيها خروج على النّص كما يقال في ( التمثيل ) لاسيما في المسرح ، قد تروق لبعض القرّاء وتستفزّهم ، وربّما رآها آخرون فجّة فيها إقحام للمؤلّف بشخصيّته الحقيقة بغير سبب مقنع ، لكن أرى أن للكاتب أهدافا من هذا الظهور الغريب في الرّواية ، فضلا عن الطرافة فهو بحكم تمرّسه الإبداعي والنّقدي الزاخر ، فهو يمارس ذلك النّقد بشكل من الأشكال. ولعلّه بطريقة ما يردّ على نظريّة ( موت المؤلّف )[2] ، التي تقول بضرورة النّظر في النّص بمعزل عن مؤلّفه ، طلبا لشيء من الموضوعيّة أو أنّ النّص صار قائما بذاته ( كائنا حيّا ) لا نحتاج معه إلى مؤلفه ليشرح لنا أو يفسّر ، أو لنفهم بعض مدلولات النّص من خلال التّعرف على حياة المؤلّف ومعرفة السياق الذي كتب فيه نصّه ذاك ، وما إلى ذلك من خصائص شخصيّة بيئيّة تكون ظلالها موجودة في النّص ، وهي نظريّة فيها كثير من الشطط بلا شك ..
والمؤلّف هنا يقول لنا بكل جرأة وظهور مباشر أنا هنا ، أنا من يدير دفّة الأحداث ويحدّد وجهتها ..! ثمّ يعرض لقضيّة هامة جدّا في بناء المعمار الرّوائي ، وهي قضيّة تسميّة الشخوص ، هل من الضرورة أن نعطي للشخوص أسماء معروفة متداولة أو حتى غريبة غير شائعة ..؟ ما الفرق بين أن نسمّي البطل مصطفى أو أحمد ؟ وبين أن نسميه س أو ك ..؟
هنا مسألة تحتاج إلى نظر .. !! بعض الكتّاب يلتزمون بالأسماء المعروفة التي يسمّى بها النّاس ، وبعضهم يلجأ إلى الأسماء الغريبة ، لكنّ آخرين لا يسمّون مطلقا ، وينجح ذلك كثيرا في القصّة القصيرة ، وحتّى في الرواية إذا كان عدد الشخوص محدودا ، لاسيما إذا كان ضمير السّرد المستعمل هو ضمير المتكلّم ، لكنّه في الغالب يحتاج إلى تسمية المخاطَبين إذا احتاج إلى محاورتهم ، ولو بأسماء مهنهم أو أوصافهم الغالبة عليهم..
وقد ناقش المؤلّف هذه القضيّة فقال:
" إنّ الأسماء قد تخون حقيقة الموضوع ، فما معنى أن يسمّى هذا سعيد ، وذاك فؤاد ، وتلك وداد، ولا شيء من الأسماء ومعانيها ينطبق على الموضوع .. إنّنا حين نلجأ إلى إلصاق الصّفات كمسمّيات نعبث بالمعقوليّة في تصميم عقلانيّتها .. نعبث بالمصير ذاته .."
ثمّ يتساءل في حيرة وقلق ص 48:
" هل ألجأ إلى تعيين الأوّل والثاني برقم أو حرف كما فعلت الرواية الحديثة استخفافا بالشخصيّة في أعمق مميّزاتها ؟ هل استمرّ فأقول الرّجل الكهل والرّجل النّحيف البليد ؟
لا .. سأترك الأمر للرّاوي يفعل بهما ما يشاء، يكفي أن أقرأ رواية كلّ واحد منهما .."
ورغم أنّ المؤلّف يرى أنّ الرواية الحديثة عندما تلجأ إلى تسمية شخوصها بأرقام أو حروف فإنّها تستخفّ بالشخصيّة الرّوائيّة ؛ إلا أن أنّه يسلم أمره للراوي والذي بدوره يبقي على تسمية رفيقي السجن بالكهل والرّجل النحيف البليد ، ويسمّي الشخوص الآخرين بــ ( س / ف /ك ) ، ويبدو أنّ المؤلّف لجأ إلى ذلك ليحطّ من شأن تلك الشخوص فعلا ، وكأنّه جعل التسمية درجات ، البطل الأساسي الثاني سمّاه ( عبد الحقّ ) و السجينان الأقل جرما سماهما ( الكهل والشاب النحيف ) أمّا المجرمون المحترفون فقد رمز لهم بحروف للتحقير من شأنهم ، كما فعلت الرواية الحديثة ، ولأنّ البطل الأوّل جعله راويا وهو ينوب عن المؤلف نفسه ، اكتفى بتسميته ( الفتى )..
استنتاج قد لا يكون المؤلّف قصده بتاتا ، لكن ما يشجعنا على طرحه ولو من باب قراءة لا شعور المؤلّف ؛ هو أنّ المؤلّف أستاذ جامعي يشتغل بالنقد الأدبي لسنوات طويلة جدّا وألّف فيه الكتب العلميّة والتنظيريّة المستفيضة ، ويتعامل مع الرواية والنّقد الأدبي يوميّا في الجامعة.. وأظهر ذلك بعد أن كتب أكثر من ثلث هذه الرواية .. !
واحتمال آخر – وقد يكون ضعيفا – وهو لجوء الكاتب إلى التّسمية بالحروف تجنّبا لأي تشابه محتمل في الأسماء القريبة من محيطه ، تفاديّا للحرج أو التأويلات التي تسيء إلى زيد أو عمر ، وتوقع المؤلّف في ( حيص بيص ).. !
ونؤكد أمرا أشرنا إليه وهو أنّ هذا الظهور البارز للمؤلّف في ثنايا عمليّة السّرد له نتائج متباينة على القارئ والمتلقّي ، سيتلقّاه القارئ المتخصص ( الدّارس والنّاقد ) بعناية كبيرة وسيثير في نفسه كثيرا من الأسئلة ، ويجعله يقلّب الرّأي على كلّ وجوهه ، وقد يستطرفه القارئ العادي ويبتسم له ، لكنّه في الوقت نفسه قد يربكه ، ويجعله يعيد قراءة الفقرات التي يبرز فيها المؤلّف ويُبين عن خصيّته بشكل علني ، فيحاول التأكد إن كان ذلك هو المؤلّف أم الرّاوي أم هو وسيط آخر داخل الرّواية ، وقد يحدث الأسوأ ، فيفقد القارئ حماسه للرواية وينصرف عنها .. ولذلك قلتُ في البداية هذه رواية موجّهة إلى فئة معيّنة من القرّاء ، بسبب الشحن الفلسفي الذي زخرت به ، وبسبب هذا الذي يعدّ قضيّة أدبيّة نقديّة تُناقَش ضمن إطار السّرد الرّوائي .. !
فأمّا عن نفسي فقد راقني الأمر كثيرا وجعلني أقف عنده مطوّلا ، وأتمّلى أبعاده المختلفة في البناء الروائي ، وفي تأثيره على المتلقّي ، وجعلني أيضا أتساءل إن كان بإمكان الرّواية أن تساهم في التنظير الأدبي ، وتثري العمليّة النقديّة وتثير قضاياها داخل المتن الروائي أو القصصي نفسه..؟؟    
ثراء ثقافي وتنوّع فنّي:
في الرّواية حشد قيّم من الاقتباسات الثقافيّة وشيء من التناص والتطعيم بالأمثلة والحكم ، التي تجعل من النّص غنيّا وضاجّا بالحياة الثقافيّة التي تغري كلّ قارئ ، وتحبّبه في النّص فلا يخرج منه إلا وقد أخذ حصيلة جديدة من فكر أو فنّ وثقافة ، ونسوق من ذلك هذه الأمثلة المتنوّعة:
ذكر الكاتب الغول والعنقاء في سياق الحديث عن مخاوف الإنسان فقال في ص 28:
" صحيح ما الغول والعنقاء .. إلا أسماء لأوهام الإنسان الخائف المتردّد بين الظلمة والنور .."
في سياق الحديث عن حقيقة الخوف التي انغرست في ذهن الإنسان ، يستعير الكاتب من التراث العربي أسطورة الغول والعنقاء ، ليوضّح الصورة الفلسفيّة التي يَبْسُط مفهومها بشكل مُبَسّط ، إذ أنّ الخوف ما هو إلا خرافة عريقة في الشعور الإنساني ، سيطرت عليه منذ آلاف السنين ، وهي تشبه إلى حدّ بعيد أسطورة الغول والعنقاء ، والاستعانة هنا بالتراث العربي له دلالة الانتماء ، ودلالة الاغتناء بالتراث العربي ، فبدلا من أن يلجأ إلى الأساطير اليونانيّة والإغريقيّة الشائعة في كتابات كثير من كتّابنا ومؤلفينا الذين تأثروا بالثقافات الأوربيّة ؛ فإنّه ينحاز إلى الثقافة العربيّة ، ويغني بها روايته.
كما يستعين كذلك بالمثل الشعبي :
" من خاف سلم " وهذا نوع من التنويع بين الفصيح والدّارج ، والاستمداد من عمق الثقافة الشعبيّة، لاسيما تلك الثقافة التي لا تنبتُّ عن أصولها الأولى فالمثل ( من خاف سلم ) هو في أصله فصيح ، ولعلّ له سندا في أمثال العرب.
وسبق الإشارة إلى استحضار المؤلّف لشعر أبي العلاء المعرّي حول رأيه الفلسفي في الحياة والموت. وحَضَر التناص مرارا ومن أمثلته قوله في ص 60:
" وتطير نفسه شعاعا .." وهي صورة فنيّة نادرة أظنّ أنّ أقدم من سُمعت منه هو الشاعر قطريّ بن الفجاءة في قوله:
أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً * * مِنَ الأَبطالِ وَيحَكِ لَن تُراعي
فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ  * * عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي
ومن التناص أيضا وجدت قوله في ص 67:
"  يحسب كلّ صيحة عليه "  وهو وصف دقيق وبارع يبيّن حالة ( الـمُرِيبين ) ، استعاره من القرآن الكريم ، من قوله تعالى في سورة ( المنافقون ) :
" يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ " من الآية الثامنة ، وهذه الخاصيّة الفنيّة تطبع أغلب أسلوب الدّكتور حبيب مونسي ، فهو متشبّع بالثقافة القرآنية متشرّب بلمساتها الجماليّة ، ولا غرابة في الأمر فهو صاحب كتاب ( المشهد السّردي في القرآن الكريم )[3]..
وهناك تناصّ آخر مع مثل عربيّ شهير ، عندما يقول في ص 116 :
" ليست المرأة وحدها من تأكل من ثدييها "
وهو تحوير طريف وصائب ومؤلم في الوقت ذاته للمثل العربي القائل:
" تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها "
والجميل في عبارة المؤلّف أنّه أخذ من المثل مفهوم المخالفة كما يقال في المنطق وفي أصول الفقه وعلم الكلام ، أي أنّ غير الحرّة من النّساء قد تأكل بثدييها ، ثمّ اشتقّ منه معنى آخر ينضمّ إليه ويعززه ، وهو أنّه ليست المرأة غير الحرّة هي وحدها من تأكل بثدييها ، بل من الرّجال من يأكل بثدييه أيضا ( !! ) ، أي من شرفه ومن سمعته ومن ماء وجهه.. !  
ولكلّ ذلك علاقة بالزمن وفلسفته التي غلبت على الرّواية في معظم تطوّرات أحداثها. ومن التنويعات الفنيّة والثقافيّة التي زخرت بها الرّواية توظيفه للفنّ التشكيلي في التعبير عن بعض معاني المشاهد الرّوائيّة :
حضور الفنّ التشكيلي:
ويعتبر الفنّ التشكيلي من أهمّ خصائص الثقافة العصريّة ويلجأ إليه كثير من المؤلّفين ، رغبة في التنويع الإبداعي والتصوير الفنّي الجميل ، وفي هذه الرّواية وظّف المؤلّف الفنّ التشكيلي في عدّة مواضع نذكر منها :
قال في ص 76:   
" ويرسم خارطة إجرامهم ويلوّن تقاطعاتها.. حينها ستغدو ألوانها في تشابكها ألوان الفنّ التشكيليّ الحديث .. قد تخال أنّ لا صلة بينها.. وأن لا منطق ينظمها، إلا أنّها ذات دلالات عميقة جدّا عند أصحابها ، وإن تعذّر على المشاهد العابر إدراكها..
كانت فكرة الفنّ التشكيليّ الحديث فكرة ممجوجة ، فنفسه تنفر منه دوما حين يراه ، في بعض لوحات الرزنامات أو المجلات.. غير أنّه في غموضه يشاكل غموضهم وضبابيّة سيرتهم، لأنّ المتفرّس في سحنتهم يلاحظ التّشققات التي تحدثها الصدمات مع الواقع المخالف لمشاريعهم ..."
يبدي هنا البطل عدم إعجابه بالفنّ التشكيلي ، ولا اقتناعه بالفكرة الغامضة التي يقدّمها للنّاس، وهو هنا يلجأ إليه لذلك السبب لوصف حياة وملامح تلك العصابة من اللّصوص المتمرسين ، الذين يحيون في الضبابيّة والغموض ( المشبوه ) ، باستمرار إنّهم في ذلك يشبهون إلى حدّ بعيد لوحات الفنّ التشكيلي الزائفة في غموضها واستغلاق معانيها و( عبثيّتها ) أيضا ..
وهذه استعارة جميلة في هذا الموضع بالذّات حقّق بها المؤلف هدفين في آن واحد ، فقد أبدى رأيه في الفنّ التشكيلي ، الذي يمثّل مشهدا مزيّفا من الفنّ المتكلّف الذي لا جدوى من ورائه برأيه ، ثمّ خلع هذه الصورة ( البشعة ) على شخوصه من أبطال الرواية السلبيين..    
  ويسجّل المؤلّف موقفا آخر ساخرا من الفنّ التشكيليّ على لسان بطله ( الفتى ) في ص 83 إذ يقول:
" ابتسم الفتى وهو يتمدّد على سريره الحديدي ، وفكرة الفنّ التشكيلي تطرق خلده مرّة أخرى.. ربما أنشأ الفنّانون أمثال بيكاسو .. هذا اللون من الرّسم للتعبير عن هذا اللون من الوجوه فقط... فقط وحده الفنّ التشكيلي بتجريديّته وسخريّته من النّظام والمعقوليّة قادر على فعل ذلك .. إنّ تغييب الملامح ومحوها.. والعبث بأبعادها .. وألوانها كفيل بأن يبرز ما رسب في أغوار النّفوس.."  ثمّ يقول:
" كان ارتياحه أكثر ، حين وجد في نفسه متّسعا آخر يطلّ منه على ضرب من الفنون كان يعتقد أنّه جنون محض ، وأنّه في مقدور أي معتوه أن يفعل مثله ، كيفما شاء ، وقتما شاء "
هو نوع من السخريّة المريرة من الفنّ التشكيلي ومن الوجوه الباهتة لتلك الطفيليّات أو حشرات العلّيق التي تعيش على دماء الشعب ، وتعبّ من ثرواته المهدورة في إسراف وتبذير لا مثيل له. وهذا التوظيف للفنّ التشكيلي يعتبر إلى حدّ ما رأيا فنيّا قويّا يغرّد خارج السّائد من آراء الكتّاب والمؤلّفين، وإن كان هو في الحقيقة الرأي السّائد والانطباع العام عند عامّة المثقّفين ، وغالب النّاس ، فهو فنّ يفهمه أصحابه وحدهم وربّما عجزوا هم أنفسهم عن تفسيره وشرحه للنّاس.. !   
وإنّي أرى في هذا الرأي جرأة كبيرة يطرحها الكاتب على القرّاء والمتابعين ، وفيه خروج على السّائد والمعتاد ، ولو كان فيه خروج على المقدّسات والعادات والتقاليد لهلّل لها الفكر الاستغرابي وروّج له أيما ترويج ولاعتبره تجديدا في الرأي وجرأة في الطّرح وشجاعة تخترق كلّ الحجب التقليديّة والمقدّسات الزائفة ( !! ).
قطوف فنيّة أخرى:
وفي الرواية قطوف من الحكمة الجميلة والمثل السّائر البديع وهذه نماذج منها:
جملة بديعة فيها صورة فنيّة استوقفتني مليّا ورأيت فيها شيئا من الجدّة أسوقها ثمّ أعلّق عليها باقتضاب، وهي قوله في صفحة 88:
" لقد أصبح يطلّ على مسافات من الشرّ لم يكن يعرفها من قبل "
تعبير مجازي ملفت جدّا ، عادة يعبّر بالمسافات على ما يكون ماديّا ، أو جماليّا في الطبيعة أو غيرها ، أما هذا المعنى فهو من المعاني المذهلة حقّا ، هل للشرّ مسافة وتمدد في الاتجاهات المختلفة ؟ إنّه كذلك فعلا إذا ما انتشر ومسّ مناطق من حياة البشر لم يكن يمسّها من قبل ، ولقد عبّر عنها الكاتب بهذا الأسلوب أحسن تعبير وأدقّه..  
ومثل ذلك قوله في ص 126:
" الألفة دورة تحوّل الألم إلى لذة واللذة إلى ألم .."
وهو كلام ذو بعد فسفي عميق جدّا ، يريد أن يبيّن فيه أنّ العادة قد تغيّر من معاني الأشياء ؛ فتجعل من الألم لذّة أو من اللّذة ألما .. ولذلك لابدّ من تجديد دورة الحياة من حين لآخر وإلا ما الشعور الحقيقي والقيمة الحقيقيّة للأشياء في نفس الإنسان.. !
ومن الحكمة البالغة التي فيها عمق فلسفي قوله في ص 98 :
"إنّ الجبن هو الطريق الشرعي للكذب "
وفي هذه الحكمة – التي تثري النّص وتنوّع من جماليّاته – نجد خلاصة للتحليل النّفسي لشخصيّة الكاذب ، فهو جبان بالدّرجة الأولى قبل أن يكون كاذبا .. !
وربّما كانت أغرب الصور الفنيّة التي ختم بها الكاتب روايته ، وجعل منها أغرب طريقة للانتقام ، هي أن يكتب السّجين ( البطل الأوّل ) قصّة ( السّجين ) الثاني الذي تصدّى للظلم وعصابة اللصوص (المحترمين !! ) ، وينشر تلك القصّة في الصّحف والجرائد ، فيكون بذلك قد انتقم له أشرف انتقام وأكثر خلودا وبقاء بين النّاس ، إذ فضحهم على رؤوس الأشهاد – كما يقال – وخلّد بطولة ذلك الفتى السّجين الذي أبى أن يستمرّ في سبيل الخطيئة وينغمس في أتون الرذيلة ، بل تصدّى لعصابة الشرّ ووقف لهم بالمرصاد متحمّلا  كلّ ما يتعرّض له برباطة جأش وشجاعة نادرة..
وبعدُ فإنّي لازلت امتح من الرّواية النّادرة بعد أختها ، واللّمحة الفنيّة تلو اللّمحة فلا أكاد أفرغ أو أستوعب كلّ ذخائرها ، وحسبي أنّي أشرت إلى بعض ذلك ونوّهت إليه ، وللدّارسين مزيدٌ لمستزيد ، ولن يخرج قارئه منه صفر اليدين ، بل بزاد وماء معين.. !  




[1]  - في كثير من الرّوايات العالميّة النّاجحة نجد جانبا من شخصيّة المؤلّف أو حياته تظهر في بعض فصول الرواية ، وذلك نوع من التوظيف للواقع في عمليّة السّرد ، والواقع في كثير من الأحيان يكون أبلغ من الخيال وأكثر غرابة منه.
[2]  -  هي نظريّة جاء بها رولان بارت ( 1915 / 1980 م ) ، وهي في الحقيقة ليست بشيء ، ولا بأمر جديد ، فعندنا في التراث العربي (انظر إلى ما قيل لا إلى مَن قال ) ، وهي لها زاوية إيجابيّة ، ولكن لها أيضا جانب سلبيّ بالنّسبة للمتلقّي. فليس كلّ إنسان يستطيع أن يفصل بين القول وقائله، وإن كانت المقولة في نفسها صحيحة ، لكن جرت فطرة الإنسان أن يقتدي بالعمل قبل القول. 
[3]  - المشهد السّردي في القرآن الكريم من منشورات ( مكتبة الرّشاد للطباعة والنّشر والتوزيع ) عام 2009 م

ليست هناك تعليقات: