2011/03/11

"تعلمنا من الثورة" بقلم عبده الزراع

تعلمنا من الثورة
عبده الزرّاع

يوم قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، فرحت فرحا كبيرا كأننى لم أفرح من قبل، فقد فقدت الثقة فى كل شىء من حولى، فى البشر والشجر والحجر، فلم أكن أصدق أو يخطر ببالى فى يوم من الأيام أن تقوم ثورة فى مصر بعد أن ساد الفساد فى البر والبحر والجو، وأصبحت الصورة أكثر قتامة ومأسوية، بعدما أجهز على الانسان المصرى، وتحطم حلمه على حجر صلد، وأمله فى التغيير بات من المستحيلات، كنت أشعر أنه لابد من حدوث شىء ما، لكن لا أعرف ما هو على وجه الدقة، خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب الفضيحة، ولم نعد نعوّل كثيرا على شبابنا الذى كنا نظنه ضائع فى غياهب الفيس بوك والتويتر، وكنا نلتمس له الأعذار معتقدين –بتفكيرنا القاصر- أنا الحياة قد ظلمته، وأنه مغلوب على أمره بعد أن أدرك أنه بلا مستقبل، وبلا وظيفة وبلا زواج، وبلا أمل فى حياة كريمة.
فاجأنا شبابنا بهذه الثورة المجيدة، ليثبت لنا أنه كان أكثر منا وعيا وثقافة وإدراكا بجوهر الشخصية المصرية، التى حاول النظام على مدى أكثر من ثلاثين عاما الامعان فى تشويهها وطمث معالمها، وأعترف أنه قد نجح بإمتياز مع جيلنا والأجيال السابقة علينا، لنتحول إلى شبه بشر يقبلون الرضا بالحلول الوسط وأنصاف الحلول، بعدما حاصرنا بالفقر والغلاء وتضيق فرص العمل، وضعف المرتبات، واهدار كرامتنا فى وسائل المواصلات الغير آدمية، وفى طوابير الخبز الذى لا يصلح سوى للمواشى، وأصبح رجال الشرطة يمعنون فى اذلال الناس من البسطاء، وكسر شموخ من يعتز بنفسه حتى ولو كان على حق، كل هذه الضغوط والممارسات جعلتنا نرضى بالقليل من أجل أن نربى أطفالنا الصغار فلم يعد لدينا الوقت ولا الجهد لنفكر فيما يفعله النظام بنا بعدما أصبح الواحد منا يعمل فى أكثر من عمل لكى يلبى متطلبات الحياة الأساسية، كأنها خططا مدروسة من نظام مبارك لإرهاقنا بما لا نطيق حتى نرضى بالفتات، ونتركهم يعيثون فى الأرض فسادا فاق كل التخيل والتوقعات.
فاجأنا شبابنا الواعى بثورة غيرت وجه التاريخ، وأعادت للانسان المصرى كرامته المهدرة فى الداخل والخارج، وشهد لها العالم أجمع أنها من أفضل وأهم الثورات الشعبية فى العالم، لدرجة أن أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قال: "سوف ندرس الثورة المصرية ليتعلم منها أبنائنا" بعدما نجحت فى اسقاط نظام مبارك الدكتاتور فى ثماني عشرة يوما، ذلك النظام الفاسد والمفسد والذى نهب مقدرات البلاد والعباد وسرب المليارات لتتكدس بها بنوك أوربا وأمريكا، ويعيش الشعب فى فقر مدقع لايجد قوت يومه، ومبارك وحاشيته يتناولون وجباتهم اليومية ساخنة من فرنسا بالطائرات الخاصة.
نجحت الثورة فى تحقيق الكثير من مطالبها التى كنا لا نحلم بتحقيق مطلب واحد منها، وكل يوم تكسب أرض جديدة وتحقق إنجازات أكبر، وأنا على ثقة من أنها –بإذن الله- ستستمر حتى تحقق كل مطالبها.
تعلمنا من هذه الثورة أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وكما يقول الشاعر التونسى الراحل أبى القاسم الشابى: "إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر".
وكما كان للثورة فضل كبير فى التنقيب عن جوهر الشخصية المصرية من جديد، واعادة روح المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع، كان لها أثر آخر سلبى جعل ضعاف النفوس والانتهازين يلقون بالاتهامات جزافا لكى ينالوا من الشرفاء، بدافع الغيرة والحقد و"لحاجة فى نفس يعقوب"، وكأن الثورة قامت ليثأر كل فرد من الآخر دون رقيب أو محاسبة، فليت هؤلاء الموتورون يتحلون بروح وأخلاق الثورة، ويتعلموا المواجهة من الشباب الذى كان يفتح صدره لاستقبال الرصاص بشجاعة منقطعة النظير، بدلا من رمى الناس بالباطل جزافا، وليرحمكم الله.


ليست هناك تعليقات: