الكاتب المصري أحمد طوسون للمجلة الثقافية الجزائرية: الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين
أحمد طوسون، من مواليد 1968، من إصداراته" مراسم عزاء العائلة " (رواية)، مثلما يكتب في مجال القصة، وفي أدب الأطفال. في هذا الحوار، أردنا الاقتراب أكثر من الكاتب، فتحدث عن الحرية وأهميتها الفاعلة والإنسانية لدى الكاتب، وعن القراءة التي تراجعت بشكل كبير لدى الكبار والصغار، مثلما تكلم عن الثورة التي شهدتها وتشهدها مصر والتي يرى الكاتب أنها كانت ضرورية، وأنها نتاج نضالات كثيرة وطويلة ساهم فيها الجميع.. نترككم مع الحوار كاملا:
المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت من أحمد طوسون ان يتكلم عن نفسه ماذا سيقول؟

المجلة الثقافية الجزائرية: أنت روائي أيضا.. دعني أسألك عن ماهية الرواية بالنسبة لك.. كيف تفهمها وكيف تتعاطى معها؟

المجلة الثقافية الجزائرية: لطالما تطرق النقاد إلى أهمية الحرية بالنسبة للمثقف، هل تحققت في مصر الحرية التي من المفترض أن تعطي للمثقف دماء جديدة للمضي بعيدا نحو الإبداع الإنساني الحقيقي وليس المرحلي؟
أحمد طوسون: لا أحد يستطيع أن يهبك حريتك، الحرية تنتزع ولا توهب، ولكي تسترد حريتك لست بحاجة فقط إلى ثورة تحررك من نظام حكم فاشستي لكنك بحاجة أكبر لثورة تحررك من قيودك الخاصة.. كثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين كانوا يمتلكون كامل حريتهم في ظل النظام المخلوع رغم اعتقالهم أو مصادرة أعمالهم، لكنك إذا كنت حرا لا يستطيع أحد أن يصادر حريتك حتى وإن كانت أعتى النظم الديكتاتورية، الأحرار الحقيقيون لا يظهرون إلا في ظل الديكتاتوريات، الذين يتخلون عن حريتهم يتخلون عنها طواعية أولا قبل أن تصادرها السلطات.. الآن الصورة ملتبسة.. كثيرون غيروا خطابهم وضاعت الأصوات الحقيقية بين ضجيج المزايدة على الحرية من أجل البحث عن نفس الأدوار التي كانوا يلعبونها مع النظام المخلوع.. الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين.. مصر تعيش حالة مخاض من أجل مستقبلها ومستقبل المنطقة.. هذا المستقبل يحتاج إلى حوار هادئ وليس إلى ضجيج ينفض إلى شيء. وبالتالي فالإبداع لا يرتبط بمرحلة ما وسيظل الإبداع الإنساني الحقيقي رهنا بالمبدع سواء عاش تحت وطأة القهر أم في مناخ حر.
المجلة الثقافية الجزائرية: هل تشعر أن المثقف العربي عموما يتمتع حقا بالحرية؟
أحمد طوسون: هذا السؤال بالغ التعقيد لأنه يرتبط بمفهوم الحرية عند المثقف والتي تختلف من مثقف إلى آخر، البعض يرى أن الحرية هي أن يخالف تقاليد وعادات وقيم ثقافته العربية والإسلامية، والبعض الآخر يرى الحرية في التقليد الأعمى للثقافة الغربية دون اعتداد لخصوصية ما لثقافتنا العربية، كما أن المثقف العربي يتعرض لحملات مصادرة من الأنظمة الحاكمة بذات القدر الذي يتعرض فيه لمصادرة أفكاره من القوى الظلامية التي تفشت في مجتمعاتنا بسبب غياب ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر ولعب الحكومات بفهم البعض القاصر للدين لمحاربة قوى التنوير. إن أخطر ما يواجه حرية المثقف العربي عدم وجود لغة مشتركة للحوار بين المثقف العربي وغيره من القوى بتنوعاتها سواء كانت إسلامية أو غيرها لاعتقاد كل طرف من الأطراف باحتكار الرؤى الصحيحة وأن الطرف الآخر يقف على النقيض. كما يلعب الإعلام وبخاصة التلفزيوني دورا في تهميش الدور التنويري للمثقف والرهان على الوجوه السياسية التي تزيد من حدة تطرف الخطاب الإعلامي وتزيد من الفجوة بين القوى المختلفة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وماذا تعني الحرية لأحمد طوسون؟ متى تكون كاملة ومتى يكون لها خطوط حمراء لا يتوجب القفز فوقها؟


المجلة الثقافية الجزائرية: لعل من يقرأ لك يشعر أنك مشغول بهاجس الحرية بمعناها الإنساني، بحيث تتبلور دائما في شخصية كادحة، وحارة، وصادقة. هل قدر المواطن أن يكون كادحا ليكون حارا وشريفا؟
أحمد طوسون: عذابات الإنسان تبدأ حين تحجب عنه القدرة على الحلم، الحلم هو مرادف الحياة، بينما اليأس هو الموت، يكدح البشر عادة من أجل حلم ما قد يكون في معانقة حبيبة أو اللحاق بفرصة عمل أو البحث عن لحظة أمان أو معانقة وطن أو التحليق في سماوات لا تحدها حدود، أنبل ما في الإنسان كدحه للحاق بحلم ما مهما بدا في عين الآخرين بسيطا وعابرا.. حين تفسد الأوطان يكون أول ضحاياها من الشرفاء الكادحين الذين لا يملكون من ثروات الحياة إلا الحلم، رغم ذلك يحاولون حتى حرمانهم من حقهم في الحلم بغياب تكافؤ الفرص وملاحقتهم بالأسوار العالية من كل جانب.. حين يستشري الفساد في نظام ما يطول كل شيء في هذا النظام حتى قيم مجتمعه وتبقى للمواطن الشريف عذاباته ليحافظ على نفسه نقيا بين السلة الفاسدة.
المجلة الثقافية الجزائرية: طيب، حدثني عن احمد طوسون قبل وأثناء وبعد الثورة؟
أحمد طوسون: كنت أخشى قبل الثورة من السيناريو الذي يمكن أن يحدث إن سار النظام في غيه وسلك درب التوريث، كنا نخشى من فوضى هائلة تحطم كل شيء، لكن في الثامن والعشرين من يناير تبدد ذلك الخوف، وصرت أكثر إيمانا بقدرة هذا الشعب ورقيه.. في الثامن والعشرين من يناير سقط نظام مبارك فعليا وانتهت منظومة الأمن باختفاء الشرطة ورغم الرعب الذي كان يحاول جهاز الإعلام الرسمي بثه إلا أن الشوارع كانت آمنة وتشكلت لجان شعبية لمواجهة البلطجية الذين أطلقتهم الشرطة إلى الشوارع.. أحداث الثورة والأيام التي تلتها تجعلني واثقا من قدرة هذا الشعب على تصحيح المسار برغم المحاولات المستميتة للقوى المناهضة للثورة التي تحاول إعادة إنتاج النظام القديم بدون مبارك ورموزه.
المجلة الثقافية الجزائرية: ثمة من يقول أن نجاح الثورة يجب ان يكون بوصول شباب وطني ومبدع إلى السلطة، تماما كما فجر الثورة شباب وطني ومبدع.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: بالطبع.. أنا أتفق تماما مع هذه الرؤية، شاخت هذه الأمة حين شاخ حكامها وترهلت كروشهم على مقاعدها الوثيرة.. نحتاج إلى دماء شابة تضج بالحيوية وروح المغامرة والحلم.. لقد قضوا على أجيال وأجيال من الشباب المبدع بإقصائهم بعيدا وتمسك الكهول بكل منافذ السلطة والحياة في بلادنا.. نحتاج إلى روح الشباب وطاقتهم على الحلم والعمل لتعود بلادنا شابة فتية.
المجلة الثقافية الجزائرية: سأعود إليك.. تكتب الرواية، كما تكتب أدبا موجها إلى الطفل، وهما مجالان مختلفان تماما من حيث التعاطي مع قارئ الرواية كقارئ راشد، ومع الطفل كقارئ صغير.. كيف تستطيع ان تحافظ على عوالمك الأدبية روائيا وعلى خصوصية كتاباتك للطفل من حيث الفكر والأسلوب والنوع والأجواء؟


المجلة الثقافية الجزائرية: كيف تفسر تراجع الأدب الموجه إلى الطفل أمام برمجيات تبدو خطيرة أكثر مما هي نافعة؟
أحمد طوسون: التراجع في وجهة نظري ليس بسبب ظهور البرمجيات ووسائل الميديا الأخرى، إنما التراجع مرجعه الأساسي بسبب عدم اهتمام مؤسساتنا الثقافية الحكومية والخاصة بفنون الطفل وآدابه، وتمسك البعض ممن يقود هذه المؤسسات_ إن وجدت_ بالمفهوم القديم والتقليدي لأدب الطفل.. كما أنه من الضروري للارتقاء بفنون الطفل وآدابه ارتباط العملية التعليمية وبخاصة في مراحل رياض الأطفال والتعليم الأساسي بالمؤسسات التي تعتني بالكتابة للطفل وأن يحدث تنسيق ما وفق إستراتيجية يساهم في وضعها الكتاب والرسامون والفنانون المهتمون بأدب الطفل وفنونه.. وأن يساهم رجال الأعمال العرب والمؤسسات الأهلية في دعم الاهتمام بآداب الطفل وفنونه من أجل مستقبل أجيال هذه الأمة.. كما من المهم أن نوفر البرمجيات والميديا الموجهة للأطفال التي تولد من رحم قيم ثقافتنا العربية والإسلامية وفي الشكل والطبيعة الجاذبة لاهتمام الطفل بما لا يقل عما يأتينا من ثقافات أخرى تتعارض ما تبثه من قيم مع قيم مجتمعنا.
المجلة الثقافية الجزائرية: لعل أخطر ما نراه هو تحويل التكنولوجيا إلى وسيلة ترفيه أكثر مما هي وسيلة تواصل فكري حقيقي وبناء، مما جعل آليات العصر تقتل ثقافة القراءة منذ سن مبكر.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: قد تبدو الصورة في أحد وجوهها سلبية، لكن علينا ألا نغفل دور التكنولوجيا في المعلوماتية، وأن ننتبه إلى دور وتأثير التكنولوجيا في نشر الوعي لدى المواطن البسيط ودور التكنولوجيا وأثرها في ثورات الربيع العربي وما سوف تحدثه من تغير في خريطة العالم وما يمكن أن تتوقعه من ثورات في مناطق أخرى من العالم. كما أنه على عكس ما هو متداول عن تأثير التكنولوجيا السلبي على ثقافة القراءة تشهد سوق النشر رواجا في السنوات الأخير ساعد عليه في ظني التطور التكنولوجي ووسائل المعرفة الحديثة.. كما أننا نغفل أن ثقافة القراءة لم تعد تقتصر على الكتاب الورقي وأصبحت هناك بدائل تكنولوجية أخرى ساهمت على العكس في زيادة هذه الثقافة ولكن بشكل مختلف، وعلينا أن نعترف أن للثقافة أكثر من رافد كلها في النهاية تنمي لدى الطفل الرغبة في المعرفة التي ستقوده حتما إلى ثقافة القراءة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف تفسر تراجع القراءة لدى الكبار أيضا؟ ولدى المثقفين أنفسهم الذين لا يقرأون لبعضهم في كثير من الأحيان؟
أحمد طوسون: دعنا نعترف أولا بالتأثير السلبي لغياب حالة نقدية مواكبة لما يصدر من إبداع ترشح وتحفز القارئ على المتابعة والاختيار في ظل صدور عدد مهول من الإصدارات ووجود عدد كبير من العناوين التي تصدر عن مؤسسات عامة وخاصة دون الاعتناء بفكرة الإعلان والتسويق، دون إغفال تأثير وسائل الميديا والاتصال الحديثة التي أصبحت تلتهم الوقت.. كما يجب أن تلحظ أن الأحداث الكبرى كالحروب والثورات والقضايا العامة التي تجتذب الناس تجعلهم ينصرفون عن القراءة لمتابعة ما يحدث في ظل بث مباشر للأحداث لحظة بلحظة.. لكن السبب الأهم في نظري لتراجع القراءة أن المجتمعات العربية لا تقدر المثقف وتعطيه المكانة اللائقة به في ظل سيادة ثقافة الاستهلاك والابتذال السائدة وأصبح النموذج الذي يراود الشباب لإحداث التغير الاجتماعي الذي ينشده في حياته أن يصبح لاعب كرة أو فنان أغان هابطة ليحقق الملايين التي يسمع عنها كل يوم أمام شاشات الفضائيات.. أما بالنسبة للكتاب والمثقفين أنفسهم فكثير منهم مشغول بنفسه وإبداعه ونرجسيته القاتلة طيلة الوقت مما يجعله لا يرى إلا وجهه في المرآة، لكن هؤلاء يكتبون بأيديهم شهادة وفاتهم إبداعيا!
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف يقرأ أحمد طوسون زملاءه الكتاب في مصر، وفي الوطن العربي؟
أحمد طوسون: المشهد الإبداعي في مصر والوطن العربي ثري ومتنوع، وهناك الكثير من المواهب والأصوات الجديدة المتميزة، لكن ما تعاني منه الساحة الثقافية غياب النقد المواكب للحركة الإبداعية.. وما يلفت الانتباه بشدة وفرة الكتابات النسائية المتميزة خاصة في مجال السرد.
المجلة الثقافية الجزائرية: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري ؟
أحمد طوسون: هناك الكثير من الأسماء الجزائرية التي قرأت لها كالطاهر وطار ومالك حداد وواسيني الأعرج وفضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي، بخلاف ما يصلني من نصوص لكتاب جزائريين متميزين لنشره بالمدونة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأ الآن؟
أحمد طوسون: أعكف على قراءة عدد من الأعمال الروائية والإبداعية التي صدرت حديثا في مصر لأسماء شابة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تكتب؟
أحمد طوسون: أعكف منذ عامين على كتابة رواية جديدة تتناول الوضع السياسي والثقافي المصري في حقبة التسعينات، لكن الأحداث الجارية بعد ثورة 25 يناير جعلتني أتوقف، ربما لأن الأوضاع في مصر تشد كل حواسنا تجاهها.
المجلة الثقافية الجزائرية: كلمة أخيرة؟
أحمد طوسون: تحية محبة لبلد المليون شهيد وأهلها.
http://thakafamag.com/index.php?option=com_content&view=article&id=2602:2011-10-15-21-39-12&catid=2:2010-05-31-17-34-19&Itemid=20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق