2013/05/13

ترويض النمرة بوزارة الثقافة.. بقلم: أحمد طوسون



ترويض النمرة بوزارة الثقافة!
أحمد طوسون
هل تشبه وزارة الثقافة المصرية كاثرين الشرسة بطلة رائعة شكسبير ترويض النمرة التي تعبر في وجهيها المتناقضين ما بين الضمير الثقافي الداعي للتغيير ونشر الوعي ومقاومة الفساد الذي استشرى في المجتمع عامة، وما بين الجمود والصلف الذي تواجه به الوزارة والقيادات وبعض من ينتمون للجماعة الثقافية أي محاولة للتغيير طالما أتى بأحد من خارج المؤسسة، ومس من قريب أو بعيد جسد المنظومة الإدارية التي مكنت البعض من تحقيق مكاسب ومصالح يخشى على تبدلها مع إحداث أي تغيير!
تلك الشراسة التي أورثتها الفترة الانتقالية وإحباطاتها للمجتمع المصري عامة، وبخاصة مع تخبط مؤسسة الرئاسة في قراراتها عقب أول انتخابات رئاسية تجري بعد الثورة. وفشل جماعة الحكم في إحداث التوافق السياسي والمجتمعي ، وتقديم حصد المناصب على معالجة الفساد وبؤر القيح وبناء أسس الدولة الجديدة، ورغبة بعض أصوات تيار الإسلام السياسي انتزاع مصر من هويتها التاريخية والثقافية والفنية، ووضعها في قالب التجربة الأفغانية فترة حكم الطالبان وأعوانهم لإعادة إنتاج التجربة وفق معطيات جديدة.
ولا نغفل دور المعارضة التي أدمن كثير من قياداتها التهافت وراء المصالح الصغيرة دون النظر بصورة أكبر لمصلحة الوطن ومستقبله.
الصورة تبدو في المجال الثقافي أشد تعقيدا في ظل مخاوف حقيقية تنتاب المثقفين تجاه أخونة مؤسسة الثقافة التي كانت دوما ترتدي رداء أهل الحكم عبر تاريخها وإن احتفظ كثير من المثقفين الذين يعملون بأروقتها الوظيفية بانتماءاتهم وآرائهم المستقلة والمعارضة التي تخبو وتثور حسب موقف النظام الحاكم من هؤلاء المثقفين ومصالحهم الصغيرة، فبتنا أمام مؤسسة بوجهين متعارضين، ما بين وجه يبدو مستقلا قوامه الحقيقي مجموعة من المثقفين الذين لم تنجح الوزارة في تدجينهم، وقفوا ضد نظام الحكم السابق أيام مبارك وطالبوا بالحرية والتغيير وكانوا الشعلة التي أضاءت الطريق لشباب آمن بالتغيير وإحداث الثورة، وما بين وجه آخر قوامه تبادل المنافع والمكاسب الشخصية ومداهنة نظام الحكم ومسايرته حفاظا على المغانم المكتسبة.
وعبر عامين بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم يحدث جديد داخل وزارة الثقافة وهيئاتها بغض النظر عن الأشخاص وخلفياتهم ومكانتهم الثقافية، لأن ترويض كاثرين وفق الدراما الشكسبيرية يحتاج إلى جنون ما لترويضها لم يمتلكه هؤلاء، كما لم يمتلكه الجالس على مقعد الرئيس بقصر الاتحادية، أو يمتلكه الجالسون على مقاعد المعارضة.
وإذا كانت كاثرين الكبرى تنتظر مروضها الذي يعيد لها رونقها وجمالها ورقتها من بين صفوف الشباب الذين أبهروا العالم في الخامس والعشرين من يناير إذا امتلك حلما يناسب هذا الوطن بتعدديته وتسامحه، فإن كاثرين الصغرى المثقفة ستحتاج إلى جنون أكبر، يعالج أخطاء الثلاثين عاما التي حكمنا فيها مبارك، كما يعالج خطايا العامين الأخيرين، وخطايا الاختيارات الخاطئة والقرارات التي تهدف لتمكين جماعة الإخوان على حساب الصالح العام.
أنا ضد الدفاع عن إقالة شخص من موقعه، ولا يمكننا أن نبحث في نوايا صاحب القرار من وراء إقالة مسئول ما، لأن الإقالة تعني خطوة أولى نحو التغيير، لكن ما يجب أن نرقبه ونتوقف عنده كثيرا هو الاختيار الجديد.. ولعل تجربة جريدة أخبار الأدب تقدم نموذجا يتخوف المثقفون من تكراره.
ومع التعديل الوزاري الجديد زادت مخاوف المثقفين باختيار د.علاء عبدالعزيز كوزير للثقافة باعتباره غير معروف للمثقفين، لكن هذا ليس سببا كافيا لرفض الرجل أو قبوله!
وما نسب إليه من رغبته في تغيير مسمى مكتبة الأسرة إلى مكتبة الثورة، لا يجب أن يجعلنا نتعجل في الحكم، فليست العبرة في تغيير المسميات.
كنت أتمنى بوجه شخصي أن يكون حديث أي مسئول عن الجوهر قبل الشكل، ومكتبة الأسرة مشروع عظيم حتى وإن كان وراء إنشائه النظام السابق بقرار من السيدة سوزان مبارك، لكن هذا المشروع انحرف عن مساره وأصبح كغيره مليء بأوجه الفساد التي يجب علاجها ليحقق هدفه الحقيقي في نشر الثقافة والوعي.. والإطاحة بالدكتور أحمد مجاهد من رئاسة هيئة الكتاب لا يعدو أن يكون قرارا روتينيا يفتح أفق محاولة ترويض النمرة في وزارة الثقافة، كغيره من القرارات التي ننتظرها بغض النظر عن هوية وزير الثقافة الجديد، وسواء أكنا نختلف معه أو نتفق.. كلها قرارات أولية لا يمكننا الحكم من خلالها.. الأهم في وجهة نظري من سيختار وزير الثقافة لرئاسة هيئات ومؤسسات وزارة الثقافة، وما هي المعايير التي سيقوم عليها العمل في مؤسسات الثقافة المختلفة، وهل سيكرر وزير الثقافة الجديد خطيئة مجلس الشورى في اختياراته الصحفية، أم سيختار قيادات تحمل في جعبتها جنون التغيير الحقيقي لمؤسسة الثقافة وتخليصها من أوجه الفساد لتقدم نموذجا إلى باقي مؤسسات الدولة، وفق رؤية ثقافية شاملة تستعيد دور مصر الثقافي في المنطقة، وتحمل في طياتها الأمل في استعادة القوة الناعمة التي بقدرتها وحدها إعادة مصر لصورتها المضيئة التي نعرفها.

ليست هناك تعليقات: