2013/05/30

سلامٌ عليكَ أيُّها الخِضر إلى "محمد عفيفى مطر" في يوم مولده بقلم: سهير المصادفة

سلامٌ عليكَ أيُّها الخِضر
 إلى "محمد عفيفى مطر" في يوم مولده

بقلم: سهير المصادفة
كنا فى أوائل تسعينيات القرن الماضى نمر على أرجاء مصر، مثل قاطرة صاخبة نجأر بكل ما فى رئاتنا من هواءٍ بأشعار أسلافنا الأولين، ونغنى خلف زعماء تحرير شعوب بعيدة كل البعد عنا، كنا بصوتنا العالى ورغبتنا فى المشاركة فى ثورة ما على شىءٍ ما لا نلتفت لما حولنا، وإنما نلوك المفردات دون أن نختبر الفرق بين مذاق الأرض ومذاق الدم، أو الفرق بين رائحة سنابل القمح ورذاذ مصانع النسيج، كنا نُعيد كتابة كلّ ما كُتبَ من قبل على إيقاع عجلات قاطرة طائشة وعلى إيقاع سنابك يقين غبى، وكان هو منتشراً هناك...... أبدٌ من الحقول الخضراء والصفراء.. نخلٌ سامق وشجيرات قصيرة تستطيع منح الظِل لكل عابرى السبيل.. ورودٌ هادئة ألوانها.. على مدى البصر، كان يمتد حولنا ويُجبرنا على الوقوف أمامه فنترجل عن صخب القاطرة.
فى حضرة "محمد عفيفى مطر" كان علينا أن نجتهد كثيراً لمُحاصرة نصه، كان علينا أن نجتهد لكى نحتضن هذا التنوع الشاسع وأن نتعلم منه الأسماء، على حدود عالمه الشعرى الوسيع عرفت لأوّل مرة ما هى متعة فهم الغموض وما هى متعة الاستماع لهسيس الوطن وزقزقة لياليه عبر مئات الأعوام وما طعم بهجة ألوانه المتعددة ورائحة طميه وعذابات أهله، وجدت نفسى أرى بوضوحٍ تامٍ...( كثافة الرشاقة فى موت الظباء )، ووجدتنى أتفق معه حين يُردد ( أعلنت ميثاق الإقامة بالرحيل )، ووجدتنى أكاد أغنى خلفه ( كنا مُتقابلين تقابلَ الخيمة والعراء ) وأتساءلُ معه ( هل الغزالات للعشق أم للردى يتوالدان؟ )
فى حضرة "محمد عفيفى مطر" تعلّمت أن الشعر حقا عال سُلمه، وأن علىّ أن أزدادَ خجلا كلما باغتتنى قصيدة، تعلمت خطورة أن يخرج النص من قلمى إلى كتاب مطبوع دونما أدنى بارقة أمل لإعادته إلى قلمى مرة أخرى وكأنه رصاصة، بت أكثر حرصاً مع كلماتى وأكثر تواضعاً أمام الملكوت اللا محدود، وكلما رأيته أهمس بينى وبين نفسى: السلام عليك أيها الخِضر، السلام عليك أيها الشاعرُ، أو لم يكن مثل الخِضر عليه السلام يمر أمامنا وكأنه هواء.. كان نحيلا كما رمح متجهاً إلى الفضاء متخلصاً من كل تزيد حتى ولو كان فى جسده.. وجه منحوت بزهد منقطع النظير فى التفاصيل وكأنه خارجٌ من أحد جدران الفراعين ومنذورٌ مثلهم للخلود.. عينان لامعتان ثاقبتان وطيبتان طيبة فلاح مصر الفصيح.. هالةٌ من البياضِ تُحيطُ برأسِه كالقديسين، تحسبه حين تلقاه عابراً نازلاً من سماءٍ ما للفرجةِ على العالمِ إلى حين، ولا تملك أمامه إلى أن تحسده على تحرره من متعٍ كثيرةٍ وترفعِه عن الخوضِ فى أىّ صراعٍ أرضىٍ حتى بالكلام.
ما زلت أبتسمُ كلما قرأت له ( كان من علامات العدل الجميل أن يصف المُبصرللأعمى روعة الليل ونقوش السماء بالكواكب والنجوم ونعاس القمر الفضى بين أغصان الشجر وسجادات الوادى ومرايا الماء وجواهر الندى ) وأتذكر كم عانى وسُجن لأنه كان مبصراً حاول أن ( يُشاكس جبروت السيف بصدره العارى ويجالد القبائل بالقصيدة. ) وأواصلُ القراءة فتدمع عيناى ولا أستطيع إلا ان أرددَ: السلام عليك أيها الخِضر يوم مررت بيننا كالضوءِ شفيفاً ويوم رحلتَ وكتابك فى يمينك فلا عليك لأنه سيحميك دون شك من طول الرحلة وسينير لك ظلمات أشكُ كثيراً أنها ستعترض طريقك.

ليست هناك تعليقات: