2013/05/21

كلام الليل قصة بقلم : الحسن بنمونة.



كلام الليل
بقلم : الحسن بنمونة.

    الحزب الذي أنتمي إليه يدافع عن حقوق الفقراء .أنا دخلت بيته لأن ابن خالتي عضو فيه برتبة لا بأس بها . قال لي : يا ابن خالتي ، بما أنني ذكي فقد حشرت نفسي في هذا الحزب . أنا ابن فقير ورئيس حزبنا لا يزال يصارع القوى العاتية التي تريد إيذاء مجتمعنا .   صحيح أنه يسكن الآن منزلا مبنيا بالإسمنت والآجر ولكنه قطن حيا شعبيا تشرب فيه الأزمات الاجتماعية.  في مقر حزبنا صورة لرجل بلباس عامل مصنع يمسك منجلا باليد اليمنى ومطرقة باليد اليسرى. أحببت المنجل لأن أبي يمتلك واحدا منه ، وهو يلازمه أيام الصيف ،لأنه يحصد به حقول الأغنياء . هم لا يشبهون في الواقع أغنياء الطبقة الأرستقراطية الذين زرعوا الرعب في أوربا . أنا أحبهم لأنهم طيبون ولا يماطلون أبي عندما يطالبهم بأجرته . صادقت أبناءهم . لم يكونوا أغوالا يخيفوننا . كانوا  طيبين كأغصان شجر التوت. يقول أبي إنهم يشكون العمال قلة اليد وبخل الحكومة التي تثقل كاهلهم بالضرائب ولا تشفق عليهم. لا علينا، رئيس حزبنا حدثنا عن الأحزاب الأخرى التي تسعى إلى الاستئثار بالحكم  في الانتخابات القادمة . حثنا على ضرورة التصدي للحكم الجائر. أشفقت عليه لأنه أرغى وأزبد وتطاير نثار لعابه فأصاب ذوي الرتب الأولى في الحزب. كانوا يكتفون بمداراة الخجل بوضع الأيدي على الأفواه. فهمت في ما بعد أنه علينا أن نحذر لعاب الآخرين.  في النهاية ربت الرئيس أكتافنا واحدا واحدا ، وقد نمنا ليلتها حالمين بحدائق غناء تحلق في سمائها الطيور المغردة .أنا أحب حزبي وأحب رئيسي وأحب الانتخابات . ابن خالتي قال لي إنه فخور بي أيما افتخار ،لأنني رمز التضحية ، أضحي بوقتي وعملي الذي طردت منه شر طردة . قال كذلك إنه سينكب على وضع برنامج لحشر أفراد العائلة كلهم في الحزب . بدا لي معتوها . كيف لخالتي ولزوجها مثلا أن يقطعا عشرات الكيلوميترات لحضور اجتماعاتنا . قلت له : يا ابن خالتي ، أنا أخالفك الرأي فهما لن يفقها شيئا مما يدور في هذه الحجرة الضيقة . سرت في خديه حمرة الخجل البدوي . قال : لا تعارض أفكاري ، إن تماديت في مخالفتي جعلتك من أعداء الحزب. لا يمكن لهذا البلد أن يتقدم إلى الأمام إذا لم نضحي بالدم والحياة . يا ابن خالتي : أنت لا تخدم القضية الحزبية بهذا العمل ، لأنك تسيء إليها بحشر أبويك في ما لا يعنيهما وهما لا يعرفان القراءة والكتابة . أعرف ما يدور في رأس ابن خالتي . يريد أن يربح حزبنا الرهان ؛ رهان التقدم والديموقراطية . آلمني حقا أننا لا نصنع الشاي في مقر حزبنا . أقول هذا الكلام لأنني مدخن شره . أحب الأفكار والتدخين والتفكير في البلد الذي يسير نحو الهاوية اللعينة . لا بأس من أن يحشروا الناس كلهم في حزبنا إذا عثروا على مكان يسعهم .
     صاحب الحجرة الضيقة يطالبنا باسترجاع ملكه .
    يقول رئيسنا : هذا من فعل فاعل معروف . يريد النيل من صبرنا ، ولكننا عازمون على المضي قدما نحو الأمام . لن نركع . لن نركع.  
                            الدار البيضاء. 2013 .               

ليست هناك تعليقات: