2013/08/14

عبد الباقي يوســف في روايتــه الجديدة : هولير حبيبتــي سيرة مدينة كرديــة إسمها هولير بقلم : سمية خليل



عبد الباقي يوســف في روايتــه الجديدة : 
هولير حبيبتــي
سيرة مدينة كرديــة إسمها هولير    
بقلم : سمية خليل

تتميز رواية الروائي الكردي السوري عبد الباقي يوسف بتناول جوهر العلاقة بين الخيالي والواقعي في الرواية التاريخية .
هولير حبيبتي ، آخر إصدار روائي لعبد الباقي يوسف صدر عن دار التفسير في مدينة أربيل ، عاصمة إقليم كوردستان العراق 2013 .
وما يميز هذا العمل أنه أول عمل روائي يتناول مدينة أربيل روائياً ، ومن أهم ما يعتني به السرد الروائي هو إظهار الجانب الروحي في هذه المدينة التي تُعد من أقدم المدن التي ما تزال مأهولة بالسكان حتى الآن ، و لبثت محافظة على طابعها الروحاني ، وجاذبة لأفواج السياح والزوار للإستمتاع بنفحات هذه الروحانية .

 البناء الفني للروايــــة

تتجسد هولير في هيئة إمرأة جميلة ، وتنشب علاقة حب خاصة بينها وبين ضيفها الكردي الذي يقدم إليها من سورية .
تبقى الرواية محافظة على مسار السرد الروائي لإبراز معالم ومزايا وخصائص روحانية هذه المدينة ، حتى تمنح القارئ شعوراً بتوق شديد إلى القيام بزيارة إلى هذه المدينة ، بل تجذبه بقوة إلى ذلك حيث :
كل ركن في هولير يطفح بلمسة سحرمباركة
كل شيء  يتعمد -  طوعاً أو كرهاً -  في معمودية هولير :

هديل الحمام على أسطح هولير
زقزقة العصافير على أعالي الأشجار في صباحات هولير الباكرة
قباب المساجد في أزقة أحياء هولير
إيقاع سكون الليل في بيوت هولير
متعة المشي الهوينا على فضة أرصفة هولير
حفيف الشجر في شوارع هولير
تذوق قشدة غفوة القيلولة في ظهيرات هولير .

ليس في هولير موضع غير قابل لخفقة عشق
ليس في هولير لمسة غيرقابلة لهمسة قلب
كل ما في هولير يطفح في نظره بألق فتنة الجمال .

حينئذ يشدو فؤاده  كما لم يشد من قبل :
ما أبهى خصلات الشمس في ثنايا جدائل شعرك ياهولير
ما أروع معالم غروب الشمس على ضفاف ضواحيك ياهولير
ما أجمل ظهيرات القيلولة في أركانك ياهولير
ما ألذ احتساء قهوة في فيء عصرك ياهولير
ما أطيب عطر العشاء في أماسيكِ ياهولير
ما أعظم شأنك ياهوليرتي  
ما أسماك ياهولير وأنت هولير .

ثم يتحدث على لسانها قائلاً :

أنا هولير
سيدة أمجاد الكورد
قلعتي الشامخة شاهدة على أمجادي 
من أجل ضفائري تنازع جبابرة العالم
أعدّوامن أجلي ما استطاعوا من قوة ، ومن رباط الخيل
أقاموا في ربوعي حيناً من الدهر
ثم مالبثوا أن مروا بي مرور الكرام  .
انا هولير
مدينة الكورد الأزلية
صاحبة عصمة أكرادي
لاشيء لي دونهم
لاشيء لهم دوني

أنا هولير
فضة أحلام الملوك   ،
محط أنظار الجبابرة ،
 مكمن أطماع الغزاة ،
 مدينة الآلهة الأربعة ،
مقام  حاملة الإرث البابلي عشتار المقدسة  .

أنا هوليــر
 نزهة الساسانيين ،
حديقة البارثيين ،
مخبأ كنوز الفرثيين ،
سياحة السلوقيين ،
كنيسة الآشوريين ،
جوهرة أبناء فارس النفيسة ،
 ضفة العثمانيين ،
 زهرة إمبراطورية أور الثالثة ،
 ساحرة الملك السومري الجميل  شوكـــي  ،
ملهمة آشور باني بال   ،
أنا هولير ،

حاضنة كهف شانده ر ،
ماوى إنسان  الينادرتال ،
لؤلؤة كوردستان المجيدة ،
 وسادة الميديين في ليالي الوحشة ،
محطة غزوات الرومان ،
 محظية هولاكو ،
عروس إمبراطورية الصفويين ،
 حلة تيمورلنك النفيسة ، أسيرة الطليان الجميلة .
أنا هولير
قصبة حفدة الكورد الذهبية .
أنا هولير
لي عند ربــــــي مكرمات  .

رواية الذاكرة الكرديـــة

تتناول هذه الرواية أيضاً سرداً للإمبراطوريات والإمارات والممالك الكردية عبر التاريخ ، حيث تقدم إلى القارئ شخصية الإنسان الكردي وما يتمتع به من غنى في هذه الشخصية .
وبعد التفرغ من قراءة هذه الرواية نتعرف على كم هائل من المعلومات عن الأمة الكردية ، وكذلك عن مدينة أربيل بحيث نقف أمام روائي غني في معلوماته يمكن إعتباره ذاكرة للأمة الكردية ، وكذلك ذاكرة لمدينة أربيل ، وبالتالي يمكن إعتبار هذه الرواية ذاكرة للأمة الكردية ، كما أنها ذاكرة لمدينة أربيل .
ومما تورده الرواية عن أربيل  :

قال : علمتُ بأن لك أكثر من إسم  ، ما سر هذه الأسماء ؟.
قالت : أسمائي كثيرة ، منها تعرفها ، ومنها لايعرفها أحد غيري ، كل قوم كان عندما يسكنني ، يطلق علي إسماً .
قال :  لي طمع ياسيدتي كي تروي لي أسماءكِ .
قالت  :  من أسمائي التي اشتهرت بها في الناس :

خوليـــــر ،،،
هاوخـــور ،،،
هويـــــر ،،،
أوليــــــر ،،،
هه ولير  ،،،
أوربيلــــم ،،،
 أربائيلو،،،
أوربيليوم ،،،
أربيل ،،،
 أربا أرلا ،،،
ئاربيـــــرا   ،،،
ئاربل ،،،
ئاروبل ،،،
أربيلاس ،،،
أربيليس ،،،
أرويل ،،،
أربيرة  ،،،
أربيـــــلا  ،،،

ثم أردفت تقول : لكن أحب أسمائي إلى قلبي هو : هه وليـــر  لأنه من زبدة صفوة اللسان الكوردي الذي أقف به على جذوري . 
تحسدني مدن العالم على تهافت ملوك وأباطرة الأرض لإشادة عروشهم في
رحابي .
ذات يوم من سنة 2000 قبل ميلاد المسيح  قال لي الملك السومري شوليكي بأنه يفخر أن أكون من أكثر أملاك سومر عماراً بالحياة والجمال  .
 يومها استأذنني ليدلعني باسم  / أوربيليوم / وكان ذاك الاسم من أحب الأسماء إليه ، كنتُ دائمة التردد على لسانه ، وعندما كان يلفظ اسمي ، كان كمن يتناول قطعة حلوة .
ذات أمسية عندما كان ساهراً في قلعتي مع عائلته ، قال لزوجته بأنه عندما يلفظ اسمي يشعر بأن نبرات صوته تحلو ، فلمستُ حينها شيئاً من الغيرة وقد بدت على محياها .
لكن ، وكما هي العادة ، فإنهم نزحوا عني ، وبقيتُ أسحرهم ، فاشتقوا أسماء مدنهم الجديدة : أور ، أديرو ، أورك ، من ثنايا اسمي .
افتر جمال ثغرها الوردي بلمسة بسمة ، واردفت تقول : لكنني ذات يوم فوجئت بملك أور يطرق أبوابي مستعيداً مجد سومر ، ورأيتني متوَجة بلقب سيدة إمبراطورية أور الثالثة لاينازعني في منزلتي أحد .      

عندما سكنتني الأقوام الزاكروسية من ميديين ، وكوتييين ، وأورارتو ، وخوريين ، وكاشيين ،  وميتانيين ، تباروا وتنافسوا فيما بينهم لجعلي أكثر مدن الأرض جمالاً ، وتمتعاً بنفوذ سياسي ، وإداري ، ومالي ، ومنزلة رفيعة .
كانوا يتنافسون في جعلي لؤلؤة إمبراطورياتهم  .

كرمني الآشوريون عندما قطنوني بأن جعلوا في ربوعي عرش عشتار المقدسة ، وكللوني  في كتابات مسمارية :  / أي -  كشان -  كلاما /  وقالوا لي : أنت بيت سيدة الإقليم ، فاكتسبتُ بذلك رمزية دينية  لسائر أبناء وحفدة آشور من بعده الذين يعتبرونني محجاً ، ويأبون فراقي حيث مازالوا يقطنون في رحابي ، يشمّون من جدراني ، ومن ذرات تراب قلعتي روائح أجدادهم .
عندما اشتد عود أجدادك  الميدييين سنة سبعمائة قبل المسيح ، لم يهنأ لهم بال حتى أتوا بجيوشهم وانتزعوني بقوة حدّ السيف من أبناء آشور ، وقد اعادوني إلى منبتي  الكوردي ، حيث احتلفوا بتكليلي جوهرة امبراطورية ميديا ، لكن جمالي لبث يسحر الملوك وقادة الأرض ، فانتزعتني براثن دولة  / هه خه ماني / الأخمينية .
لم يرق الأمر للإسكندر المقدوني ، فشن من أجلي معركة أسماها / أربيلا / وانتزعني بالقوة ليجعلني مُلكاً لإمبراطورية حفدة يونان  .
وعندما اشتد عود الملك الأرمني / نيكران / درتُ ذات ليلة في خلده ، فلم يهداً له بال حتى جاء وانتزعني بالقوة ليجعلني مدينة الأرمن الأثيرة

إن اللغة الشاعرية التي تميزت بها هذه الرواية تجعل من قراءتها متعة بحيث يتلقى القارئ مضمونها كما لو أنه يستمتع بقراءة قصيدة بديعة  :
قالت : ذات يوم قلت لآشور بانيبال : ما الذي جعلك تترك الدنيا قائمة ، وتأتي
إلي ؟
قال : لأنني هنا فقط أشم رائحة الحياة .
قلت له : لكنني لن أدوم لك ، ولا لأبنائك
أجاب وهو يحاول مقاومة مشاعر الهزيمة في حضرتي : سأسعى إلى ذلك مااستطعتُ إليه سبيلا .
ثم قال بزهو كما لو أنه ديك رومي -  ضحكت وهي تقول -  : لاأعرف حينها لماذا تخيلته ديكاً رومياً منفوشاً - : الموت في سبيلك ياتاجي النفيس ، حياة .

عبارته هذه تركت لدي أثرها حتى اليوم، ولم أخبر بها مخلوقاً قط غيرك .
كنت ألمح معالم الإنشراح بادية حتى على نبرات صوته وهو يحب أن يدلعني بـ / أربائيلو / .
كان بانيبال شبيهاً بالملك الاشوري الرقيق دان الثالث ، كانوا عندما يريدون الذهاب إلى حملاتهم العسكرية ، لم يقدموا على ذلك قبل أن تحجني جيوشهم ، وتطلب مرضاتي ، ثم ينطلقوا ليحققوا لي المغانم ، وسعة الملك .
لكن كما سبق وتنبأت لهم ، فلم يسكت أبنائي عن ضيم ، عندما اشتد عود الميديين واشادوا إمبراطورية الكورد ، لم يترددوا من الإتفاق مع الكلدانيين ، وقاموا بهزيمة مملكة آشور ، كان ذلك سنة 612 قبل المسيح .
أجل ، عبارته هذه جعلتني أشد انتباهاً إلى مكامن نقاط ضعف جبابرة ، وقادة ، وسلاطين ، وملوك ، وأباطرة المعمورة الذين أفصحوا عن مكامن نقاط وهن نفوسهم العظمى إزائي ، وقد استسلمتْ بهم تلك النقاط على ضفاف خلوتي .
قال : أماتزال ذاكرتك ِ تحتفظ بكل هذه الوقائع ؟
قالت : هذه هي ذاكرتي ، كل مدينة تستمد قوتها وحضورها من ذاكرتها ، المدينة التي لاذاكرة لديها ، لاتقف على أركان مدينة .
كل واقعة ، بل كل كلمة سمعتها ، ما أزال أحتفظ بها كما لو أنها وقعت بالأمس .
عندما رست سفينة نوح على الجودي ، كان عهدي بأبناء آدم الثاني
قال : آدم الثاني ؟!
قالت : بعد الطوفان بات نوح هو أب الناس جميعاً ، لأنهم تناسلوا من صلبه . زحف الناس يومها إلى ربوعي واتخذوا من كهوفي مخابئ ومآمن لهم .

إذا أعدتك إلى ستين الف سنة ماضية ، سترى معي كما لو أنه حدث في رأس السنة الكوردية الماضية أن الناس قطنوا هنا في كهف شاندر .
قال : متى كان ميلاد السنة الكوردية ؟
قالت : كان ذلك سنة سبعة آلاف قبل ميلاد المسيح ، الناس بشكل عام كانوا يتوافدون إلى كل مدن هذه المنطقة الخصبة التي كانوا يسمونها أرض الكورد .
في عصر حضارة مابين النهرين كانت أرض كوردستان ، أعني / كوردواري /  لكن لأحفف عليك شيئاً وأنا أدرك أنك لن تستوعب مني كثيراً إذا حدّثتك بأصيل لغتك ،لأن اللهجات توالت ، وميزت طوائف الكورد عن بعضها ، وعبرت عن خصائص كل طائفة .
قال : كم لغة تعرفين سيدتي ؟
ضحكت وقالت : قل كم لغة لاتعرفين .. لاأظن أن هناك لغات لم يعلمني إياها الملوك ، ولم تعلمني إياها الغزوات التي تعرضتُ إليها ، كنتُ أتحدث كل تلك اللغات بطلاقة ، لكن لاأخفيك أن أحب اللغات إلى قلبي هي اللغة الكوردية ، كما أن أحب الأسماء إلى نفسي هه ولير .
أشعر بجمالية الحروف عندما يناديني به الناس ، إن كل حرف من حروف هذا الإسم تسري في عروقه كريات دماء كورديتي .
كانت هذه البقاع تجذب وتغري الناس لدخولها أكثر من أي بقاع أخرى في رحابة أرض الرب .
في العهد العباسي ،عادت هذه الأرض لتشهد أمجاد الإمارات الكوردية لأنهم أصبحوا مسلمين موالي ، يؤازرون دين الإسلام ، فكانت إمارة عيشاني ، وإمارة روادي ، وإمارة شدادي ، وإمارة مرواني ، وإمارة عنازي .
ثم ابتسمت وقالت : إمارة هزباني .
واردفت تقول ببسمة : هذه الإمارة الكوردية لي معها ذكريات طيبة  لأنها كانت تخصني ، وهي تذكرني بأميريها : عيسى بن موسى الهزباني ، وأبو الحسن بن موسسكي الهزباني .

خيم صمت عليهما استغرق زهاء نصف ساعة من عمر اللقاء ، ثم ما لبثت أن كسرت زجاجته وهي تقول : أخذتُ من كل شخص من أولئك شيئاً لبني قومي ، وهذا ما أفادهم كيراً ، والحق بهم الهول كثيراً .
أفادهم لأنهم تحولوا غلى خلاصة من الرحمة ، وأذاهم لأن طيبهم فاض بهم عن حدوده الدنيا .

هامش

إسم الكتاب : هولير حبيبتي
 جنســــه      روايـــة
المؤلف  :    عبد الباقي يوسف
الناشر  :  دار التفسير  في أربيل
عدد الصفحات :  305
سنة النشر :  2013







ليست هناك تعليقات: