2013/08/27

إعدام .. قصة بقلم: محمد نجيب مطر

إعدام
محمد نجيب مطر
نعم إنه يعترف بين وبين نفسه أنه قصر تجاه زوجته في أشياء كثيرة، شغتله القضايا العلمية عن كل شئ، ولكنها كانت تعرف مسبقاً ولعه الشديد بالعلم، فهو يعمل في مشروع عمره في السفر إلى الفضاء عن طريق مركبة جديدة، تستخدم الجاذبية الأرضية في الدفع بالمركبة إلى الفضاء، فقط الصاروخ الأول يدفعها إلى مدار خارج الغلاف الجوي، وبعدها تخرج من الجاذبية بزاوية محسوبة بقوة تدفع بها إلى أقرب كوكب وتدور حوله ثم تنطلق إلى كوكب آخر وهكذا، وكان حلم حياته أن يتجول هو وزوجته بين الكواكب وسيجد الوقت الكافي للاهتمام بها والتعبير لها عن حبه الشديد لها، سيزور كل كواكب المجموعة الشمسية ثم يتجول بين مجموعات قريبة منها في نفس المجرة ثم يعود إلى الأرض بعد أربعين عاماً بالنسبة إليهما، وثلاث مئة عام بالنسبة لأهل الأرض، فالجسم عندما تزيد سرعته وتقترب من سرعة الضوء يقل الزمن بالنسبة إليه، وإذا وصل إلى سرعة الضوء وهذا مستحيل يتوقف الزمن، أي يسافر ويعود دون زمن، سيودع كل أصدقاءه ومعارفه الوداع الأخير، فربما يموت خلال الثلاثين عاما القادمة ويعود جسده إلى الأرض بعد كل هذه المدة، فعمره تعدى الثلاثين بقليل، ولكن بالتأكيد سوف يفقد كل أصدقائه وأقاربه ومعارفه بعد تلك الرحلة لأنهم لن يعيشوا ثلاث مئة من الأعوام.
زوجته كانت تعرف اهتمامه الكبير بعمله واختارته دون كل الذين عرضوا عليها الزواج، فلماذا تتململ الآن وتظهر ضيقها وحنقها؟ ولماذا رفضت فكرة السفر معه في الأيام الأخيرة لتلك الرحلة الرائعة رغم أنه هيأ كل شئ لكي تكون معه؟  
انطلق بمركبته وأصبح خارج المجال الجوي واستقر في مداره، وأخذ يستمتع برؤية زوجته ومساعده وهما يتبادلان نظرات الغرام الملتهب، ويستقبلان فيضاً من الاشعاعات الذرية داخل غرفة التحكم دون أن ينتبها، وفي آخر اتصال بينهما وبين قائد الرحلة بين لهما أنه يعرف العلاقة بينهما، وأنهما الآن تلقيا جرعة من الأشعة تكفي لصنع قنبلة نووية، وأنه سيعود إلى الأرض بعد أن ينتهي كل شئ.
لزم الجميع السكون عندما دخل القاضي ليعلن الحكم في قضية مقتل زوجة الباحث ومساعده: حكمت المحكمة بالإعدام على الباحث وقتما يعود إلى الأرض، وبتوثيق الحكم  لتنفيذه في أي دولة وفي أي وقت يعود فيه، وأن يسجل هذا الحكم في الأمم المتحدة لعدم إسقاطه بمرور الزمن.

ليست هناك تعليقات: