2013/08/22

رواية (يوم رائع للموت).. واقع إنساني مهدد بالإنهيار و الموت بقلم: عبد القادر كعبان



رواية (يوم رائع للموت).. واقع إنساني مهدد بالإنهيار و الموت
بقلم: عبد القادر كعبان
يعد سمير قسيمي من الأسماء الروائية البارزة في الساحة الأدبية الجزائرية و العربية اليوم، خريج معهد الحقوق و هو من مواليد 1974 بالعاصمة. يشتغل على رواياته بشكل مختلف عن كل ما هو كلاسيكي ليدخل القارئ في لعبة مفتوحة تتأسس على الغوص في متاهات التخييل و إعادة عكس صور من الواقع المعاش.
من يتصفح روايات المبدع سمير قسيمي لا بد أن تلفته لغته البسيطة و المحبكة بأسلوب قوي يجمع بين الجد و الهزل لكن المشكلة التي يعرفها عالم الأدب هو غياب القارئ الذكي و هذا يعيدنا الى مقولة الأديب الجزائري المثير للجدل رشيد بوجدرة:" صعوبة الرواية الحديثة ترجع الى احتياجها الى قارئ ذكي"، و هل هناك قارئ بالمعنى الحقيقي اليوم؟
لا نخفي عليكم من اندهاشنا من عنوان الرواية الثانية لسمير قسيمي "يوم رائع للموت" الصادرة  في لبنان عن الدار العربية للعلوم ناشرون، و منشورات الإختلاف بالجزائر  و التي وصلت الى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لعام 2010 و التي دفعتنا لنطرح السؤال الآتي: كيف يكون للموت يوم رائع يا ترى؟
من سيقرأ الرواية سيكتشف حتما حقيقة أن الإنسان عبثا يحاول التخلص من قساوة الحياة بفكرة الإنتحار لأنه في النهاية الله وحده من يحدد موت ذلك الإنسان، و تقدم الرواية قصة متشعبة تجمع بين عدد من الشخصيات التي تنحدر من القاع أو بمعنى آخر تنتمي الى الحياة الإجتماعية البسيطة و التي تقيم في الأحياء الشعبية بالجزائر العاصمة كحي باش جراح.
تتناول أحداث الرواية شخصية الصحفي الشاب "حليم بن صادق" الذي أرهقته الحياة التي بات يعيشها فيحاول أن يضع حدا لها و التي لم يختر بدوره أي شيء فيها أو بمعنى آخر تراوده نفسه على فكرة الإنتحار بإلقاء نفسه من أعلى عمارة و كأنه يتخذ قرارا مصيريا لوضع حد لحياته التي لا تطاق في اليوم الذي يحدده و بالطريقة التي يختارها بنفسه.
نكتشف من خلال صفحات الرواية السبب الحقيقي لهذه الحماقة التي يحاول ارتكابها الشاب المثقف "حليم" حين تدفعه مغامرة عاطفية فاشلة الى الشعور بخيبة أمل كبيرة خصوصا حين هجرته "نبيلة ميحانيك" من كان يظنها الحبيبة لتتزوج بأحد الأثرياء ضمانا لمستقبلها. حتى تأخذ قصته شهرة كبيرة كفيلم التيتانيك  يعمل "حليم بن صادق" على كتابة رسالة لنفسه يبين فيها أسباب انتحاره و يرسلها الى كاتبها – حليم بعينه- عبر البريد لكن لعبة القدر تحول دون موته.  
من يغوص بين سطور الرواية سينتبه الى أن الروائي يتفنن بإدهاش القارئ من خلال حسه الساخر الذي ينبض وراء الكلمات ليعكس واقعا إنسانيا مهددا بالإنهيار و الموت. كما لا يفوت القارئ الذكي تلك الإشارات التي ساهمت بشكل كبير في كسر الطابوهات أو الثالوث المحرم "الدين، الجنس و السياسة".
تظهر كذلك شخصية "عمار الطونبا" صديق "حليم بن صادق" و النقيض له في كل شيء، و الذي يقرر الإنتحار أيضا بعد أن يفقد الأمل بالزواج من "نيسة بوتوس" التي تلج مجبرة عالم الإنحراف أو ما يسمى بعالم الدعارة و هي فتاة يتيمة هوى بها من كان يفترض أن يعلمها القراءة و الكتابة – المعلم-  و يفتح عينيها على العفة و حسن الخلق و لكن استغل براءتها و تعطشها الى الحنان الأبوي و أدخلها دون وعي منها الى عالم الرذيلة. كان "عمار الطونبا" يستشيط غضبا و يهدد بالقتل كل من يجرؤ على ذكر سمعتها السيئة أمامه، و ما دفعه الى ولوج عالم المخدرات هو اكتشافه لعلاقة والده بعشيقته. لم يكن يهمه أمر كل رجل نام في الفراش محتضنا "نيسة" بقدر ما كانت تطعنه في الصميم تلك العلاقة الغير الشرعية التي جمعت والده بمن كان يراها فتاة أحلامه. توفي والده و لم يتأثر "عمار" لذلك حتى أنه لم يفكر في أن يذرف دمعة واحدة لفراق من كان يعتبره غريمه في جسد "نيسة بوتوس".
هذه النماذج من الشخصيات و غيرها في رواية "يوم رائع للموت" من المهمشين كالمجانين و المسطولين و العاهرات و اللوطيين و المعلمين و العمال البسطاء و غيرهم يتواجدون بكثرة في المجتمع العربي عموما اليوم  و لا يجب أن نصدم إذا ما فكروا جديا في فكرة الإنتحار أو ما يسمونه "بالموت المادي" راحة من هذه المعيشة الغير المنصفة على حد تعبيرهم و التي تحابي فقط أصحاب الأموال كون حقوقهم باتت مهضومة لا يمكن لهم استرجاعها إلا بثقافة العنف لأنه ببساطة الدولة تخشى و تخاف من خرق النظام أو عليهم الإستسلام  للصمت و السكوت و هو حتما نوع آخر من الموت يسمونه "الموت المعنوي".  
يختم الروائي قصته بخاتمة غير متوقعة حيث يعمد في صفحاته الأخيرة على جمع تلك الشخصيات الهامشية ليشهدوا سقوط "حليم بن صادق" الإنتحاري إلا أن القدر له ترتيبات أخرى حيث أن نجاته من الموت كاد أن يكون محققا، جعلت السلطات تهتم به، حتى و لو أن اهتمامها لا يعدو أن يكون شكليا لا غير، حتى مدير الجريدة التي كان يشتغل فيها قام بإرسال شيك مقابل أجرته العالقة منذ شهور خوفا من إسقاط التهمة عليه بأنه السبب الرئيسي في محاولة الإنتحار الفاشلة تلك، و تهاطلت عليه عروض العمل التي لم يكن ليحلم بها و ما لم يكن ليتوقعه "حليم" قد حدث و هو عودة "نبيلة ميحانيك" لأحضانه كما وعده رئيس البلدية بسكن إجتماعي و الذي بات للأسف الشديد حلما صعب المنال في أيامنا.  

ليست هناك تعليقات: