الطاقة السلبية
  محمد نجيب مطر
مرض الملك وحج إليه الأطباء من كل حدب وصوب، الكل يريد أن ينال شرف علاجه، كل طبيب يؤكد أن دواءه هو الحل لو استمر الملك عليه، ولكن بعد تجربته لأيام يضطرون إلى استشارة طبيب جديد، استمر الحال على ذلك شهوراً، انتشر المرض بين معظم من كانوا في القصر، ورغم اتفاق جميع الأطباء على المرض، وتناول الدواء المطلوب، إلا أن الحالة تتحسن قليلاً ثم ينتكس المريض بالمرض نفسه أو بمرض جديد .
أشار البعض على الملك استشارة طبيب شاب جديد، اخترع جهازاً جديداً في العلاج لكل الأمراض ولكن معظم زبائنه من الفقراء الذين يؤكدون على تصرفاته الغريبة، يؤكدون أيضاً على قدرته على العلاج في فترة وجيزة بالقليل من الدواء، فأمر الملك بإحضاره فربما يكون الشفاء على يديه.
حضر الطبيب ومعه جهاز واحد يشبه إلى حد كبير جهاز استقبال القنوات الفضائية، لم يلمس الملك أو يقيس حرارته وضغطه أو يحسب عدد ضربات قلبه كما يفعل الجميع، بدأ في تشغيل الجهاز وسمع الجميع أزيزأً متقطعاً، دار حول سرير الملك عدة دورات وكلما اقترب من الوزير تحول الأزيز المتقطع إلى صراخ حاد مستمر، طلب من الملك أن يدور بهذا الجهاز على كافة انحاء القصر، تعجب الجميع من طلبه فأشار لهم الملك بتنفيذ الأمر، دار حول جميع غرف القصر ثم عاد إلى الملك عابس الوجه مقطب الجبين، فسأله الوزير عن الأمر، فطلب أن يكون مع الملك بمفرده، هز الملك رأسه فخرج الوزير على الفور وأنفه أحمر من الغضب.
بدأ الطبيب الحديث مبيناً أن الجهاز الذي يحمله يقيس الطاقة السلبية، وأن هناك الكثير من تلك الطاقة في هذا القصر، استوضح الملك فأخبره أن الإنسان قد تتملكه بعض المشاعر السيئة فتخرج منه طاقة سلبية تؤذيه وقد تؤذي غيره، مثل الحزن والقلق والغضب والحقد والغل، هذه الطاقة السلبية تضر بنظام المناعة في الجسم فتتمكن منه الأمراض، فرد عليه الملك بأن العلماء قد اكتشفوا أن سبب الأمراض هي الجراثيم أو الفيروسات التي تهاجم الجسم، فأمن الطبيب على كلامه وأضاف أن تلك الجراثيم والفيروسات حولنا في كل مكان وفي كل وقت، ولكننا جميعاً لا نمرض بها في وقت واحد، تكون لدى بعض الأجسام مقاومة ويكون للبعض الآخر استعداد للمرض، ذلك حسب نظام المناعة الخاص بالجسم، هذا النظام نفسه يكون ضعيفاً عند وجود الطاقة السلبية الناتجة عن المشاعر السلبية، وجهازي قام بقياس تلك الطاقة فوجدها تملأ كل غرف القصر، فأنت يا مولاي ربما يعتريك القلق بسبب مشاكل الحكم، هذا القلق معدي فيقلق من حولك فتزيد الطاقة السلبية، ربما تكون يا مولاي سريع الغضب بسبب القلق وربما الغضب يؤدي إلى غضب الآخرين وخوفهم وحقدهم، كل تلك المشاعر تقلل من قدرة نظام المناعة على مواجهة الأمراض، وأرى أن الحل هو الحب والتسامح والاعتماد على حول الله وقوته بدلاً من حولك وقوتك، لا تقلق على الملك فهو بيد الله، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، سامح أعداءك تكسبهم، وقابل الإساءة بالحسنة تأسرهم، وغير بطانتك فهم أعلى الناس توتراً وخوفاً وقلقاً وحرصاً على مصالحهم، وزع الحب بين الناس تشفى ويشفى الناس، تزداد مناعتك ومناعتهم، فكما أن المشاعر السلبية معدية، فإن المشاعر الطيبة معدية أيضاً، سأله الملك عن الدواء، فقال له وهو يلملم أشياءه، لابد أن ننزع الطاقة السلبية أولاً بالحب والتسامح والإيثار، لكي نقوي جهاز المناعة، وبعد ذلك يمكن لبسيط الدواء أن يشفي والشافي هو الله.