محض
تخيل للدورة السحرية للفن
خيري عبدالعزيز
إذا ما تماس حدث ما في الحياة مع مبدع ما,
فإنه ينبش في جدار وعيه -بشقيه الظاهر والباطن- فيولد دفقة شعورية ما.. وليس شرطا
أن يكون ذاك الحدث قد مر به الفنان, وحدث لشخصه هو, فقد يكون حدثا عاما, أو سمع
عنه, أو موقف حدث لأحد أقاربه إلى آخره من شاكلة تلك الأمور, المهم والأهم أن
يتماس مع الفنان ويتأثر به ويتفاعل معه ليولد الدفقة الشعورية المنشودة, والتي هي
ركيزة الفن الأولى, ولبنة تكوينه الأهم..
وهذه الدفقة الشعورية المتولدة قد تكون محض شاعرة
مجردة, بمعنى أن الحدث الحياتي تماس مع المبدع من ناحية المشاعر, مثل الحزن
المجرد, أو السعادة المجردة.. وقد تكون الدفقة الشعورية هي مزيج من الشعور والفكر,
وقد تكون الدفقة أيضا محض فكر خالص.. وعلى كل, فإن تلك الدفقة الشعورية مهما كانت
ماهيتها أو تكوينها الداخلي, تلهب الأديب وتجعل في حالة من الفوران والتأجج, فقد حركت
بداخله مارد الفن ليعمل ويبدع.. ولأن الفن ليس هو الحياة -فهو فقط يستقي منها
مادته الأولى, ثم يعيد تشكيلها- فإن قريحة المبدع ومخيلته سرعان ما تحاول إعادة إنتاج
الحدث الأول, كي يصبح أكثر ملائمة, وذلك بالأخذ والتشذيب, أو الإضافة وإعادة
التشكيل, أو خلق حدث ببرمته من الأساس, المهم هو أن نخلص في النهاية إلى حدث ملائم
جديد, تحركه وتغذية الدفقة الشعورية المتولدة من الحدث الأول..
وهذه
الدفقة الشعورية في العموم لها وظيفتين, الأولى؛ كما سبق وقلنا هي قوى دافعة مستفزة
للمبدع كي يبدع نصا جميلا.. ثانيا؛ هي بالنسبة للحدث الذي أنتجته القريحة بمثابة الروح
التي تبعث الحياة في الجسد الميت, ومن ثم ينتفض العمل الأدبي حيا ينبض بالحياة,
لينقل رسالة الفن السامية لكل حي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق