2017/01/18

الكنيسة بأجزائها بمسدسات العم بقلم: محمود سلامة الهايشة



الكنيسة بأجزائها بمسدسات العم
بقلم: محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري

          لأنه شاعر مصر الكبير، ومعجون من طنها، فلازم يغني لكل شيء على طنها، مسك القلم ورسم صورة بالكلمات، على ورق بردي نما بمية نيلها، هذا هو العم الأستاذ، الشاعر المصري إبراهيم رضوان، برغم أنه كتب عن مصر الكثير بل المئات من الأغنيات، إلا أن المسدسات الأخيرة التي جاء في ديوانه ذو القصائد المسدسة، كان لها مذاق جديد، كأنه يريد أن يحتفل ببداية العام الجديد 2017 بشكلً مختلفة.

كنيسة/ بيعة:

اللغة الإنجليزية: church - اللغة العبرية: כנסייה - اللغة اليونانية: εκκλησία - اللغة القبطية: ek`klhci`a (إكإكليسيا) - اللغة الأمهرية: ቤተክርስቲያን (بيتا كريستيان) - اللغة السريانية: ܥܕܬܐ.
جمع: كنائس، الكنائس (بالعامية كنايس، الكنايس)، ويُطلَق عليها أيضًا: البِيعة، بِيعة - والجمع: بِيَع، البِيَع (المفرد والجمع بِكَسْر الباء). ويُقال على مذهب الشخص المسيحي: مذهبه الكنسي، أو العمل الكنسي.  ويُقال أيضًا: الحياة الكنسيّة..
          فقام عاشق الوطن مصر إبراهيم رضوان، بكتابة ثلاثة قصائد، الأولى (ص10) بعنوان "الحب الحلال" تحدث فيها عن "جرس الكنيسة"، والثانية موسومة "يمامة مصر" (198) ذكر فيها "فوق سطح الكنيسة"، أما الثالثة معنونه "الإرتقاء" دخل في داخل الكنيسة حيث سطر قائلاً "جوَّه الكنيسه .. تدوب" (ص208).
          أي أنه بدأ من الجرس ثم السطح ثم إلى داخل مبني الكنيسة، هكذا جاءت موضوعات القصائد الثلاث بالترتيب، لست أدري هل كان يقصد هذا الترتيب داخل الديوان أما لا؟!، فإذا كان هذا الترتيب مقصود من قبل العم الأستاذ، فهي لمحة في غاية الذكاء، وإذا لم يكن يقصدها وجاء القدر عاملً في ترتيب قصائد الديوان ليخرج لنا على هذا النحو، فتعد هذه الصدفة مكافئة المجتهد المتميز، وفي ظني أن الاحتمال الأول هو الارجح، لأن من يكتب بهذا الذكاء اللغوي والفكري لابد وأن تشغله التفاصيل، بل أدق الدقيق، فتحية لهذه العقلية التي تفكر بهذا الشكل الإبداع، فهنا لم يعد الحديث عن الشكل السداسي المبتكر لقصائد الديوان وفقط، بل عن هذا المفكر المبتكر في اختيار الموضوعات والقضايا التي تتناولها قصائده.

الحب الحلال
يا مريم العذرا البتول .. صورتك ما زالت في العيون
نخله عليها يمام قبول .. وحقيقه دايسه ع الظنون
الله على الحب الحلال .. بينَّا يا شلال النغم
الله أكبر .. قال بلال .. جرس الكنيسه قال نعم
يا عذرا ليل الظلم طال .. وصبحنا في غاية الألم
لازم هانرجع للأصول .. واللىهايرضِى الله يكون

الطيور كلها واحد:
          قصائد في حب الوطن مصر، فالحمام واليمام، رموز للسلام، فلما يطير ليقف فوق سطح الكنيسة، طبعا ليست أي كنيسة وأيضا ليست أي يمامة، بل اليمامة والكنيسة المصرية، ففي قصيدة "يمامة مصر" بدأت وانتهت بذكر "مصر"، وتحدثت عن المصريين جميعا الذي يجمعهم عامل مشترك واحد ألا وهو الاستهداف من كل أعداء وطنهم، فهم في الحياة والموت والمأكل والمشرب والماضي والحاضر سواسيه.
اليمام المطوق (الاسم العلمي Streptopeliarisoria) هو إحدى أنواع الطيور ويشبه الحمام إلى حد كبير ولكن الفرق ان لون اليمام هو البنى ويعيش بكثرة في مصر والشام والحجاز، وهو من الطيور غير المستأنسة أي التي لاتربى في المنازل (أي من الطيور غير الداجنة).

يمامة مصر
ناحت يمامة مصر ..
فوق سطح الكنيسه ..
قرينا فاتحه ع اللى مات
بيننا و بينكم يا حبايبى من زمان ..
أحلى و أغلى الذكريات
يا اللىانتوا من أصل الوجود ..
نفس الملامح .. و الوجوه
فوق القبور .. قلبى ورود ..
يا اللى احنا من غيركم ..
فىأى مكان نتوه
المصري .. هو المصرى ..
رب الكون معاه ..
حاضن فى كل مكان أخوه
ما احنا جميعاً ع الطريق مستهدفين ..
ضُمينا يا مصر الثبات

          في قصيدة "الحب الحلال" ذكر الشاعر اليمامة ولكن جاءت جمع "اليمام"، فيقول "نخله عليها يمام قبول"، كأنه يقول اليمام الذي يعيش في السماء هو يمام مصري، وهنا مزج بين قصة السيدة مريم البتول مع النخلة التي هزتها لكي تسقط عليها تمرات رطب لتأكل منها، وبين اليمامة رمز السلام والأمن والأمان والسكينة، وبالطبع مصر هي مهد الحضارات والبلد التي تؤمن بالكتب السماوية، وهي التي شهدت رحلة العائلة المقدسة، فأرضها وسمائها ونخلها وزرعها وطيورها كانت محاطة بالملائكة وبنظرة ورعاية السماء لها بصورة فيها قداسة ربانية.

الأمل من الألم:
لا يصل الإنسان إلى شيءٍ ما لم يكن متوجهانحو الارتقاء والصعود إليه، ومن قيم الارتقاء: العزيمة، الهمة، البذل، الصبر، الحب، الوفاء، الانتماء، الصدق. وقد تحدث الشاعر إبراهيم رضوان عن كل هذه القيم في قصيدة الارتقاء، ولكن بصورة مكثفة، بل في غاية الانضغاط، ففي 24 كلمة فقطهي عدد كلمات القصيدة أو المسدس الشعري، وصف الشاعر الارتقاء بأنه محبوب ومطلوب، موجهة كلامه للأمة، للشعب المصري بأن عليه أن يتخذ من الهمة والعزيمة مرتكزا نحو الارتقاء الأمثل. الهمةُ سمة عميقةُ الأثر في إنجاز الارتقاء. و هي حالةٌ تنتاب الروح الإنسانية تنبعثُ من الهمِّ مُضافاً إليه تاءٌ مربوطةٌ (ة) لتربطَه بأهدافه و صفاتها كـ: العالية، و السامية، و الثابتة. و بدون تلك التاء (ة) لا يكون سوى حالاً سلبية مؤلمة.تختلف الهمم بين الناس، باختلاف الأهداف والأفكار ، ومن ثَمَّ فالعزمُ لا يكون إلا بالهمة، و الهمة تخدم العزمَ، فعندما يعزم الإنسانُ على شيء تتكوَّن لديه همةٌ قوية ومرتفعة نحو ذاك المعزوم عليه، و بدون الهمة يكون العزم هُراء مهجورا وهباءً منثورا.
الإرتقاء
الإرتقاء .. محبوب
فى كل شىء .. مطلوب
قومىاخلطى .. يا امَّه ..
الشعب .. بالهمه
سيبى بقى العِمه..
جوَّه الكنيسه .. تدوب

          المسدس السابق عبارة عن تحدي شعري، يحمل الكثير من المعاني، ويدل على أن العم إبراهيم رضوان، إذا قرأ أي موضوع تقوم القارحة الشعرية لديه بتحويلها على الفور إلى قصيدة، وكأننا أمام برنامج كمبيوتر مزود ببرنامج للذكاء الاصطناعي يحول الجُمل النثرية إلى أبيات شعرية مليئة بالموسيقي والمحسنات البديعية!!، ولكن الفرق أننا لسنا أمام برنامج من صنع البشر، بل أننا أمام ذكاء طبيعي وهبه الخالق العظيم داخل عقل هذا الشاعر.

          أثناء كتابتي لتلك السطور، قراءة عبارة لفتت انتباهي بشدة كتابها الشاعر والإعلامي/ سامح محجوب، على صفحتها بالفيسبوك: "تنفق مصر ما يقرب من ٢ مليار جنيه سنويا على وزارة الثقافة، ومع ذلك نجد مواطنا يذبح مواطنا آخر تطبيقا لشرع أمه!!"، جاءت هذه الجملة تعليقا منه على واقعة مقتل مواطن مسيحي ذبحًا على يد شخص مجهول الهوية، اعتدى عليه أثناء تواجده في محمصه يمتلكها الأول شرق الإسكندرية، يوم الثلاثاء 3 يناير 2017، والمواطن هو "يوسف لمعي" لقى مصرعه متأثرًا بجراحه نتيجة قيام شخص مجهول الهوية بذبحه أثناء تواجده في محل عمله، والمحمصة "رويال" موجودة بشارع خالد بن الوليد بالإسكندرية والتي يمتلكها الضحية يوسف لمعي، وقال صاحب محل مقابل لمحل الضحية، فوجئنا بيوسف يسقط على الأرض والدم ينزف من رقبته حتى فارق الحياة.
          قد ذكرت هذا الخبر وتلك الحادثة المؤسفة، لعدة أسباب، أولاً لأنها حدثت في نفس أسبوع صدور ديوان "مسدسات" الذي هو الآن بين أيدينا ونقوم بقراءته وتحليله، ثانياً لأن من ذبح هو مواطن مصري مسيحي كان يجلس أمام محل عمله في شارع عام داخل مدينة كبيرة بحجم الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر، ثالثاً لأن من قام بذبحة كما أظهرت كاميرات المراقبة للمحلات المجاورة هو رجل ملتحي، وطبعا هذه المعلومة تعني الكثير، فجأت قصيدة "الارتقاء" لإبراهيم رضوان، للرد على مثل هذه الجريمة أو غيرها.

ليست هناك تعليقات: