2017/01/06

أيقونة النص المخلَّق قراءة في ديوان الشاعر يحيى سمير سيمفونيات للوجع بقلم: مصطفى جوهر



أيقونة النص المخلَّق
قراءة في ديوان الشاعر يحيى سمير
سيمفونيات للوجع
بقلم: مصطفى جوهر

ترجع التسمية الإنجليزية "Symphony" إلي لفظان يونانيان وهما لفظة "Sym" وتعني Together  أي "معا" بالعربية، ولفظة "phone" وتعني "صوت" بالعربية. لذلك يصبح اللفظ كاملا "Sounding Together"، وأقرب ترجمة له بالعربية هي "إنشاد جماعي". كما ترجع أيضا إلى لفظة لاتينية وهي "Symphonia". فالسيمفونية بالإنجليزية:Symphony  هي مؤلف موسيقي يتكون من حركة واحدة على الأقل، ويكتب عادة من أجل الأوركسترا. (ويكيبيديا)
"تَأْليفٌ مُوسِيقِيٌّ مُتَكَامِلٌ تَشْتَرِكُ فِيهِ مَجْموعَةٌ مِنَ الآلاتِ، وَيَتَكَوَّنُ مِنْ عِدَّةِ حَرَكَاتٍ، تُصَوِّرُ مُوسِيقِيّاً حَالَةً أَوْ مَعْنىً أَوْ مَوْضُوعاً أَوْ حِكَايَةً". (معجم المعاني الجامع)
من هذا التعريف لمصطلح السيموفينية، ومن ثُمَّ إضافتها لمفردة الوجع؛ يمكننا القول إنَّ عتباتِ النَّصِّ/ الديوان تلج بنا إلى عالمٍ من الوجع الجمعي، أو حالة من البكاء الجماعي، لكنه في قالب موسيقي، يشبه الإنشاد مثلا.
وهو ما يهيِّئ المستقبِل لمعطيات الديوان المعرفية والفنية لمجابهة قوالب فنية تشبه الإنشاد الجنائزي كملمح أصيل في الثقافة المصرية القديمة، وهي بيئة الشاعر الأقصري، أو بنية العدودة التي تنتمي لمناخ الشاعر الآني في جنوب مصر، كأحد فنون الحزن التي اشتُهِر بها، وإن كانت البيئة الجغرافية لم تفرض سطوتها على طرح الذات الشاعرة هنا، وهو ما لا يُعَدُّ فرضًا على المبدع بأي صورة من الصور، إلا أن احتمال حضور هكذا تقنيات وارد بطبيعة الاحتكاك، وكونها الثقافة الألصق بالذات الشاعرة.
غير أننا لا نجد لهذا الملمح تأثيره في بنية النصوص الشكلية، فجاءت نصوص الديوان في صورة قصيدة التفعيلة، ولم تلتفت إلى أهمية تضافر الشكل الفني مع محتواه المعرفي الذي يطرحه، وهو ما يشير إلى تمثُّل وعي الذات الشاعرة، والوقوف على إدراكها لأهمية الإطار الشكلي من عدمه، وغياب مثل هذه التفاصيل –  ما لم تجد البديلَ الفنيَّ الأنسب –  تظل علامة استفهام تطرح نفسها بقوة.
احتوى الديوان على ثماني وعشرين قصيدةٍ، يحمل أغلب عناوينها طيف الوجع الذي تخلقه الإحالة كما في: (بحرق الدم، باخاف، من غير كلام، أمل للحنين، قضبان حديد قلبك، استحملي، حبّة فرح)، ليترك للمستقبِل المتفاعل أن يتهيأ لجدل المعنى وإحالاته؛ فالتبعيض المشير للقِلَّة في (حبّة) فرح يشير إلى غلبة الحزن على المشهد. بينما جاء البعض الآخر يحمل لواء الوجع والهم المباشر لفظًا ومعنًى كما في: (الحزن، الغربة، بلاش تضحك، توب سواد) وهو ما لا يترك مجالا لاستقبال شيء غير الوجع.
إنَّ البناء المغاير في تركيب الصورة، ومن ثم تركيب الجملة الجمالي؛ يخلق عامل الدهشة، والصدمة التي تشبه صدمات الإفاقة لذهن المتلقِّي، وهو ما نراه في:
(ويا قلب متركب يمين وبتبتسم)
(وابدأ بغلق الفم في التسبيح)
(فاتح ايديك تشحت / حبة عرق م الشمس)
(مبشوفش / غير حلمي المرمى علي التلتوار /  في بداية شارع عمري)
وغيرها من أشكال البناء الجمالي للصورة، ما يبعث على الدهشة، إذ أن مفاجأة الثابت المعرفي لدى المستقبِل المتفاعل مع النص، يضعه في خانة إعادة ترتيب الأشياء، ووضعها في تقارب جديد، يفتح من خلال الرؤى الجديدة زوايا أخرى للرؤية، وبالتالي إنتاج الدلالة، التي تسعى الذات الشاعرة لبثِّها في ثنايا النصوص.
ولأننا نزعم من خلال معطيات عتبات النصوص / العناوين التي أشرنا إليها، أن الذات الشاعرة تطرح الهم الشخصي متماهيًا مع الهم الجمعي، فإن تفكيك البيان المكثف - في تلك الصور المشهدية التي جئنا بها للتدليل على هذا البُعد - ينتج عنه التأكيد على قدرة النصوص في شغْل ذهن المستقبِل المتفاعل معها بحالة الكبت والكد المستمرَّين، فاسم الفاعل (فاتح)، والفعل المضارع (تشحت) كلاهما يقول بديمومة الفعل، واعتباره صفة أصيلة لصيقة، وإذا أضفنا لبُعد الاستمرار بُعدًا آخرَ، ألا وهو (فـ بداية مشوار عمري) الذي يشير إلى زمن بداية هذا الكد المستمر، ندرك أنه مع ديمومته قديمٌ، وهذا الفعل - بقِدَمه وديمومته - يدور في محور الكبت والكد والفقد، وكلها معانٍ تستدعي حالة الهم الشخصي، الذي يتماهى – باستكمال بناء النصوص – مع الهم الجمعي..
(بلَّغ للبدر أن الأحزان /  بتخلِّف بالملايين / من يوم ما بعدت).
ولعل العلاقة المشتبكة بين خواتم النصوص وعناوين النصوص التي تليها، تضفي جمالا واتساقًا لحركة النصوص الدلالية، حتى وإن كانت الذات الشاعرة لم تقصد هذا التعالق، إلا اننا نتعامل مع ما بين أيدينا من طرح، ولنا أن نشير إلى نصِّنا الموازي، الذي نبنيه – كمستقبلين متفاعلين - بوعينا المتفاعل مع الذات الشاعرة وطرحها، فنجد أننا أمام القصيدة الأيقونة، التي جمعت في روحها تفاصيل البناء المعرفي والجمالي للديوان، وما زلت أقول إن عدم القصد أو الصدفة لا يوجبان إغفال القارئ المتفاعل مع النص هذه القيمة الجمالية، بما فيها من ذكاء:
فاتح ايديك تشحت / حبة عرق م الشمس / بتشــوف؟ / وأنا لسه ما شُفت / الحــــزن / واهو راح فشوش / اكتــمال / مش نهاية دا البداية للخلود / برواز خشب / والفرح مرمي على الطريق / بحـرق الـدم / معکش؛ يبقی روح اتلمّ / ازاى احبِك؟ / ومديت لِك خيوط القلب / تسبيحة على ايدِك / تمدِّيها فـ ساعة فجر تدعيلي.. / باخـاف / وتنهيدك أدان الفجر.. / في الغربــة / أنا في البعد.. / باكون جوه عروقك دم / من غير كلام.. / افهِم بقي.. / من غير كلام / أمل الحنين / أنت اكيد خاطي / قضبان حديد قلبك / هايم ومش مختل / عمرى ما كنت احتل / مطلع خروج الشمس / وابني عليه سدي / بلاش تضحك / وخلينا نكون واحد / بدال اتنين / انا وانتي / يخلي القلب يستشهد / ويركع ركعتين لله / بـلاش / تكون بلياتشو / أخره الموت.. / من ضحكتك / البحر غيرّ سِكِّتُه وفـ سِكِّتك بيمر / توب سواد / حمل حمولك يا صبى / فوق الحمول / وافتح بيبان للضحكة / جوه دمعتك / بتسـتعبط؟ / أنا الهايم في بكره الجاي / تكوني / وسابقه نظرتي للضي / باحبك موت / أكون ليكي ما أنا فيكي / جنين رافض / نموُّه يتم جواكي / حلَمك / وطريق نجاتك في البكا / يا عندليب / صوتي مهوش موجود / ولا حتى كان فيا / صوتي دا كان وياه / وخلاص ده فارقني / تغـيير؟ / يا إما يصبح التفسير / كده واضح / بأنك نسل ملعوب فيه.. / فاستحملى / قلبك معاي / حبـة فـرح / زارع كلام / وبغنوته يطرح فرح / إنســـان / وبكره يموت / يـا سمسمية / يا اللي ابتدت بيها الكفوف /
اول مسيرة / بحــر!
إن هذا النصَّ الذي جلبته تقنية حُسنُ التخلُّصِ، وإن لم تقصد الذات الشاعرة أن يأتي على هذه الشاكلة، وإن لم يتطرق إلى ذهنها أنَّ قارئًا قد يفعل هذا؛ كأنه اختصر مساحات من التقرير، والسرد المجاني، الذي يشي بأنها التجارب الأولى للذات الشاعرة، حيثُ افتقرت إلى المنحى الإنشائي، الذي يتَّكئ على السؤال تارة لجذب تفاعل القارئ لساحة الجدل، تلك الأسئلة التي على ندرتها جاءت في بعض العناوين، وبعض افتتاحيات القصائد، وبعض خواتيمها، وهو ما يجعل من هذا النصِّ - المخلَّق بفعل القراءة المتفاعلة – أيقونة الديوان، التي أزالت عنه الكثيرَ من التشوهات والشوائب.
إننا أمام كتابة بدايات، تشير إلى شاعر ننتظر منه الكثير، لكنها لا تشير إلى بنية فنية مدهشة، ولا إلى طرح على قدر من العُمق الفكري، إذ أن التجارب بدت في طرحها سطحية، على مستوى بنائها المعرفي، وعلى مستوى بنيتها الشكلية؛ جاءت تقليدية، إذ لم تحظَ بعنصر التتنوُّع، وأتت في قالَب أحادي الوتر، رغم أن العنوان ينبئ بتنويعات الخطوة الموسيقية، وتجمُّعِها في حزمة عامة.
كما أن الديوان يفتقر لعلامات الترقيم، ويعاني من انتظام الشكل الطباعي في كتلة متوسطة، وهو ما يقلِّل من مباغتات حالات الاستقبال، التي يصاب – بغيابها طباعيا -  القارئ بالملل، ويطفو على السطح شكل من أشكال العادية، بل وبدائية النسق الطباعي، كما أن افتقاره للمراجعة؛ أدَّى إلى كثير من الأخطاء، وهي نقطة أقف فيها مسائلاً الشاعر ذاته، لِمَ لمْ يراجع ديوانه قبل الدفع به، فالأمر ليس في دائرة الخطأ الصوتي المترتب على غياب التنوين فقط، بل امتدَّ إلى المشاكل الإيقاعية، خاصة وأن النصوص يُفترَض أنها غنائية موزونة.
هذه المشكلات – وإن بدت قشرية للبعض – هي مشكلات في عُمق النص، وطريقة تقديمه، وملمح يشير إلى كيفية تعامل كل من الكاتب والناشر معًا مع هكذا مؤلَّفٍ، والعبء يقع بالأساس على الشاعر، لأن المولود يحمل اسمه بالأساس، وهو المولود ذاته الذي يقدِّم لنا شاعرًا، أو قاصًّا، جزء من اهتمامه أن يكون عملُه في تمام زينته.

ليست هناك تعليقات: