2009/12/30

سيف الرحبي:البوكر العربية والأجواء المحيطة


سيف الرحبي:البوكر العربية والأجواء المحيطة


هذا الكلام لا يستحق حتى التعليق السريع، لولا انه صادر من الدكتور جابر عصفور لمكانته المعرفيّة وهو من نثق ونحب.. فهو في دوامة انفعالاته على النتائج نسي وتناسى أموراً بديهية. وما كان له أن يشارك على هذا النحو من التراشقات اللامسؤولة حول مؤيد ومعارض لأسباب وأهواء مختلفة، تكون الحقيقة دائماً ضحيّة هكذا مواقف وحملات..
فالدكتور كان انفعاله وغضبه واضحين حين لم يجد النتائج مرضية بالنسبة إليه ، وكان قبل هذا المقال أو التصريحات الاتهاميّة كتب مطولاً ما هو عكس ذلك تماماً.
ارتكب الدكتور جابر أخطاء بديهية سواء بتقييمه الخاص لأعضاء اللجنة، او حتى من الناحية المعلوماتية لصفاتهم المهنيّة وأحال ثلاثة منهم الى التخصص الشعري!
والكلام عن التخصص بهذا المعنى الضيق فيه تبسيط كبير.. ولا ينبغي الكلام عن الكفاءة المعرفية في أي مجال أدبي وفني بمثل هذا السياق التخصصي الضيق، كما هو معروف وبديهي في البرهة الراهنة تداخل حقول المعرفة وتشابكها على نحو يستدعي كلاماً أكثر سعة وانفتاحاً.. ومن باب التذكير ان رئيس الدورة الأخيرة للبوكر الانجليزية هو شاعر وهذه صفته الأدبيّة بالدرجة الأولى..
والأمثلة لا تحصى من شدة وضوحها، ولا تستدعي سرداً وإحصاء..
كاتب هذه الأسطر الذي نعته بصفة شاعر ومتخصص في قصيدة النثر، كتب نصوصاً كثيرة لها صفة القص والسرد، ومقالات شكلت كتباً.. بعض هذه المقالات كانت نقاشاً ودياً حول آراء جابر عصفور في غلوّه من إعلاء شان الرواية على حساب الشعر فيما يشبه النظرة المانوية التي لا يطالها الشك أو الالتباس..
جابر عصفور في سياق هجومه المنفعل تطرق الى الدكتورة رجاء بن سلامة مخطئا حتى في اختصاصها الأكاديمي والبحثي فأحالها الى الشعر.. وقيل أيضا انها محللة نفسيّة، فما شأنها بالرواية؟!
واستطراداً، ما شأن (جاك لاكان) أحد أساتذة رجاء ومراجعها، بالرواية والأدب؟! وعلى نفس الوتيرة تحدث عن الدكتور (فريدريك لاجرانج) الناقد والجامعي الفرنسي، وهو الملم بأسرار اللغة العربيّة مثل مثقفيها وكتابها الحقيقيين.
أما عبارة الدكتور (ما عندهمش كبير) فمن اللائق أن نرجعها الى معايير المضافات العشائرية والقبليّة فهناك مكانها الطبيعي (لقد وُلدنا عجائز يا دكتور).
وأعطى جابر عصفور طالب الرفاعي رئيس اللجنة مرتبة روائي من الدرجة الثانية، وكانت مقالات الدكتور حول أعمال الرفاعي تقول غير ذلك..
***
تحدث البعض عن المعايير النقديّة، وهي كلمة فضفاضة ليس لها إلا قيمة مدرسيّة أمام القراءة الحقيقيّة للعمل، وهي ليست إلا عملية اجرائيّة. وقد وُضعت بالفعل في إطار لجنة التحكيم كتصور أولي..
فليس هناك قواعد تأخذ طابع المرجعيّة والتقديس أمام القراءة المعرفيّة والذوقيّة التي يجتهد من خلالها قارئ هذا العمل أو ذاك.. وليس فيما نعلم ذلك التقيد الصارم والنهائي بالمعايير والقواعد إلا فيما يخدم القراءة الحرة والخاصة. فمثل هذا الكلام عفا عليه الدهر..
أما بالنسبة للتصويت الذي يأخذ طريقه بين أعضاء اللجان حين ينعدم الاتفاق حول رأي بعينه، فهو أبغض الحلال في هكذا مناسبات وان أتى بنتائج مؤلمة فيما يرى البعض، فهو الحل الديمقراطي الوحيد المتاح لفض الخلافات وهو المعمول به كما هو متداول، في كل اللجان والهيئات والمؤسسات التي تتوسل أن تكون خارج الاستبداد الفردي وبطش المزاج الواحد.. والملاحظ ان لا أحد يسأل عن آليات التحكيم والمعايير وغيرها في الجوائز الأخرى، وهذا ربما من نعم البوكر على حداثة عهدها التي أضحت الحدث السنوي الذي هز سكونية المشهد الثقافي بالصالح والطالح، وخلق مثل هذا اللغط والضجيج.. والجوائز مهما كانت أهميتها لا يمكن أن تخلق أدباء، إن لم يكونوا موجودين بانجازهم الابداعي، فعشرات الأدباء فازوا بجوائز عالميّة، ولا نجد لهم سطراً في تاريخ الأدب الكبير. وهناك بداهة من جافته تلك الجوائز، لكنه ظل جزءاً عضوياً من ذاكرة الأدب ومكتبة العالم..
رغم تسليمي بالنتائج التي صدرت وتضامني بإطلاق مع الزملاء أعضاء اللجنة، لأن لا شيء فرض بالقوة، حتى تلك الأعمال التي صار عليها الخلاف، فازت عبر التصويت.. وصادق عليها مجلس الأمناء.. رغم ذلك يبقى في النفس، وربما لأنني لست محترفاً في هذا المجال الذي يتطلب نوعاً من قوة التسليم الموضوعي والحسم، يبقى ويترسّب ما يؤلم حول روايات وروائييّن لهم مكانة عاطفة ومحبة في قراءتي وميلي الأدبي.
دعك من الضغائن والأحقاد المختزنة والمتراكمة لبشريّة (بشريتنا) المهزومة على كافة الصُعد، تنتظر دائما لحظة التشظي والانفجار..
إن كتاباً يقرا او سطراً يُكتب وفق الإيقاع الروحي والمزاجي الخاص لأهم من عضويّة الجوائز بعد هذه التجربة اللاممتعة، إن لم أقل الأليمة والمقرفة، ليس من الجائزة في حد ذاتها وإنما من الأجواء المحيطة.
وبارك الله لكهنة الجوائز والكرنفالات بغنائمهم الثمينة.


شاعر عماني، رئيس تحرير مجلة نزوى الفصلية الثقافية
nizwa99@omantel.net.om

نقلا عن كيكا

ليست هناك تعليقات: