2011/02/12

"الباب المفتوح" قصة قصيرة لسناء الشعلان

الباب المفتوح

د.سناء الشعلان/ الأردن
selenapollo@hotmail.com
كان صوته يجلجل ملء قصره المنيف الخرافي ذي الأبواب الماسية ، في قصره ألف جارية ، وألف غلام ، وفي سجنه المنيع ألف سجين ، لكنّهم ينعمون بالسعادة ؛ لأنّه أعدّ لهم أسرّةً من ماس،وطرائف وحشايا من ريش النعام أسوة بما في قصره، يقع قصره في منتصف السلطنة ، بل السلطنة تقع في منتصف قصره الذي يقع في أرض ما ، في زمان ما ،قصته قصةٌ قديمة تمزقّ عنوانها ، وأرقام صفحاتها ، ولم يبقَ منها إلاّ هو وشعبه السعيد، هكذا تقول القصة ، والويل للرعية إنّ لم تقل ما تقوله القصة . منذ سنوات لم يسر على قدميه فقد اعتاد أنّ يحمله العبيد على محفّته الذهبية التي أُعدت لتنقلاته ، حتى عندما خرج في حملة إحسان لجمع التبرعات لفقراء وأيتام السلطنة ،وما أكثرهم كانوا!! اعتلى المحفّة التي أمرّ أنّ يُكتب عليها بالذهب :" هذا من فضل ربي "، وفي عينيه كانت تتلألأ دموع الرحمة المصطنعة ،وهو يرقب المواطنين الحفاة شبه العراة الذين يحيطون بمحفته المقدّسة.

كان يقرأ قصة قيل إنّها لم تحدث ، وقيل إنّها حدثتْ من ألف عام ، مصدر مسؤول صرّح إنّها ستحدث بعد ألف عام ، بعضهم همس وقال إنّ هذا القصة حدثتّ لأنّ السلطان أراد ذلك ، وطاعة الله من طاعة السلطان ، الذي يصلي الفرائض في المسجد ، كثيراً ما ينسى أنّ يتوضأ ، لكن العبرة في القلب ،وقلبه عامر بالحب والرحمة ، وقيل إنّ نسبه الطيب يمتدّ إلى زوجة يوسف عليه السلام ، بالتحديد إلى نسب مولاها الخصيّ الذي لا تذكر التواريخ أيّ شيء عنه ، الراوي همس في أُذن البعض من الناس ، وقال مبتسماً بخبث :" زليخة لم يكن لها أي عبد".في اليوم الثاني وجدوا لسانه يسعى مذعوراً بعد أن قُطع من غير سبب محدّد.

سلطان الزمان كان يرفس سعيداً بقدميه ،وهو يقرأ عن سلطانٍ في الزمن الغابر قال له أحد رعاياه المسمّى سليمان الفارسي:" لا سمعاً ولا طاعة ، لانسمع"؛ لأنّه خصّ نفسه بذراع إضافي من القماش دون رعيته ، فلما ظهر عدله ، وأثبت أنّه أخذ ذلك الذراع من ولده عبدالله ، قال له سليمان الفارسي:" الآن سمعاً وطاعة ،قل ونحن نسمع " . وعندما لام الناس الرجل على فعلته قال لهم السلطان الخرافي في عدله:"لا خير فيكم إن لم تقولوها،ولا خير فينا إن لم نسمعها".

أعجبه ذلك الرجل العادل ،وذكّره بشيءٍ لا يعرفه ، وبنكهة لم يذقها ، انتفخت أوداجه سروراً ، وكاد يهلّل في مكانه ، بل أنّ ينزل عن تخت ملكه ، لكنّ بطنه المتكوّم أمامه أعاق حركته ، بل إنّه منعه من أن يرى بروز أعضائه التناسلية التي عالجها طويلا،ً ودفع ربع ريع أراضي الشعب لمشافي الواق واق حتى امتدت وتضمخّت كما يجب ،وذلك فقط ليقوم بمهامه الجنسية بشكل يرفع رأسه مع محضياته الألف،وهو حريص على قضية الرأس المرفوع؛ولذلك يرفع رؤوس معارضيه على أعواد المشانق.
حدّق في وزيره ، وقال له :" ما اسم ذلك الرجل العادل؟" .
قال وزير المدارك بثقة وهو يتمطّى :" لا أعرف يا مولاي ، ولكن أعرف أنّه من أمر بإحراق أهل الأخدود".
قال السلطان باهتمام :" ومن هم أهل الأخدود؟".
أجاب الوزير بلكنة الحكيم المثقل بعلمه:" أهل الأخدود من الشعوب الهندية التي ماتت في فيضان نهر بومباي في إيطاليا في عام مليون قبل الميلاد".

من جديد قرأ السلطان القصة على أسماع وزرائه ، كان يوزّع نظراته بينهم وبين ما يقرأ ، شعروا أنّ عليهم أنّ يبدوا سعادةً بما يقرأ السلطان ، وأن يثنوا على ذوقه الرفيع في اختيار القصص . وفجأة قال لهم السلطان بحماس لا يقلّ عن حماسه الحيواني وهو يتلظّى ويذبّ لثاثته أمام موائد طعامه التي لا تعرف نهاية :" أريد باباً مفتوحا"ً.
قال الوزراء بصوت واحد :" باباً مفتوحاً !!!."
قال وزير الدين الذي لطالما سمع السلطان يضرط في الصلاة، ولم يعلّق على ذلك بغير الدعاء بتقبّل صلاته الطاهرة :" وماذا تعني بالباب المفتوح يا مولاي أعزك الله وأدامك عزاً لنا ؟".
قال السطان :" هذه القصة ذكرتني بسلطان قرأت عنه في سِفْر العالم السعيد ، في مكان ما في الدنيا ، يفتح السلطان باب قصره للشّعب ، ولا يعيّن حاجباً على بابه ، يكتب في قرطاس إلكتروني وبحروف كهربائية جدول أعماله في ذلك اليوم ، ومن حق أيّ فرد من الرعية مهما قلّ شأنه وخمل ذكره أنّ يقرأ ذلك الجدول ، وأن يحاسبه إنّ رأى أنّ في برنامجه ما لا يخدم المصلحة العامة ، وذلك من خلال رسالة خطية يوجهها إلى السلطان ، الذي عليه أنّ يردّ على رسالة المواطن في موعد لا يتجاوز مسيرة يوم. وذلك السلطان أوعز إلى كاتب ديوانه أنّ يطلق على هذه السياسة ( سياسة الباب المفتوح ) ؛لأنّ أبواب قصره لا تُغلق في وجه رعيته. وأنا أريد أنّ أطبّق هذه السياسة مع الرعية .

عجب الوزراء مما سمعوا ، وشعروا بالقلق من هذه السياسة ، ولعنوا في دواخلهم ذلك الباب الذي سيتفح عليهم أبواب جهنم ويغلق دونهم أبواب الجباية والحرب والاستعباد. في اليوم الثاني ركب وزير الأخبار حماراً أخضر ، وحمل صبيانه الطبول ، وأعلن على الملأ أنّ السلطان أدام الله عدله قد استحدث مشروعاً وطنياً أسماه ( الباب المفتوح ).

في اليوم الأول لم يخرج أحد من بيته خوفاً من عواقب هذا المشروع ، أمّا في اليوم الثاني خرج فقط الأوباش وقاطعو الطرق طمعاً في سرقة الباب ؛لأّنه مفتوح، بعد ذلك مرّّ الكلّ من أمام الباب ، ولم يجرؤوا حتى على الاقتراب منه فضلاًعن قراءة جدول أعمال السلطان ؛ فهم لم يكونوا في حاجة إلى ذلك ، كان يكفيهم أنّ يفتحوا الصفحة السابقة من قصتنا هذه حتى يعرفوا برنامج السلطان.

انتظر السلطان طويلاً وطويلاً أنّّ تأتيه رسالة من مواطن ما ، وتخيّل كم سيستمتع بعبثه مع مرسلها ،وطال انتظاره، ولم تصله أيّ رسالة ،عندها غضب بشدة ، وأمر أنّ تُرسل له الرسائل وإلاّ سيغضب ويخسف الأرض برعيته ، ويجعل ماءها غواراً، ويسقط سماءها قطعاً. سمعت الرعية عن غضب السلطان واشتد رعبها . في تلك الليلة وصلت إلى السلطان رسالة صغيرة ، كُتبت بيدِ فضولية ، فضّ السلطان الرسالة على عجلٍ وبفضولٍ ، وأمرّ كهرمانه أنّ يقرأها ، قرأ الكهرمان الرسالة بعينيه،ثم ابتسم ، ثم شعر بقلق حيال ما سيقرأ، وللحظات شعر أنّه سيكون أوّل ضحايا الباب المفتوح ، قال السلطان له:"ما بالك ؟اقرأ..."

بلع الكهرمان ريقه ،وبدأ يقرأ ما ورد في الرسالة التي كُتب فيها:" مولاي أنا ابن المزارع دهبور ، عمري تسع سنوات،أريد أنّ أعرف لماذا منعتَ الرعية من شرب الحليب مع أنّه مفيد للصحة، أحقاً إنّك تملك بحيرة من الحليب تسبح فيها محظياتك لينعمن ببشرة جميلة؟!!!!

ضحك السلطان طويلاً مما سمع , ثم صمت ، ثم أزبد وأرعد، وأعلن أنّ سياسة الباب المفتوح قد عُلّقتْ إلى الأبد ؛ لأنّ الباب سيغلق، وعلى بابه أُعدم ألف طفل ثبت أنّهم يشربون الحليب في الأحلام ، والمحتجّون على استحياء كبلّهم جنود السلطان بأغلالٍ وسلاسل من ذهب ، ثم أرسلهم الى قصة أخرى ،وكان حريصاً على أنّ يكون في قصتهم وحوشٌ كاسرة وأرضٌ بلا لبن .. وقلب الصفحة..

وسكت الراوي عن الكلام غير المباح،ولكن الجدّات بقين يحدّثن الصغار وبالسّر عن الأطفال الذين أُعدموا ؛لأنّهم حلموا بالحليب الذي تستحم به جواري السلطان.


هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

نحن نرفض هذه القصة في هذا التوقيت لأنها تحمل اسقاطا على الرئيس السابق مبارك ورغم فرحتنا بثورة يناير وبتغيير الرئيس فإننا لا نقبل مثل تلك الاتهامات الجزافية وهذه الرمزية الفجة فرئيسنا رمز لمصر وكانت لديه أخطاء لا ننكرها وفي مقابلها كانت له مزايا عديدة يكفيه انه كان بطل اكتوبر وانه أطلق حرية التعبير في برامج التوك شو وحرية الاعتصامات وابداء الرأي فلا تسعي لركوب الموجة والمزايدةعليه او على مصر

عبدالكريم النملة يقول...

قصة عالية حذقت الكاتبة الموهوبة جدا عندما عمدت الى الرموز والى التلميح كي تسقط النص على اكثر من حالة

غير معرف يقول...

قصة ممتازة فيها كثير من الإبداع