2013/11/27

"وعلمتني المروءة!!" بقلم: علاء سعد حميده



وعلمتني المروءة!!
علاء سعد حميده

وأن المروءة تنمو وتكبر مثل الطفل الرضيع حتى تصير حياة كاملة مفعمة بالشباب والحيوية والعنفوان..
عذبة هي حتى توقن أن العذوبة اشتقّت اسمها منها.. كفّها الرقيقة بين كفّي نتمشّى بين محطة الرمل والقائد إبراهيم.. نتناول الآيس كريم مثلجا في شهر يناير!!
تلمح صبيا مشاغبا متعلقا بالترام.. أنذره مسؤول العربة فلم يمتثل، وأغلق الترام بابه.. ساقه في الخارج معلقة في الفراغ.. يصرخ.. سقط حذاءه.. اندفعت إلى الترام تدق باب العربة ليتوقف أو يفتح الباب.. وترّبت كتف الصبي تطمئنه..
المروءة موقف صغير ينمو داخلك.. إما أن تكون إنسانا أو لا تكون.. المروءة ليست مواجهة حادث جلل فحسب.. كل المواقف أمام المروءة والإنسانية سواء..
أمام باب القطار تسبقنا أمًا صغيرة السن تحمل فوق كتفها رضيعا خرجت قدمه من الغطاء.. تمد كفها الرقيقة الأنيقة فتسحب الغطاء تُدثّر الرضيع جيدا وتبتسم في وجه الأم هامسة:
-       الجو في الخارج قارص البرودة فانتبهي للصغير..
المروءة عمل يومي مستمر لا ينقطع ولا يمتنع إذا استدعته الضرورة..
بين درب غَلّب ودرب الأحباس.. يؤذي فتاة خفراء كلام ماجن انطلق من بين شفتي شاب عابث.. تستوقف الفتاة في لحظة تبتسم لها بعينيها مشجعة.. تتجاوز بها الموقف في سرعة وبراعة.. وتثبّتها بكلمات تمضِي بعدها الفتاة رافعة الرأس واثقة الخطى منتصرة النفس..
المروءة ليست خُلقا اختياريا نتخلّقه حينا ونتركه حينا.. المروءة مطبوعة على النفوس النبيلة لا تخذلها ولا تفارقها أبدا..
تقود سيارتها برقة في شارع يعقوب المنصور المزدحم قُبيل الغروب.. تنحرف إلى زنقة جانبية.. يصطدم صبي مندفع لم ينظر تجاه السيارة قبل أن يعبر الطريق، بزاوية مقدمة السيارة ويسقط على الأرض.. وينكسر مصباح زجاجي كان بيده.. 
بحنوّ أُم ومروءة طبيب وأخلاق فارس تتوقف.. تُوقف الصبي تُهدهده.. تطمئن على سلامة عظامه بالكامل.. تَنقدُه ثمن المصباح المكسور.. الولد يعتذر منها فهو يدرك انه مخطئ لم يتبع قواعد المرور.. تُصر أن تكتب له رقم هاتفها في ورقة وتؤكد عليه أن يسلمها لوالدته.. الولد يرتعش لا يريد أن يخبر أمه بما حدث ستعاقبه على الإهمال.. تهتف به:
-       قل لها قائدة السيارة هي المخطئة.. هذا رقمي.. إن شعرت بأي ألم لا تتردد في مهاتفتي..
المروءة لا تحتاج إلى لحظة تفكير واحدة في العواقب والمآلات.. من يفكر أو يتأنّي تذهب عنه مروءته فلا تعود..
علّمتني ألا أؤجل مروءتي لموقف يوم عظيم، أواجه بها طاغية أو مستبد.. المروءة أنقذ بها فتاة صغيرة.. أحمي صبيا من تَحرُّش أقران أكبر منه.. أمدُ كفًّا لمرور كفيف في الطريق.. ثم .. ثم المروءة التي علّمتني لا يمكن أن تخذلني أمام إراقة الدماء أبدا.. أبدا.. أبدا..

عضو رابطة الأدب الاسلامي العالمية

ليست هناك تعليقات: