2014/06/11

"شجاعة القطيع " قصة بقلم: عبد القادر صيد

شجاعة القطيع
 بقلم: عبد القادر صيد
  الشجاعة أن تمشي مع القطيع دون أن تعرف إلى أين، ولو سألت عن الوجهة فأنت جبان .. الشهامة أن تصرخ كما يصرخ جارك ،   و لو همست فأنت نذل.. الرجولة أن تثير الشغب كلما رأيت شاحنة تحمل جرّافة ، و لو تركتها تمر دون شغب فاذرف على رجولتك حفنة من الدموع..و هكذا بدأ صراخ الناس يرتفع شيئا فشيئا كلما اقتربت الشاحنة حاملة الجرّافة زاحفة نحو هدفها، لو نفخوا عليها بأنفاسهم عليها لطارت من مكانها.. قادرة شعاراتهم على زعزعة الواقع تماما كما زعزعتهم من الداخل.. نعم لقد كانوا مسلحين،  و أيّ سلاح؟! كل واحد أخذ ما بصقه منزله ، و ما نبذته الطريق، لقد كان معهم سلاح يقهر أعتى الجيوش:
ــ سنحمي الصخرة المباركة  من الاقتلاع، لن نسمح لهذه الشاحنة أن تنزل الجرافة..
   هكذا سمعتهم يرددون، و هكذا ردّدت. لم أكن في بادئ الأمر أتوقع أن الخياط سيخيط لي ثوبا على  مقاسي، كما خاط لجيراني، و لم أكن أنتظر أنه فوق ذلك سيخيطه على ذوقي، لا شك أنه ـ الخبيث ـ تجسس على هواي و استفتى قلبي..وحده الماهر قادر على إقناعي، و قد أقنعني.. فمشيت ،وعشيت ،ثم بعد ذلك عميت ، من يلقي عليّ قميص يوسف لأخلع قميص الخياط ؟ رحت أرفع عقيرتي  معهم:
ــ يتّم اللهم أبناءهم ، و رمّل نساءهم..
    مزقت ثوب التحفظ ،ورقّعت بقطعه ثوب الانتماء، لم التفت إلى حديث الهدهد:
ـ  لماذا في الطبيعة عندما تتأخر زهرة عن التفتح حتى يكتمل جمالها لا تتهم بالدمامة، وعندما يتوقف طائر حزين عن الغناء لا يتهم بداء التوحد، و عندما يمتنع سبع شبعان عن الافتراس لا يطعن في شراسته؟ أليس الانتماء له نفس المعنى ،هنا كما هناك ؟!
    و مع ذلك مشيت معهم و جيوبي مدججة بالعواطف الملغمة، لا مظلة لي تقيني من شواظ الكاهنة الذي يتساقط حجارة من سجيل على صدري، ولا صومعتي التي ينوء بها  ظهري تدفع عني ألسنة البرق ،مشيت و أنا أتنفس الفجيعة ..وحدها الفجيعة لم تضق بصدري ذرعا ،نعم الرفيقة تلك التي لم تعف أوساخي ! كوني كما شئت و لكن لا تهجريني..هل يمكن أن أعيش بلا فجيعة ؟! يوم بلا فجيعة غير جدير أن أحياه، فليذهب عني فلا طعم له .
  مازلت أمشي معهم  لأحمي تلك الصخرة التي قالوا لي بأنها مباركة.. وقالوا أنني يجب أن أعيش من أجلها و أموت من أجلها ..أمشي و زمن الفجيعة لا يمشي، أمشي و شباك الكاهنة لا تعتقني..واهنة خيوطها لكنها تتقوى بأوهامي الضاربة  جذورها في وحل العبودية.
  ما زلت أمشي..و أكرهت على قبول مسرحيتهم و لكن بشرط أن يسمحوا لي بالتغريد خارج النص و لو في مشهد واحد، و ليصلبوني بعدها إذا شاؤوا على مشجب تغريدي، فخير لي أن أسدد ضريبة تغريدي من أن أصلب بالوكالة..كذاك لم يقتل المتنبي إلا حياؤه من بيته الشعري..لقد كتب للناس أشعاره ، و كتب لنفسه موته .           
   لقد بدأت المسرحية ، و لكنني لا أطيق التحرك في الركح ؟! ألا ما أبأس مسرحية عدد الممثلين فيها أكثر من عدد الجمهور ! و عدد الأبطال أكثر من عدد الممثلين !ترى في الأخير من يصفق لمن ؟ لن انتظر النهاية سآوي إلى صومعتي تعصمني من الغباء ..
  أيتها الجرّافة اللعينة افعلي فيهم ما شئت، فلن تضريهم أكثر من الغباء.
 

ليست هناك تعليقات: