2014/12/17

عبد الله العتيبي في ميزان البحث




   عبد الله العتيبي في ميزان البحث
  بقلم:محمد سيف الإسلام بــوفـلاقــــة
  -جامعة عنابة-
       تبوأ الأديب والباحث الكويتي عبد الله العتيبي موقع الصدارة في ركب النابغين من أبناء الكويت،فقد كان واحداً من الأدباء المتميزين والباحثين البارزين.
        ولا ريب في أن الاحتفاء بالأدباء والباحثين  وقادة الفكر من خلال إصدار كتب تتحدث عن مسيرتهم وتدرس منجزاتهم وتقدر عطاءاتهم،  بعد أن أفنوا أعمارهم في كفاح مستميت ونضال مستمر وإسهام قوي في إثراء تراث الأمة، وتكوين أجيال من الباحثين ورجال التعليم ،يعد من المبادرات الحميدة والجديرة بالإشادة والتنويه ،نظراً لما ينطوي عليه من دلالات عميقة تؤكد معنى الوفاء والاعتراف بالفضل لأصحابه.
      وفي هذا الإطار يأتي إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت لكتاب«عاشق الدار:عبد الله العتيبي بين إبداع الشعر وقراءاته»،و ذلك ضمن سلسلة منارات ثقافية كويتية،حيث يميط الكتاب اللثام على الكثير من الجوانب المهمة التي تتصل بمسيرة ومنجزات الأديب عبد الله العتيبي الإبداعية و الأدبية والثقافية.
   يحتوي الكتاب على بحثين متميزين مع التعقيب عليهما:
       البحث الأول كتبه الدكتور حمد عبد الله الهباد؛ الأستاذ بقسم الآلات بالمعهد العالي للفنون الموسيقية بدولة الكويت، وقد عنونه ب«عاشق الدار:الشاعر الغنائي عبد الله العتيبي»،وقد عقبت على هذا البحث الدكتورة أمل ماجد سلطان بشير؛ الأستاذة في قسم التربية الموسيقية بكلية التربية الأساسية بدولة الكويت.
       والبحث الثاني قدمه الدكتور سالم عباس خذاذة، وقد وسمه ب«عبد الله العتيبي بين إبداع الشعر وقراءته»،و تولى التعقيب عليه الكاتب صلاح دبشة.
    كما يتضمن في نهايته ملحقاً يحتوي على مختارات من إبداع عبد الله العتيبي الشعري،و نماذج من كتاباته النثرية، ومما كتب عنه.
        ومما لاشك فيه أن هذا الكتاب يعد مصدراً ثميناً للباحثين المهتمين برواد الثقافة والأدب الكويتي،فالأديب عبد الله العتيبي بذل جهوداً جبارة في بناء صرح الثقافة الكويتية وإقامة بنيانها الشامخ ،وهو ما يزال يستحق الكثير من الدراسات والأبحاث التي تركز على أعماله الأدبية والثقافية.
      ووفق ما جاء في تقديم الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت فاختيار شخصية عبد الله العتيبي جاء نتيجة للمكانة الكبيرة التي استطاع أن يتبوأها بين كوكبة الأدباء والمثقفين والشخصيات المميزة في الكويت، فقد «كان العتيبي شاعراً مرموقاً،كما كان قارئاً متذوقاً للشعر:فقد نظم الشعر،فصيحه وعاميه، فعرف بالكلمة البليغة والعبارة الرشيقة المغموسة بعذوبة الإيقاع الموسيقي. وفي قراءته الشعر كان مدفوعاً باهتمامه بهذا الفن الذي شكل منذ أقدم الأزمان ديوان العرب وسجلاً لتاريخهم الثقافي الأول،لأن كيمياء الشعر في دمه إبداع...وهو ناقد لشعر الفصحى وناقد لشعر العامية على حد قول الباحث الدكتور سالم عباس خذاذة. وقبل هذا وذاك كان الشاعر عبد الله العتيبي ابن هذا الوطن، منتمياً إلى هذه الأرض ومحباً لهذه الثقافة العريقة التي ما إن امتلك ناصيتها عبر دراسته الأكاديمية وقراءاته المطولة فيها، حتى عاد ليصوغها في أشعاره الكثيرة قصائد جميلة مترعة بحب صاف لا تشوبه شائبة، فاستحق هذا اللقب الذي عرف به جيداً(عاشق الدار).
       أجل، كان عبد الله العتيبي عاشقاً لبلده الكويت، مثلما كان عاشقاً لبيئته منذ نعومة أظفاره، ملماً بخيوط الثقافة التي ميزت أهل الكويت، كمجتمع التقت في نسيجه الثقافي مؤثرات البحر ومؤثرات الصحراء، بما يتجسد في هذين العالمين المتناقضين-والمتفاعلين في آن-من مميزات الرحابة المكانية كفضاء يتسع للخيال و الإبداع، فكانت الصحراء فضاءً ملهماً لفنون وبعض أنماط تفكير وحياة ساكنيها، عبر تجوالهم فيها، كما كانت مصدر هواجسهم وتحدياتهم وفروسيتهم، كما كان البحر ميداناً لبحثهم الدائم وتأملهم وسفرهم وأناشيدهم وأغانيهم بقدر ما هي مصدر مهم لرزقهم اليومي وجسر لتواصلهم الثقافي مع العالم.
        وكان العتيبي، رحمه الله، قد خبر الكثير من جوانب هذه الثقافة التاريخية فتغنى بها ومنحها أغلى ما عنده من درر القول، فلم ينقطع عنده حبل الشعر المجدول بقلمه المبدع وذاكرته العريضة ونفسه المفكرة، بل تجلى في صورة أغان وقصائد شعرية طويلة ذات إيقاعات و موسيقى، حولتها حناجر المغنين وأوتار الملحنين الكويتيين إلى أناشيد تمجد الوطن، وقصص بطولة وحب للحياة في هذا الوطن.
      وحين عكف العتيبي على قراءة الشعر العربي-كما جاء في رسالته لنيل الدكتوراه-في أزمنته الأولى من الجاهلية حتى العصر الأموي، لم يلفته في هذا الشعر غير نزوع ذلك المجتمع إلى السلم، كظاهرة اجتماعية فرضتها ضرورات الحياة العربية.و بذلك أرسى العتيبي بهذه النظرة المتفحصة للشعر القديم ما يتوازى والنظرة المعاصرة إلى السلم باعتباره ضرورة حضارية»(ص:5-6).
  عاشق الدار:الشاعر الغنائي عبد الله العتيبي
        أشار الدكتور حمد عبد الله الهباد في بداية بحثه إلى أن البحث في شخصية إبداعية متعددة الجوانب كشخصية الشاعر الغنائي عبد الله العتيبي ليس بالأمر اليسير، فالمرء يجد نفسه حائراً في أي جانب من جوانب شخصيته يمكن تسليط الضوء عليه، وهذا الأمر يرجع لتعدد نوازع الإبداع الفني في تكوينه الفني والأدبي.
       وعرض الدكتور الهباد السيرة الذاتية للشاعر عبد الله العتيبي، فقد ولد سنة:1943م بدولة الكويت، وبدأ تعليمه الأول في مدارس الكتاتيب على يد الملا محمد صالح العدساني في حي القبلة بجانب سوق الحدادة.
      وكانت دراسته الثانوية بالمعهد الديني، وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية، وحصل على ليسانس لغة عربية وآدابها-كلية دار العلوم سنة:1970م،واستكمل دراسته العليا في نفس الكلية، وقد خصص أطروحته لدراسة  موضوع: «شعر السلم في العصر الجاهلي».
       وفي سنة:1977م حصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي بمرتبة الشرف الأولى، وقد حملت أطروحته عنوان«الحرب والسلم في الشعر العربي من صدر الإسلام إلى نهاية العصر الأموي».
     وقد عمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة العربية وآدايها بجامعة الكويت، وترأس قسم اللغة العربية ،ثم أصبح عميداً مساعداً ثم عميداً لكلية الآداب بجامعة الكويت.
        وقد أسهم مساهمة فعالة في تأسيس مركز التراث الشعبي في دول مجلس التعاون الخليجي-الدوحة دولة قطر سنة:1982م،وكان عضواً فعالاً في اللجنة العليا للمعاهد الفنية بدولة الكويت،و كان عضواً في مجلس إدارة المعهد العالي للفنون الموسيقية، كما ساهم في كتابة الكثير من الأغاني في مختلف المناسبات الرسمية لدولة الكويت، فكتب مجموعة من الملاحم و الأوبيرتات التي ترتكز على إسهامات التراث الفني الشعبي الكويتي.
   ومن أهم أبحاثه ودراساته التي تطرق فيها للتراث الغنائي والشعر الشعبي  :
-دراسة فن اللقطة-مجلة البيان-يونيو-1981م.
-الشعر الشعبي الكويتي وقضاياه الاجتماعية-دراسة نقدية-مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية.
-أثر البحر في الشعر الشعبي الكويتي-دراسة نقدية-مجلة البيان-ديسمبر1982م.
-الأدب الشعبي في الكويت-الجامعة العربية-تونس1983م.
-دراسات في الشعر الشعبي الكويتي-1984م.
       وبالنسبة لأنشطته الثقافية والأدبية فقد كان عضواً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت،و شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الكويتية(كونا)،وترأس مجلس إدارة المجلة العربية للدراسات الإنسانية التي تصدرها جامعة الكويت،كما كان رئيساً لتحريرها، وترأس تحرير مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء في الكويت وكان عضواً في لجنتها الاستشارية، كما ساهم في الكثير من المؤتمرات والأنشطة الثقافية والأمسيات الشعرية داخل الكويت و خارجها،و مثل الكويت في العديد من المهرجانات الشعرية والأسابيع الثقافية.
    وقد انتقل الشاعر عبد الله العتيبي إلى جوار ربه بعد معاناة مع المرض سنة:1995م.
      ونظراً لما يحظى به الشاعر عبد الله العتيبي من مكانة خاصة لدى جميع الأوساط الفنية و الأدبية، فقد عرض الدكتور حمد عبد الله الهباد رؤية الفنان أحمد باقر والفنان غنام الديكان لشخصية عبد الله العتيبي، وتطرق إلى أوزان الشعر الشعبي عنده، وتوقف مع مؤلفاته الغنائية حيث تحدث في البدء عن أغانيه العاطفية،وفي الأخير عرض أغانيه الوطنية.
      وقد وصفت الدكتورة أمل ماجد سلطان بشير جهد الدكتور حمد عبد الله الهباد الذي بذله في هذا البحث بالجهد المثمر الذي بذل في جمع وتصنيف المعلومات الأدبية والفنية والموسيقية،وأكدت على أن دراسته القيمة تؤرخ  لجانب مهم يربط بين الأدب والفن في سياق تحليلي أدبي وموسيقي،وقد تناول فيها التفصيلات الجزئية لمفهوم الشعر وبحوره وقوافيه،كما استخدم الكثير من المصادر التي تساعد في الإلمام بالموضوع من مختلف الجهات، فدراسته تعد إضافة جادة للمكتبة العربية.
  وفي ختام تعليقها، أشارت إلى أن الباحث قد أبدع في هذه الدراسة في مجموعة من النقاط:
«1-اختيار الباحث لشخصية الشاعر موضوع الدراسة يعتبر مدخلاً إيجابياً من حيث تناول أعمال الشاعر من وجهة  نظر  شعرية و  فنية   وموسيقية.
2-شخصية ثرية مثل شخصية الشاعر الغنائي موضوع الدراسة عندما تتناولها شخصية علمية كويتية،وهو الباحث، تعتبر إضافة علمية.
3-تناول الباحث شخصية الشاعر وقصائده من وجهة نظر الموسيقيين فيها إظهار لشاعرية الشاعر موضوع الدراسة ووزنه الأدبي والفني.
4-اتجه الباحث مستفيضاً في إيضاح مفهوم الشعر الغنائي ،وأوضح التراث الغنائي الشعبي في دولة الكويت، وجمعه بين الشعر الفصيح والعامي ،فيعتبر ذلك توضيحاً مهماً لإدراج أعمال الشاعر موضوع الدراسة، وموقعه من حركة الشعر في دولة الكويت.
5-جمع الباحث بين مفهوم الشعر الغنائي وأشعار الشاعر موضوع الدراسة، و أوجد مصطلحات للشعر الغنائي ومواصفاتها وخاصة المبنية على أسس شعبية.
6-انتهج الباحث في عرضه لمؤلفات الشاعر موضوع الدراسة المنهج التحليلي الوصفي،تحليل محتوى ،فقد عرض الأعمال وحللها ولم يغفل إبداء الرأي ومواطن القوة والتعليق على كل عمل، ولذلك يعتبر هذا الجزء دراسة مستفيضة من متخصص في عرض أعمال الشاعر الغنائية الملحنة وإلقاء الضوء عليها، وهذه نقطة إيجابية للبحث.
7-لم يغفل الباحث في هذه الدراسة الجانب الأدبي والعروض الشعري والموسيقي،وهناك ندرة في هذه المواضيع،لذا يمكن أن يعتبر مرجعاً يفيد الدارسين في مجال الموسيقى، بل في الشعر أيضاً»(ص:80-81).
  عبد الله العتيبي بين إبداع الشعر وقراءته
      في البحث الثاني من الكتاب عالج الدكتور سالم عباس خذاذة جملة من القضايا التي تتصل بإبداع عبد العتيبي الشعري، و مقارباته للشعر العربي.
       في المحور الأول من هذا البحث توقف الدكتور خذاذة مع جهوده في مجال قراءة الشعر، وذكر أن عبد الله العتيبي قد سعى إلى قراءة الشعر العربي قراءة جادة منذ المراحل الأولى في حياته العلمية،كما كان منذ صباه شغوفاً بشعر الحماسة خاصة وبالشعر الجاهلي عامة، و شغفه لم يمنعه من النظر في الوجه الآخر لهذه الحماسة التي ترتبط بالحرب، وقد انطلق في رحلته من البحث عن سمة فارقة تدفع إلى غربلة تصوره عن العصر الجاهلي، وبذلك تخالف ما اشتهر به من علو في صوت الحرب وخفوت في صوت السلم، ذلك أن الحياة في العصر الجاهلي فيها من معاني الحب والتسامح والوفاء ما يؤكد وجود نزعة السلم لديهم، وقد تساءل عن حضور هذه النزعة في شعرهم، و هذا التساؤل هو الذي أقام عليه أطروحة الماجستير.
       ويشير الدكتور خذاذة إلى أن اهتمام عبد الله العتيبي بالشعر الكويتي بدأ منذ أواخر السبعينيات، حيث اتجه إلى الفصيح والعامي(الشعبي)،فكتب عن خليفة الوقيان ويعقوب السبيعي وعبد الله سنان،و اهتم بفن القلطة و بالقضايا الاجتماعية في الشعر الشعبي الكويتي وأثر البحر في هذا الشعر.  
      ولاحظ الدكتور عباس خذاذة أن هناك تناغماً بين كل المقالات والدراسات التي قدمها عبد الله العتيبي في هذه الفترة، فقد ترسخت لدى العتيبي جملة من المفاهيم التي تتعلق بالشعر وطرائق معالجته، وهي لا تخرج  في مجملها عما اكتسبه من خبرة خلال إنجازه لأطروحة الماجستير والدكتوراه، عدا ما طرأ من ميله البارز إلى قراءة الشعر العامي،و هذا الميل رسخ مبادئ المنهج الاجتماعي التي كان يعتمدها في قراءاته السابقة، وقد اهتم العتيبي بالعلاقة الوثيقة بين النص والواقع الاجتماعي، ورأى أن النص الشعري الحقيقي ما هو إلا  تعبير و توثيق لحركة الحياة الاجتماعية والسياسية، وقد قدم الدكتور خذاذة مثالاً بقوله في مقدمة الدراسة التي كتبها عن عبد الله سنان: «عندما يصبح الشعر وثيقة اجتماعية راصدة لحرمة التطور الاجتماعي والثقافي لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فلا بد من الوقوف إزاء بعض القضايا المهمة...».
      في المحور الثاني من بحث الدكتور سالم عباس خذاذة تطرق إلى مجال إبداعه للشعر، ورأى أن إبداع الشعر هو الإنجاز الأهم بين كل ما قدم، وقدم لمحة عن منجزاته الشعرية حيث نبه إلى أن الجانب الكبير من جهده الإبداعي قصره على الشعر الغنائي،أي الشعر الذي كُتب للغناء وليس المقصود ذلك النوع من الشعر الذي يقابل الشعر القصصي أو الملحمي أو المسرحي.
   وقد أوجز مجمل الإنتاج الشعري لعبد الله العتيبي في: 
    مجموعة من الملاحم هي: «صدى التاريخ» و«مواكب الوفاء» و«الخطوة المباركة» و«حديث السور» و«قوافل الأيام» و«أنا الآتي» و«الزمان العربي».
       إضافة إلى مجموعة من الأوبريت هي: «أنا الكويت» و«أهل الكويت» و«قلادة الصابرين»،كما كتب أشعار أوبريت  «ميلاد الأمة» بالاشتراك مع الشاعرين يعقوب السبيعي وخالد سعود الزيد،وكتب الكثير من الأغاني الوطنية لوزارة التربية من بينها مطولته الموسومة ب«قال المعنى» والتي نشرت بعد وفاته بمقدمة للباحث والناقد الكويتي الدكتور سليمان الشطي.
      أما ديوان«طائر البشرى»فهو يتضمن مجموعة من القصائد والمقطوعات التي كتبها عن وطنه الكويت،وعبر عن حبه الشديد له، وهي قصائد مرتبطة في مجملها بمأساة الغزو وفرحة التحرير، وقد ذكر الدكتور خذاذة أن أفضل ما كُتب عن هذا الديوان المقدمة التي افتتح بها الدكتور سليمان الشطي الديوان ذاته.
       وقد ركز الدكتور سالم عباس خذاذة على عوالم ديوانه الشعري «مزار الحلم»، حيث ذهب إلى  التأكيد على أن التقييم النقدي لإبداعه الشعري ينطلق من قراءة ديوانه الأول«مزار الحلم»على نحو خاص،فهو العمل الشعري الذي يتميز بالتنوع من حيث المضمون، ذلك أن معظم قصائده كتبت بعيداً عن دواعي الغناء، وقد نشرها على فترات زمنية سمحت بمزيد من النظر في نصوصها، وهذا ما جعلها أكثر نضجاً وتماسكاً في الرؤية وفي النسيج، وقد حظي ديوان«مزار الحلم» باهتمام واسع،ولقي أصداءً طيبة على الساحتين المحلية والعربية.
       ووفق رؤية الدكتور خذاذة فقارئ ديوان«مزار الحلم» يقف على الآفاق التي نذر نفسه أن يتحرك فيها، مبتسماً حيناً،وقلقاً حيناً آخر«جاعلاً من هذه المعادلة في الزمن الصعب جسراً يمكنه من العبور ليجد أحلامه في قابل الأيام على الضفة الأخرى. ومن ثم تتكامل في شعره أبعاد الموقف والفن لأنها صادرة عن شاعر مثقف موهوب. لقد أدرك الشاعر دوره في هذا الخضم المتلاطم، ولقد كان بحق محملاً بهموم وطنه ومأساة قومه لم يصرفه الخاص عن العام. بل إن العام هو الخاص لديه، ولذا نجد أن ما نسبته:60 بالمائة تقريباً من قصائد الديوان تدور حول هذه الهموم، فإذا أضفنا إلى ذلك عدداً من القصائد الأخرى التي لا تخلو من التعبير عن هذا المضمون والقصائد التي ينحرف فيها الأسلوب، أو يمكن أن توجه على نحو ما إلى هذا المفهوم من منظور قرائي مختلف، وجدنا أن أغلب القصائد تدور في فلك الآفاق القومية والوطنية، وهو أمر يؤكد ما ذهبنا إليه من وعي الشاعر بدوره ودور الفن في حياة الإنسان»(ص:119-120).
        وفي تعقيبه على هذا البحث ذكر الأستاذ صلاح دبشة أن بحث الدكتور خذاذة   أخذ منحى وصفياً تخللته بعض التحليلات النقدية،و نوع من الاستقصاء الكمي، وقد تمكن الباحث من تحديد الخطوط العريضة لمنهج عبد الله العتيبي في قراءة الشعر.

  

ليست هناك تعليقات: