2012/05/13

"المقــــــــــــام " قصة قصيرة بقلم: محمود مرعى


المقــــــــــــام
  محمود مرعى / الأقصر.

الله الله الله انساب الصوت إلى أذنى عذباً رخيماً، إقتلعنى من فراشى، فقمت مهرولاً فى اتجاهه، ترددت لحظه لكن الصوت لم ينقطع، مما دفعنى إلى الخروج من بيتى فى هذا الوقت المتأخر من الليل، وجدته أمامى بوجهه السمح البشوش، تأملته جيداً لم يتغير فيه شئ، وكأنه خرج من البلدة صباح اليوم وعاد فى المساء، نظر إلىّ بنظرته العطوف الحانية ، وبابتسامته الرقيقة التى لا تغادر وجهه، وبصوته العذب قال لى كيف حالك؟ وكيف حال البلدة؟ وما هذا التغيير الذى طرأ على البلدة؟ لمن هذه الساحة وهذا المقام؟ نظرت إليه غير قادر على الحديث، ثم شردت متذكراً اليوم الذى غادر فيه الشيخ البلدة، وكيف بحثنا عنه طويلا دون جدوى، وكيف خرجنا نسأل عنه فى البلاد المجاورة حتى أخبرنا أحدهم أنهم وجدوا رجلاً فى الصحراء ، ميتاً وله نفس مواصفات الشيخ، وكيف عدنا إلى البلدة ليخرج علينا عم صبحى الحلاق فى اليوم الثانى صارخاً بأن الشيخ قد جاءه فى المنام وأمره بأن يبنى له مقام وساحة، وكيف تبرع كل الناس فى هذا العمل الجليل، و أصبح عم صبحى الحلاق بعد ذلك الشيخ صبحى نقيب سيدنا الشيخ، وأوكل إليه استلام الهدايا والنذور والتبرعات، وكيف جاءت جموع الزوار إلى المقام، وتغيرت أحوال البلدة، ليقام فيها العديد من المشروعات، ليقيم عم محمد سوبر ماركت بدلاً من دكانه القديم، ويبنى عم حسن بيت ليقم فيه زوار الشيخ القادمون من كل مكان طلباً لبركته وتزدهر أحوال البلدة ، ويصبح مقام سيدنا الولى هو مصدر رزق غالبية أهل القرية، وأعود من شرودى لأجد الشيخ مازال يردد أوراده كما كان، وأنا غير قادر على الرد على أسئلته، فأجلس إلى جواره حتى حان موعد صلاة الصبح فقمت أنا والشيخ وتوجهنا إلى المسجد، نظر إلىّ الشيخ نظرة استغراب ، لقد تغيرت البلدة تغيراً شاملاً !! تتوقف الكلمات فى حلقى، لا أعرف ماذا أقول له، يخرج المصلون من منازلهم، كل من ينظر إليه يفر هارباً، يزيد استغراب الشيخ، إن أموراً كثيرة حدثت فى غيابى لا افهمها، البلدة تغيرت، ولكن لمّ تغير الناس؟ ولماذا يهربون منى؟ لا أقدر على التعليل ، أربكتنى الأسئلة المتكررة التى لا اقدر على الإجابة عليها، ندخل المسجد ينظر إلينا جموع المصلين، نظرات الدهشة والخوف تقلق الشيخ، ينظر الشيخ حوله يقول متعجباً، لقد تغير كل شئ فى البلدة ماعدا المسجد!! ينزوى فى الركن الذى تعود الصلاة فيه، أصلى ركعتين ، لا أجرؤ على الجلوس بجواره، أعود إلى شرودى، أتذكر جموع القادمين لطلب البركة، أو لطلب الإنجاب، أو لطلب البنين أو البنات أو لطلب الرزق، ثم أتذكر أهل البلدة الفقراء الذين تحولوا بين يوم وليله إلى أثرياء وأصحاب رأى وشورى بين الناس، وفى هذه اللحظة يدخل الشيخ صبحى النقيب ليعلن أن مولد " سيدنا الولى" عند ظهور الهلال أى بعد يوم أو يومين من الآن وأن " سيدنا الولى " قد حضره فى المنام وأمره بهذا الموعد وأنه أبلغ كل القرى المجاورة بهذا الموعد وقد حضرت بالفعل بعض الجموع إلى الساحة وأقاموا بدار الضيافة، وفى هذه اللحظة لاحظ أن الناس لا تنظر إليه ولم يستمعوا إلى حديثه، وأنهم ينظرون فى اتجاه أخر، فنظر فإذا به يرى الشيخ يصلى فى مكانه المعتاد، توجه إليه فى هدوء ونظر إليه جيداً ربما تخدعه عيناه، ولكنه تحقق من الأمر، والذى أمامه هو الشيخ بلحمه ودمه، خرج من المسجد فى حالة ذهول، وتوجه إلى  الساحة، واجتمع هو وعم محمد صاحب السوبر ماركت وعم حسن صاحب دار الضيافة وكل أصحاب المحال والمطاعم التى حول الساحة ، وتم إقامة" مولد سيدنا الولى" فى ميعاده المحدد، بعد الاختفاء المفاجئ للشيخ؟؟؟!!!.
arapo_4m@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: